وقفة.. ونظرات

كثيراً ما تكون المرآة محور اهتمامك.

تستوقفك كلما ارتسم ظلك عليها، وتستدرجك في التأمل والاستغراق هنا وهناك بين معالم الوجه الذي تعرف وتألف، وبين حواشي الأردان التي تشكل هيكلك الظاهري العام.

ولكني أتساءل:

هل من عبرة بين يدي مرآتي الصقيلة؟

وهل من خفايا تختفي خلف الملامح الجليلة؟

أو هل تحمل لي مرآتي الوضوح الكامل الذي أرتجي فيه النظر إلى العيوب، كما أرتجي فيه التأمل بالمحاسن.

لقد توارث علماء النفس التأكيد على أن النفس البشرية يلفتها حسنها ما دام المرء ينظر إلى نفسه، وتلفتها العيوب ما دام المرء ينظر إلى غيره.

ولهذا أتساءل:

إن لم تكن المرآة التي بين يدي تريني إلا ما أريد.. أليس متوقعاً أن تريني المرآة ـ يوماً ـ ما لا أريد..

أو بعبارة أخرى:

كيف يتسنى لي الحصول على مرآة تريني عيوبي وتسترها عن غيري، وتبصرني بمواطن القبح كما تبصرني بمواطن الجمال.

كيف السبيل إلى مرآة تريني ذاتي ونفسي التي بين جنبي كما تريني وجهي ومعالمه.

وأتوقع أنه لو كانت مثل هذه المرآة.. لما نظر أحد إليها، ولما تملَّت الحسناوات حسنهن بين يديها، ولا استغرقت المتجملات ساعات نهارهن وقوفاً طويلاً متنعمات بظلها وخيالها.

ولو أن مثل هذه المرآة بيعت في الأسواق لكدست بضائعها، وهجرت المحلات التي تباع فيها، وخسر مصنعوها، ولم تقبل لها دعاية ولا إعلان.

ولو أن المرآة صورت صورة النفس مع صورة الوجه والخلقة لحجبت جمالاً فتاناً، أو لأظهرت حسناً كان مخبوءاً، أو لوارت قبحاً ممجوجاً.

أو طابقت أو غايرت الصورة الظاهرية جمالاً وقبحاً.

ومع كل فرحي وغبطتي بأن الله قد سترنا، وحجب عن الناس جُلَّ عيوبنا إلا أنني كنت أتمنى أن تكون لي الجرأة بين يديه فأتبصر بعيوبي وأقلع عنها، وأتفهم ذنوبي وأتوب منها... وأرى القبح وأمنحه دواءه الشافي حتى يكون بين يدي ربي جليلاً وجميلاً.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين