وكذلك جعلناكم أمةٌ وسطا

 

لا شك أن أبرز سمات الحياة هو التغير والتطور والتجدد في مختلف مفاصلها وسواء نظرنا لهذا التطور والنمو نظرة إيجابية أو سلبية فإن هناك حقيقة بديهية لا خيار لنا فيها هي أننا موجودون في خضم هذا الزخم المتسارع من التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ..

ولذلك إن ما تطرحه علينا تعقيدات هذه الحياة تفرض علينا أن نجد سياقاً من التوافق والتكامل بين مخرجات التطور الحضاري وبين ما ورثناه من تراثنا الثقافي ومبادئنا وقيمنا العريقة ولذلك فأننا نحتاج فكراً لا يغفل المستقبل ولا ينسى الماضي فوجود هذا التيار بات ضرورياً للحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية .

إنكار المعرفة والتقدم سيقودنا للجهل والاضمحلال لا محالة، وأخذها كما هي سيجعلنا بعد حين أمة مسلوبة الهوية مشوهة الثقافة غارقة ذائبة في ماديات الحضارات الأخرى

إن التحدي الذي يجب أن يكون هاجسنا هو هل نحن كمسلمين صالحين لزماننا أو بمعنى آخر هل يمكن أن نعيش عصرنا المتطور تاركين في مختلف مجالاته بصمتنا في خط التقدم الإنساني؟؟

هل نحن مدركين أن المجتمع الإسلامي من ناحية تكوينه وتنوعه وغناه ليس صورة تاريخه ثابته لكن وجوده وحضارته يرتكزان لقيم تاريخية ثابته وسامية؟؟

لقد واكب علماء وفقهاء أمتنا على مراحل حضارتنا الإسلامية تطور الحضارة الإنسانية وتشعباتها وأسسوا لمسائل عصورهم من شريعتنا الغراء بعد أن اتجهوا على إعادة تأصيل مقاصد الشريعة الإسلامية بما يناسب تطور احتياجات عصرهم المادية والروحية وأقروها آن ذاك بالحفاظ على “الدين والنفس والعقل والنسل والمال” معتمدين على أوامر الشرع ونواهيه

إننا اليوم في عصر غدت فيه معرفة المقاصد الفقهية القديمة وطرق استنباطها ومواكبتها مع هذا العصر حقوق بديهية لكل مسلم، وواجبة على كل حاكم وولي أمر،  فهي اليوم أضحت متجذرة في قوانين وتشريعات وأنظمة أمم الأرض قاطبة ويستفيد منها القاصي والداني، دون أن نمتلكها نحن .

ما هو الأشد أهمية اليوم هو الجزء الثاني من المعادلة، ماذا عن مقاصد شريعتنا الإسلامية في وقتنا الحالي في ضوء المفاهيم والتطورات الإنسانية الجديدة كالحق في حرية التعبير والانتماء السياسي والحق في مسائل الضمان الاجتماعي والصحي والحق في اختيار من في سدة الحكم والحق في التعليم والسكن …

عندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا هذه جزءاً من نهج ثقافتنا وشريعتنا فأننا ندفع عنها تهمة الجمود والتغريب في آن معاً، ونثبت لكل الأمم الأخرى عدم قصور الأحكام الشرعية وقدرتها على مواكبة ركب التطور الإنساني، وسينعكس ذلك على النهوض بواقعنا العربي والإسلامي في مختلف النواحي بآليات الاستجابة الحيّة لكل ما يحصل من تغيرات وتطورات على سلوكيات وثقافات الأمم ومن بينها أمتنا الإسلامية .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين