وهل سقطت حلب؟؟

الإخوة الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. لسؤالنا هذا دلالتان مختلفتان .. يفصل بينهما نبرة الصوت في صيغة السؤال .. فالسؤال في نبرة الاستفهام .. يختلف في المعنى عن السؤال بنبرة الاستنكار .. واترك لكم تحديد المعنى الراجح المراد لجهة الصواب في ?خر المطاف .. أما الإجابة الشافية عن هذا السؤال فتدفعنا بالضرورة للعودة قليلا الى الوراء زمنيا حتى بواكير الثورة .. والحدث المفصلي الكبير في دخول الثواز إلى حلب .. وكذلك تدفعنا الى النظر حولنا حيث الجغرافيا السياسية متداخلة ومعقدة .. وبالضرورة طبعا تدفعنا الى التفكير وبعمق في خبايا الأحداث المفصلية الكبرى في طريق ثورتنا الكؤود .. والتي توالت أحداثها تترى خلال سنوات صعبة عجاف .. قاربت السادسة منها على الأفول .. 

وبالمناسبة أحب أن أعتذر منكم وأقول .. سامحوني على الإطالة وهذه الاستطرادات السريعة .. التي قد يراها البعض مملة لكنها ضرورية .. وذلك لأن الحديث ذو شجون .. ولأن الغصة مازالت في حلوقنا .. والدمعة في عيوننا .. ومازلنا مشردين نازحين بين أهلنا وفي مرابع شعبنا .. ونتبادل نحن المغادرين حلب قسرا الاتصالات فيما بيننا عبر كل الوسائل المتاحة .. بحثا عن المأوى والأثاث ومواعين الطبخ الأساسية .. 

وقبل الولوج في الاجابة عن هذا السؤال.. يحسن بنا التوقف عند حدث مفصلي .. يعتبر العتبة والمفتاح ونقطة البداية لكل ما تلاه من أحداث .. لقد كان دخول الثوار إلى حلب حدثا مفصليا كبيرا في خط سير الثورة .. تحول فيه واقع النظام من حال المبادر المهاجم إلى حال المدافع المتراجع .. وقاد دخول الثوار إلى حلب إلى سلسلة انتصارات .. تمكنوا من خلالها من السيطرة على أكثر من ثلاثة أرباع مساحة الوطن خلال أشهر معدودة .. وأصبح الشعور السائد لدى الجميع .. الحاضنة الثورية ومثله الشعور الخفي لدى الحاضنة التشبيحية .. أن الأمور ذاهبة بشكل تلقائي إلى انتصار الثورة وسقوط النظام .. مما دفع الكثير من المترددين والرماديين من أفراد وأحزاب وكتل إلى الالتحاق بصفوف الثورة .. وهذا بدوره كان سلاحا ذي حدين .. لم يحسن الثوار ممثلين بقادتهم الفعليين استخدامه .. وقد جر هؤلاء الانتهازيون في فترة لاحقة مصائب كبرى على الثورة .. تجلت في استشراء الفساد المالي والاداري .. والسرقات الممنهجة للاموال الخاصة والعامة .. وقد وصل الامر ببعضهم إلى محاولة سرقة المنجزات و والمواقف الثورية .. للقفز من خلالها على أكتاف الثورة .. وتنفيذ أجندات ضيقة حزبية أو فئوية أو مناطقية .. عبر التستر باديولوجيات معينة .. أو الوقوف تحت مظلة مكافحة الفساد .. وقد نجح الكثير منهم في تحقيق مآربه في الانتحال المزور لشخصية التائر الحقيقي .... والمراقب المتابع لتطورات الاحداث يستطيع الاشارة بسهولة إلى أشخاص وتكتلات معروفة .. كانت تقف من الثورة موقف المراقب الحذر وانخرطت في صفوفها بعد دخول الثوار إلى حلب .. هذه المجاميع كان لها دور واضح في افشال تجربة الجبهة الاسلامية .. وكذلك افشال عملية تشكيل مجلس قيادة الثورة .. وهذان الأمران مع الانتصارات الكبرى كان دخول الثوار إلى حلب هو المعبر الضروري للوصول إليهما .. وكان لهذه المجاميع الانتهازية المصلحية دور بارز في إفشالهما ..

لقد شكلت حلب عقدة نفسية وعسكرية وسياسية كبرى للنظام المجرم المتغطرس .. لم يستطع النظام تجاهل حلب .. ولم يستطع حسم المعركة فيها .. واستنزفت حلب النظام ماديا وعسكريا وسياسيا .. وحتى أخلاقيا لو كان لديه بقية رصيد من الأخلاق .. وذلك كله على مدى سنين .. ولو استطاع النظام التخلص من عقدة حلب مبكرا لما اعلن عن استقدامه المليشيات الطائفية المأجورة من كل أصقاع الدنيا .. ولو استطاع النظام التخلص من عقدة حلب في المدى المتوسط الماضي .. لما احتاج للاستنجاد بتدخل سيده الروسي مباشرة .. ولبقي يتاجر عبر آلته الإعلامية الضخمة وجيشه الإلكتروني بشعارات القومية والسيادة الوطنية .. كما تاجر من قبل وعلى مدى عقود بالمقاومة والممانعة .. وقبله بشعارات الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي .. نعم لقد شكلت حلب وثوارها الابطال من ساكنيها والقادمين إليها عقدة العقد بالنسبة للنظام .. وكانت بالاضافة إلى ذلك مقبرة للفكر المتطرف الذي تمثله داعش وأخواتها .. حيت لم يستطع هذا الفكر السقيم أن ينمو ويتغلغل في حلب كما نما وتغلغل في مناطق أخرى .. وكانت حلب بالنسبة له لعنة وشوكة لم يستطع ابتلاعها فضلا عن هضمها كما حدث في غيرها من المناطق .. الأمر الذي شكل معضلة أخرى بالنسبة للنظام .. الذي نجح إلى حد بعيد في تسويق نفسه للعالم  بأنه يكافح الإرهاب .. لكن حلب بقيت في خاصرة النظام جرحا نازفا .. حتى أفقذته القدرة على الحركة والمناورة قبل الوصول إلى مرحلة التسوية .. والتفاهمات بين الدول الكبرى ووكلائها في الأقليم .. ولم يستطع النظام الوصول الى هذه المرحلة الا بعد تسليمه مع حليفه الاستراتيجي ايران كل أوراق اللعبة إلى روسيا رغما عن أنفه .. ولولا صمود حلب وأهلها وثوارها الابطال طيلة هذه الفترة الماضية والتي امتدت لسنوات .. والتي سبقت في صبرها وتضحياتها وحجم الدمار الحاصل فيها .. بيروت في الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وقبلها ستالين غراد وبرلين في الحرب العالمية الثانية .. هذا الصمود الغير مسبوق دفع النظام الى التسليم بقبوله بالحل السياسي وهو ماكان يرفضه من قبل .. أو على الأقل يناور حوله .. واستحقت حلب بما وقع عليها من بلاء وماواجهنه من دمار ودون منافس الدخول الى قائمة غينس للأرقام القياسية من حيث الصبروالصمود .. وصدق في ثوارها الذين خرجوا بأسلحتهم وسياراتهم خروجا مشرفا .. يثبت للعالم أن سبب هذا الخروج هو التفوق النوعي الهائل للأسلحة لدى الطرف الآخر .. ولو كانت المواجهة حرب شوارع كما حاول أن يروج النظام وأزلامه .. لكان النصر المتوقع حليفهم .. يشهد لهم بذلك حندرات وبستان الباشا والشيخ سعيد وكل زاوية وزقاق شهد مواجهة مباشرة بين الطرفين .. وأنهم الان وبعد خروجهم الى الريفين الغربي والشمالي .. باقون شامة في جبين التورة والأحرار .. ورقما صعبا في معادلة التوازنات لايستطيع تجاهله أحد .. وقد صدق فيهم قول الشاعر :

من كان سر بما عراني .. فليمت ضرا وهزلا 

رعت القلوب مخافة .. وملأتها فضلا ونبلا 

ما كنت إلا السيف زاد .. على صروف الدهر صقلا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين