ووصينا الإنسان بوالديه حسنا


الشيخ عبد الوهاب خلاف
 

الله سبحانه في عدَّة آياتٍ من القرآن الحكيم وصَّى الإنسانَ بوالديه، فقال: [وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا] {العنكبوت:8}. وقال: [وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ] {لقمان:14}، وقال:[وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا] {الأحقاف:15}.
 
وقرن سبحانه أمره بالإحسان إلى الوالدين بأمره بعبادته وحدَه فقال: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا] {الإسراء:23}، وقرن أمره بالشكر للوالدين بأمره بالشكر له فقال: [ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ] {لقمان:14}.
 
والرسول صلى الله عليه وسلم في عدَّة أحاديث من هديه حذَّر الإنسان من عقوق والديه، وعدَّ عقوق الإنسان والديه من أكبر الكبائر التي تحبط الأعمال وتذهب الحسنات، فقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا ينفع معهن عمل. الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من مات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وصلاته الخمس وأدائه زكاة ماله، وصومه رمضان كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ـ ونصب أصبعيه ـ ما لم يعق والديه » وقال عليه السلام: « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا بلى يا رسول الله: قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور».
 
هذه الوصايا الإلهية والأحاديث المحمدية ناطقة بأنَّ إحسان الإنسان لوالديه وبرَّه بهما من أمهات الواجبات التي أمر بها الدين وقرنها بالتوحيد وعبادة الله وحده، وأن عقوق الوالدين والإساءة إليهما من أكبر الكبائر التي حرَّمها الدين وقرنها بالشرك وبالمنكرات الموبقات؛ ذلك لأن الإنسان مَدين لوالديه بنعم لا تحصى. ولهما عليه حقوق لا يستطيع مهما جاهد أن يفي بها كلها..
 
فهما ربياه صغيراً واحتملا الآلام والمتاعب في رعايته والمحافظة على سلامته وتدبير شؤونه والقيام بحاجاته.
 
وأمه احتملت المكاره في حمله وفي وضعه، وقَاست الآلام والمتاعب في رضاعه وفطامه، و كم سهرت لينام، وضَحَّت براحتها ليستريح، و كم بكت إذا مرض وفرحت إذا برئ، وجعلت قلبها له وجهودها لخدمته.
 
وأبوه كم سعى وكدَّ ليعوله ويقوم بشؤونه، وكم حرم نفسه ليعطيه، وأحاطه بعنايته ليبلغ أشده.
فمجازاتهما على هذا الأساس بالإساءة وعلى هذه النعم بالعقوق والجحود ومقابلة رحمتهما بالقسوة ومحبتهما بالعداوة والبغضاء من أكبر الكبائر التي تستوجب غضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة.
ومما يثير الأحزان والآلام أنَّ أكثر الناشئين الآن لا يأخذون بما وصاهم به الله تعالى، ولا يبالون بما حذَّرهم منه رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يقومون بما تقضي به الفطرة الإنسانية من مجازاة الإحسان بالإحسان.
 
فكثير منهم لا يراعون حقوق الأبوة والأمومة ولا يذكرون للوالدين فضلاً ولا جهداً، ولا يُبالي الواحد منهم أن يُسيء إلى أمِّه ولا يعبأ برضاها أو سخطها، بل كثير منهم يتخذ أباه في لهوه هزؤاً وسخرية، ويتبادل ورفاقه سب الآباء والأمهات، وهذا مرض خُلُقي جعل الأبوة شقاء وجعل الأمومة مذلة..
وكم أم باتت باكية ساخطة من سوء معاملة ابنها وقسوته عليها. وكم أب قضى وقته حزيناً مهموماً من عقوق ابنه وإساءته إليه.
 
ألا فليعلم هؤلاء الناشئون أن من أهان والديه فهو مَهين لا كرامة له، ومن لا خير فيه لوالديه لا خير فيه لأحد. وأن عقوق الوالدين جزاؤه في الدنيا والآخرة، وعاق والديه لا يوفقه الله إلى خير، ولا يكلل سعيَه بنجاح. وله في الآخرة من الله عذاب عظيم؛ لأنَّ الله تعالى وصَّاه، فما نفَّذ وصيته، والرسول صلى الله عليه وسلم حذَّره، فما عبأ بتحذيره. والله عزيز ذو انتقام.
 
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: ?نوز الفرقان » جمادی الأولی 1369 - العدد 15


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين