وقفات تربوية مع الإمام عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى:

الحمد لله الذي جعل العلم سبيلا لتوحيده، والعلماء أدلاء إلى مستقيم صراطه.

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من تفتقت ينابيع المعارف من جنبات نبوته ورسالته سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

مما ابتلي به المسلمون في هذا العصر: قساوةَ القلب، وجلافةَ الطبع، وغلظةَ القول، والبعدَ عن الأدب ، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالكلام عن أحد من أئمة الإسلام المتبوعين:  فمن معتبر إياهم ( أصناماً تعبد من دون الله)، ومن واصف لهم (بالطواغيت الأربعة الذين فرًقوا دينهم وكانوا شيعاً)، ولعل أهونهم شأناً من جعلهم سالكين طريقاً غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فأمثال هؤلاء وبال على الأمة وعلى الدين، ولعل ما يفعلونه بدعة حقة تؤدي إلى تضليل الناس، وإن أحسنا الظن قلنا: إنهم يدعون الناس لاتِّباعهم والأخذ بأقوالهم دون أقوال الأئمة المعتبرين.

وهذا تطاول إلى مقام عظيم لن يصلوه حتى يلج الجمل في سم الخياط، ورحم الله القائل:

مِمَّا يُزَهِّدُني في أَرْضِ أَنْدَلُسٍ            أسَماءُ مُعْتَمِدٍ فيها وَمُعْتَضِدِ

أَلْقابُ مَمْلَكَةٍ في غَيْرِ مَوْضِعِها  كالْهِر يَحْكي انْتِفاخاً صَوْلَةَ الأَسَدِ[1]

وأنشدنا شيخنا أبو زاهد رحمه الله يوما:

خلق الله للعلوم رجالاً        ورجالاً لنفشةٍ ودعاوي[2]

وصدق القائل:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم     على الهدى لمن استهدى أدلاء

وحسب كل امرئ ما كان يدركه    والجاهلون لأهل العلم أعداءُ[3]

هذا الواقع المرير كان يحز في قلب شيخنا الإمام العلامة المحدّث الشيخ أبي زاهد رحمه الله تعالى وهو الذي جالس وجانس ما لا يقل عن مئتي عالم من علماء الأمة الإسلامية فنهل من علومهم وآدابهم وأحوالهم وسمْتهم، وتعلّم منهم تعظيم السلف الصالح الذين حفظ الله تعالى بهم على الأمة دينها وعلومها.

لأجل ذلك وجدناه في كل كتبه، المحقق منها والمؤلف، لا يترك فرصة لتوجيه الناشئة وطلبة العلم توجيها خلقيا أدبيا إلا ابتهلها .

والحق يقال: إن كتب شيخنا رحمه الله مناهج تربوية كاملة متكاملة، مملوءة أدبا جما، وعقلا، وحكمة، وخلقا رفيعا. ويمكنكم الرجوع إلى كتاب: (صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل) أو كتاب: (الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم) أو ما علقه على (رسالة المسترشدين) مثلا، وسوف تجدوا فيها من التوجيهات التربوية الفريدة، والأخلاق النبوية، ما هو كفيل بتغيير واقع المسلمين، فإن الله عز وجل لا يغيّر ما بقوم ٍحتى يغيّروا ما بأنفسِهم.

عُمدة الإمام في التوجيه

قد يكون كتاب شيخنا (الرسول المعلّم) أجمع كتاب له في أساليب التربية والتعليم حيث ذكر فيه أربعين أسلوباً تربوياً استخلصها من الأحاديث النبوية.

إلا أن كتابه (صفحات من صبر العلماء) يعتبر كتاباً فريداً في بابه ممتعاً نافعاً إن دل ّ على شيء فإنما يدل على سعة اطّلاع شيخنا رحمه الله، ورجاحة عقله، وغوصه في بطون الكتب مستخرجاً منها فرائد النقول، مستغلاً كل سانحة وكلمة ليقدم من خلالها لطلبة العلم بخاصة وللمسلمين بعامة نصيحة أبوية صادقة صادرة عن رجل خبر العلم والعلماء، وخبر الناس، وخبر الحياة، فتأتي توجيهاته الصادقة مشاعل تنير للطلبة السبل في زمن غلبت عليه الأهواء، وغُلّفت فيه العلوم بالشخصانية والتعصّب للأشخاص مع ادّعاء عدم التقليد، فإذا بنا نرى أناساً حرّضوا العامّة على أئمّتهم وأجلسوا أنفسهم مكانهم...!!

ولما كان هذا منافياً لما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كان لا بد من إظهار حال الأئمة عبر التاريخ.

لأجل ذلك كان الاعتماد؛ فيما ينقله شيخنا الإمام رحمه الله تعالى من توجيهات على قصص العلماء وأخبارهم في أسفارهم، وفي ظعنهم، وفي جلوسهم بين يدي شيوخهم. ذلك أن الحكايات (جند من جنود الله تعالى، يثبّت الله بها قلوب أوليائه)، على ما قاله الإمام الجُنيد رحمه الله.

وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى : (الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه لأنها آداب القوم وأخلاقهم). وشاهده قول الله تعالى: )أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده(.

يقول شيخنا الإمام عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى:" إن ذكر العلماء المعتبرين والعُبّاد الصالحين بوصف التعظيم والإجلال، هو من صلب العمل بالعلم، ومن متطلبات العلم أيضاً، وليس هو من التطويل أو الفضول في شيء كما يحسبه بعض العصريين تقليداً منهم للمستشرقين ، فتراهم يقتطعون أسماء المؤلفين اقتطاعاً، ويختزلونها اختزالاً كأنها أرقاماً حسابية.

وهذا الاختزال خلاف مسلك السلف من العلماء ، وخلاف ما تدعو إليه الفطرة من الأدب مع الكبراء والعلماء والصالحين الأبرار، فذكرهم بأسمائهم مع التبجيل ينمّي حبّهم في النفوس، ويربي إجلالهم في القلوب، ويُعَرف بأقدارهم، ويحيي اتباعهم والانتفاع بهم في الأعمال والسلوك، فرضي الله عنهم وجزاهم عنا خير الجزاء."[4].

وكان رحمه الله تعالى نقل عن أحد العلماء، وهو العلاّمة المحدّث الشيخ عَيْدَروس بن عمر الحِبْشي العلوي الحضرمي رحمه الله قوله :

"قال بعض مشايخنا: ومَنْ مَنَّ الله عليه بشيء من ذلك - أي الأخذ عن الشيوخ والتلقي والتعلّم منهم - فعليه الشكر بذكر مشايخه ونشر فضائلهم، وإشاعة فوائدهم، والدعاء لهم، والترضي عنهم، فإن ذلك من أهم المهمات، فالشيخُ يُنيل الطالب ما يورثه سعادة الأبد، فوق ما أناله والده فتكون حرمته كحرمة الوالد بل أعظم، فحقه متأكد، ونفعُه في الآخرة مُتَأبِّد، وبِرّه أولى وأتم، وحقوقه أشد وأعظم ، فينبغي الاحترام والتعظيم له ولكل ما ينسب إليه، وأن يتخلّق معه بالآداب التي ذكرها العلماء."

 

طلب العلم بين الأمس واليوم

في كتابه (صفحات من صبر العلماء) يتكلم شيخنا رحمه الله عن أحوال الأئمة في طلبهم العلم وما قاسوه من أهوال، ومن جوع، وعطش، وإملاق، وانقطاع سبيل، وطول سفر، وبذل كل غال ونفيس، وهجر النوم، والراحة، والملذات.

والحق يقال: إن هذا الكتاب موسوعة تربوية تحفيزية للطالب على الجد والاجتهاد.

وأكثر ما كان يثير حُرْقته حال طلبة اليوم الذين لا همَّ لهم إلا استحصال الألقاب الفارهة بالدعاوى الفارغة.

ففي صفحة (107) من الكتاب يذكر شيخنا رحمه الله ( كلمة حول الرحلة والرحّالين في طلب العلم) وأنها " كانت في نفوس العلماء السابقين مقصداً أساسياً للازدياد من العلم، وتفتيحه، وتلوينه، وتنويعه، وتعميقه".

ثم نقل كلمة الأئمة المشهورة: (من لم يرحل فلا ثقة بعلمه)، ثم ذكر كم كانت تأخذ الرحلة من عمر صاحبها: السنتين، والأربع، والخمس، والعشر، وكثير منهم أخذت الرحلة من عمره العشرين سنة أو الثلاثين سنة، او الأربعين سنة، وبعضهم أخذت رحلته (45) سنة من عمره، كالإمام أبي عبد الله بن مَندَه رحمه الله، وقد كانت كلها في تحصيل العلم، ولقاء العلماء، وحضور مجالسهم، واستماع دروسهم، والاستفادات من تقريراتهم، والاستنارات من مناقشاتهم ومحاكماتهم..

ثم علّق رحمه الله بقوله: " فوازن - رعاك الله - بين الدراسة التي أثمرتها هذه الرحلات التي عركت الطلاب الراحلين عركاً طويلاً، وبين دراسة طلاب جامعاتنا اليوم! يدرسون فيها أربع سنوات وأغلبهم يدرسون دراسة صَحَفيّة فردية، لا حضور، ولا سماع، ولا مناقشة ولا إقناع، ولا تطاعم في الأخلاق ولا تأسّي، ولا تصحيح لأخطائهم، ولا تصويب ولا تشذيب لمسالكهم، ويتسقطون المباحث المظنونة السؤال من مقرراتهم (المختصرة)، ثم يسعون إلى تلخيص تلك (المقررات)، ثم يسعون إلى إسقاط البحوث غير الهامة من (المقروءات) بتلطفهم وتملقهم لبعض الأساتذة فيجدون لدى بعضهم ما يسرّهم وإن كان يضرهم، وبذلك يفرحون.!

وبعد ذلك يتعالون بضخامة الألقاب، مع فراغ الوِطاب، ويوسعون الدعاوي العريضة، ويُجَهِّلون العلماء الأُصَلاء بآرائهم الهشة البتراء، وينصرون الأقوال الشاذّة لتجانسها مع علمهم وفهمهم، ويُناهضون القواعد المستقرة والأصول الراسخة المتوارثة، ولم يقعدوا مقاعد العلم والعلماء، ولم يتذوّقوا بصارة التحصيل عند القدماء ! ولكنهم عند أنفسهم أعلم من السابقين !!

ويشهد المراقب للحال العلمية اليوم: كثرة متزايدة في الجامعيين والجامعات، وفقراً متزايداً في العلم وأهله، وضحالة في الفهم والمعرفة، ونقصاً كبيراً في العمل بالعلم ! وهذه مصيبة من أدهى المصائب! والله المرجو أن يلهم المنوط بهم أمور التعليم في البلاد الإسلامية، أن يتبصّروا بالأمر، ويتداركوا هذا الخطر قبل تأصّله وإزمانه واستفحال آثاره.

ولا أتحدّث طويلاً عن المبتعثين والراحلين اليوم من شبابنا إلى بلاد الغرب والشرق من بلاد الكفار والأعداء للإسلام وأهله، فإنَّ الناجي من براثن مكايدهم الخفية والظاهرة في العقيدة والخلق والتفكير والسلوك: قليل، وكم من أبنائنا وشبابنا من وقع في حبائلهم، وذهب في سبلهم، ورضيهم قادة وسادة، ونزع بالتالي من ديار الإسلام إليهم، وتوطن بلادهم مسكناً وداراً، واختارهم على أهله أهلاً وجاراً، وهو يظن بنفسه أنه يحسن صنعاً! نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر ومن الكفر بعد الإيمان.

وهناك غير واحد من أبنائنا وشبابنا المتعلّم، من تأثر بهم تأثراً كلياً أو جزئياً ورجع إلى بلده وهو يريدهم أن يكونوا في أفكارهم وعاداتهم سادة عليه، قادة له ولولده ولبلده! .

وأما تحصيل العلم منهم على وجهه الأمثل فما أقلّه في كثير من المبْتعَثين! وما أكيَدَ الغربيين والشرقيين للدارسين المسلمين، يعطونهم مبتور العلم مع كبير الألقاب فيعودون لديارهم بمعلومات ضحلة! فالأمر لله من قبل ومن بعد، والله ولي المؤمنين.

هذه كلمات صدرت من قلب محب غيور يغار على دينه وأبنائه وبلاده، فاللهَ المسئول أن يعيد للمسلمين مجدهم ومكانتهم وسيادتهم وقيادتهم في العلم وسواه، وهو على كل شيء قدير. انتهى.

شذرات من التوجيهات الربانية

في الصحيفة (121) من كتاب (صفحات من صبر العلماء) وتعليقا على سؤال وُجِّه للإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو: إذا كتب الرجل ثلاثين ألف حديث لم يكفِه؟ فسكت، ثم قيل: ستين ألفاً؟ فسكت، فقيل: مئة ألف؟ فقال: حينئذٍ يعرِفُ شيئا.

فقال شيخنا معلقا: "هذا جواب الإمام أحمد لسائله عبد الرحمن البغوي، فما قولك فيمن قرأ بعض أحاديث من (سبل السلام) لا تبلغ في السنوات الدراسية الأربع (200) أو (300) حديث، ثم خرج يقول: إنه تخرَّج من قسم الحديث! فماذا يعرف هذا؟ وما أكثر المحدِّثين المتخرجين على هذا المنوال في زماننا".

وفي الصحيفة (122) نقل شيخنا رحمه الله تعالى عن محمد بن أبي حاتم ورّاق الإمام محمد ابن إسماعيل البخاري رحمهما الله تعالى، قوله: "كان أبو عبد الله – البخاري – إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد، إلا في القيظ أحيانا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويُسرج".

قال شيخنا رحمه الله تعالى معلقا: "أين هذا التَّعَنِّي المتكررُ، والصبرُ الطويلُ في شأن الإضاءة والنور، من حالنا اليوم معشر طلاب العلم؟ فنوقد المصباح بسرعة الضوء وقت نشاء ودون عناء، وعلى أحسن إنارة وضياء، ودون رائحة مزعجة أو دخان مضايق، فلله درهم كم جُهِدوا في تحصيل العلم وكم صبروا.!".

وفي الصحيفة (136) فقرة (110) : تكلم شيخنا رحمه الله تعالى عن الإمام أبي الفتح ابن بَرهان البغدادي، الأصولي، الحنبلي، ثم الشافعي، رحمه الله تعالى، ذاكرا أن جماعة سألأوه أن يُدرِّس لهم من كتاب (الإحياء) للإمام الغزالي، فقال: لا أجد لكم وقتا. فكانوا يعينون الوقت، فيقول: في هذا الوقت أذكُرُ الدرس الفلانيَّ، إلى أن قرروا معه أن يذكُرَ لهم درسا من (الإحياء) نصف الليل.

فقال شيخنا رحمه الله تعالى معلقا وموجها: "فانظر – رعاك الله تعالى وتولاك – إلى هذا الصبر العجيب من هذا الشيخ الإمام (ابن برهان) على بث العلم ونشره، والاحتساب في أدائه ونقله.

وانظر أيضا إلى هذا الشوق المقلق، والحرص المحرق، من أولئك الطلبة المحترقين بالعلم، الذين لم يجدوا عند الشيخ وقتا ليقرءوا عليه إلا نصف الليل، فأتوه مسرورين مبتهجين، ووجدوا أنفسهم فيه محظوظين مُكْرَمين.    

فلله درّ أولئك الآباء طلبة وشيوخاً وما أشدّ حب أولئك الطلبة للعلم! وما أقوى حرصهم على تحصيله من الشيوخ ليتقنوه ويفهموه، وما أصبر هؤلاء الشيوخ على إشاعة العلم وإيصاله للمتعلمين، أداءً للأمانة، ووفاءً بالعهدة.

وإنا لله من طلبة هذا العصر، الذين يستعجلون قرع (الجرس) ! ليخرجوا من الدرس المؤقت بخمسين دقيقة! في ألين الأوقات راحة، وأفضلها نشاطاً، وأجمعها ذهناً من قاعات مبرّدة صيفاً، ومدفّأة شتاءً، فيخرجون من قاعة العلم يزحم بعضهم بعضا! كأنهم يفرون من حريق أو ينطلقون من سجن ظالم قتّال!.".

في الصحيفة (196) من الكتاب يذكر شيخنا رحمه الله عن الرئيس ابن سينا أنه قرأ كتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو أربعين مرة في محاولة لفهمه. ثم يعلّق قائلاً: "هذا ما يقوله الشيخ ابن سينا أحد أذكياء العلم، في قراءة للكتاب أربعين مرة، وتقدم عن الفارابي أحد أفذاذ بني آدم: يقال: قرأ  كتاب (النفس) لأرسطو مئتي مرة، وقال هو: قرأت كتاب(السماع الطبيعي) لأرسطو أربعين مرة. انتهى.

قال شيخنا: ومن هذا يتكوّن النبوغ والتعمّق في العلم. فليعلم الطلبة اليوم كيف كان صبر العلماء على تحصيل العلم، وكم تعبوا في تكوين أنفسهم، حتى غَدَوْا بحق أئمّة في علومهم عند الصديق والعدو. وحال طلابنا اليوم في تطلعهم وأملهم يصدق عليهم قول القائل:

تسألني أم الوليد جملاً                 يمشي رويداً ويجيء أولا[5] !!

وأغلب طلبة الجامعات اليوم يدرسون التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو...، بالساعات المعدودة، وكل علم من هذه العلوم يحتاج الطالب النابه لإتقانه إلى السنوات الطوال وقراءة كتبه مرات تلو مرات، فكيف يمكن أن يحصّله أو يتقنه بجملة معدودة من الساعات؟!

وفي صحيفة رقم (289) ذكر شيخنا - رحمه الله تعالى - قول مَعْمَر بن المثنّى - رحمه الله تعالى - : اختلفت إلى يونس - بن حبيب البصري الأديب النحوي - أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه.

قال شيخنا رحمه الله معلّقاً: هكذا كانت تلمذة الطلبة على الشيوخ عند المتقدمين: أربعين سنة، وعشرين سنة، وعشر سنين، والطالب عالمٌ جدّ عالم، ومجلس الدرس طول النهار أو أكثره أو ربعه، لا خمسين دقيقة أو خمساً وأربعين دقيقة! فغدا أولئك الطلبة أئمّة بملازمة الأئمة.

أما اليوم فالدراسة أشهر محدودة, ودقائق معدودة، ومن الصحف والكراسات الصماء، يتلقون منها دون مناقشة أو فهم أو هضم، والحضور بين يدي العلماء مفقود، والدعاوى عريضة، والألقاب أعرض، والعلم يشتكي إلى الله تعالى من أكثر المنتسبين إليه المتاجرين به. انتهى.

رحمك الله تعالى يا بدر بلاد الشام، ويا شمسا سطعت في ديار الإسلام، وجزاك الله تعالى عنا الفردوس الأعلى صحبة خير الأنام عليه الصلاة والسلام. آمين.

 


[1]  - الأبيات ذكرها ابن خلكان في ترجمة الشاعر أبي عمار الأندلسي في كتابه وفيات الأعيان (4/428) منسوبة إليه بلفظ:

مما يُقّبِّحُ عندي ذكر أندلسٍ ......... سماع معتضدٍ فيها ومعتمد

أسماء مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد.

وأنه قالها في هجاء المعتمد بالله ابن عباد ووالده المعتضد بالله، وقيل إن هذه الأبيات ليست له، وإنما نسبتها إليه حظِيَّةٌ كانت عند المعتمد كان يحبها تُعرف بالرُّمَيْكية هجاها ابن عمار، فأغرت المعتمد بقتله فقتله بيديه سنة 477 هجري.

[2]  - أصل هذا البيت : (خلق الله للحروب رجالا ... ورجالا لقصعة وثريدِ). فتأوله شيخنا رحمه الله تعالى على حال طلبة العلم. وليس هو أول من تأوله فقد استشهد به كثيرون عبر التاريخ وكل يتأوله على موضوعه الذي يتناوله.

[3]  - هذه الأبيات تنسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

[4]  - من مقدمة رسالة المسترشدين.

[5]  - البيت ذكره الميداني في مجمع الأمثال (1/141) وفيه (أم الخِيار) بدل (أم الوليد) وقال فيه: يضرب في طلب ما يتعذَّر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين