وظائف عبادية في رمضان - التقرب إلى الله في شهر رمضان
 
وظائف عبادية في رمضان
بقلم: حسن قاطرجي
 
هذه جملة من الوظائف العبادية التي ينبغي الاعتناء بها في رمضان ليزداد المسلم قُرْباً من الله وليُحصِّلَ أكبر قدر من الزاد الروحي والثواب الأخروي.
 
الكلام عن هذه الوظائف أَسُوقه على طريقة الإمام الحافظ ابن رجب في كتابه العُجاب «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» وهو مطبوع، ومطبوع أيضاً القسمُ المتعلّق منه بوظائف رمضان بعنوان «بغية الإنسان في وظائف رمضان». ثم إن هذا التعبير «وظائف» يوحي للمسلم والمسلمة بضرورة الاهتمام بها والمداومة عليها وعدم إهمالها فليست بأقلّّ من الوظائف اليومية المعيشية أو الدراسية أو الاجتماعية.
 
ولا يخفى ابتداءً فضلُ شهر رمضان وما فيه من خيرات وصنوف العبادات. فهو موسم من أغنى مواسم العُبّاد يتنافسون فيه على العبادة طلباً لمرضاة الله تعالى واحتساباً للأجر عنده. فاللهَ نسأل أن يبلّغنا رمضان وأن يوفقنا فيه للإكثار من الأعمال الصالحة، فقد كانت عادةُ بعض السلف – كما قال معلّى بن الفضل – أنهم يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّله منهم!!
وإنّ أوّلَ ما يجب الإقدامُ عليه في إعداد النفس لتتهيأ لجوّ رمضان والتكيّف مع صبغته وما اختُص به من بين سائر الشهور: التوبةُ الصادقة إلى الله عزّ وجلّ والعزم على الخلاص من كلِّ الذنوب كبيرها وصغيرها، وظاهرها وباطنها: من الاعتقادات الفاسدة إلى البِدَع المحرّمة إلى المعاصي الباطنة كالرياء والحسد والبُغض والنفاق، إلى المعاصي الظاهرة كالكذب والخيانة والتبرُّج والتعامل بالربا.. وغير ذلك مما لا يُرضي الله تعالى وينافي شرعه الحكيم. وبعد ذلك بالعزم على السير في طريق طاعة الله تعالى والالتزام بالحياة الإسلامية والعمل لهداية الناس إلى دين الله والإكثار من الذكر والدعاء وقيام الليل، إذ في رمضان فرصة ثمينة لكل ذلك:
  أتى رمضانُ مزرعةُ العـبادِ
                       لتطهير القلوبِ من الفسادِ
   فأدِّ حقوقَــه قولاً وفعــلا
                      وزادَك فاتّخِذْهُ للمعـــادِ
   ومن زَرَع الحبوبَ وما سقاها
                      تأوَّهَ نادماً وقتَ الحصـادِ
 
وإذا كان أعظمُ ما اختُصَّ به رمضان نزولَ كتاب الله فيه ليكون هدايةً للناس ورحمةً لهم وشفاءً لمشكلاتهم ودستوراً يحتكمون إليه، فإنه يتأكّد استحبابُ الإكثار من تلاوته والإقبال عليه للتدبُّر والعمل، فإنه أعظم ما يملكه المسلمون وأعزُّ ما عندهم وأثمنُ ثروةٍ بين أيديهم وهو سلاحهم ضدّ أعدائهم. فليكن رمضان فرصة لتجديد الصلة مع كتاب الله تعالى: )شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناسِ وبيِّناتٍ مِنَ الهُدَى والفرقان( [البقرة: 185].
قال الإمام النووي في «المجموع» 377:6: ( قال أصحابنا: السُّنة كثرة تلاوة القرآن في رمضان ومدارَسَتُه وهي أن يقرأ على غيره ويقرأ غيرُه عليه)، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من رمضان كما ثبت في حديث ابن عباس في الصحيحين.
  يا ذا الذي ما كفاه الذَّنبُ في رَجَبٍ
                          حتى عصى ربَّه ُ في شهرِ شعبانِ
  اتلُ القرانَ وسبِّح فيه مجتهـــداً
                            فإنه شهرُ تسبيـــــحٍ وقرآنِ
 
    وكان للسلف الصالح هِمّة عالية على تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، بل كان شهر رمضان لبعضهم شهرَ التفرغ التام للقرآن، وأخبارُهم في ختم القرآن كل ليلتين أو ثلاث كثيرةٌ ومدهشة أورد بعضاً منها الإمام ابنُ رجب في كتابه، مثل ختم الإمام الشافعي لما كان في رباطه في الإسكندرية في رمضان ستين ختمة، ونحوه الإمام أبو حنيفة، وكان الزُّهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
 ومن الوظائف الرمضانية: الجودُ، بمعناه الشامل الذي يعمّ كل أنواع الخير. ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه أوفرُ نصيب حتى قال ابنُ عمّه – ابنُ عباس – أحدُ أكابر أهل بيت رسول الله الكرام والعارفين بخاصة أموره عليه الصلاة والسلام: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجوَدَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل... فلَرَسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جيريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة» متفق عليه، وفي آخره زيادة أخرجها الإمام أحمد في مسنده: «لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه»، قال الإمام ابن رجب في كتابه «لطائف المعارف»: فدلّ هذا على أنه صلى الله عليه وسلم أجودُ بني آدم على الإطلاق كما أنه أفضلُهم وأعلمُهم وأشجعُهم وأكملُهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جُوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم ووَعْظ جاهلهم وقضاء حوائجهم وتحمُّل أثقالهم، ولم يزل على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت له السيدة خديجة في أول مبعثه: (والله لا يُخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرَّحِم وتَقْري الضيف وتحمل الكَلّ – أي العاجز – وتَكْسِبُ المعدوم وتُعين على نوائب الحق). ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافاً كثير. انتهى كلام ابنُ رجب رحمه الله تعالى.
ومما ينبغي الاعتناء به في رمضان: الدعاء، وهو إذا كان عموماً عبادةً من أجلِّ العبادات وأعظمها وأدلِّها على العبودية لله العظيم، وعلى التذلُّل والخضوع له والحاجة والافتقار إليه – حتى قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاءُ هو العبادة» رواه الترمذيُّ وغيره بسند صحيح عن النعمان بن بشير، وفي رواية عن الترمذي بسند ضعيف عن أنس بن مالك: «الدعاء مخُّ العبادة» - إلا أنّه آكد وأشدّ استحباباً في رمضان خاصة، لأنه زمان مبارك من مظانّ إجابة الدعوات ولا سيّما عند الإفطار وفي ليلة القدر. فقد روى ابن ماجه في سننه بسند صحيح عن عبدَ الله بنَ عمرو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للصائم عند فطره دعوة لا تُرَدّ». قال التابعي الجليل ابن أبي مُلَيْكَة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي).
وأفضل الدعاء هو الثابت المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول إذا أفطر: «ذهب الظمأ وابتلَّتْ العروق وثبت الأجر إن شاء الله» رواه الترمذي وصحَّحه.
وعن السيدة عائشة أم المؤمنين قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «قولي: اللهم إنك عفوّ كريم تحب العفو فاعفُ عني».
فالدعاءَ الدعاءَ في رمضان فليَكُن دَيْدَنَ اللسان وملاذَ الجنَان، وأنسَه وراحتَه، فإن الله تعالى يحب دعاءه والإلحاح في الطلب منه، وهو الذي قال جلّ جلاله – في سياق آيات الصيام لإظهار الوشيجة بين الصيام والدعاء-: )وإذا سألك عبادي عَنّي فإنّي قريبٌ أجيبُ دَعْوَة الداع إذا دَعَان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لَعلّهُمْ يَرْشُدون( [البقرة:186].
 وآخر وظيفة رمضانية يجدر التنويه بها هي: وظيفة قيام ليالي رمضان وإحيائها بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن. ولا يخفى أن لياليه من أغنى ليالي السنة بالخيرات وتنزُّل البركات وهبوط مواكب الملائكة لتحف مجالسَ العابدين والعابدات، ومن بينها ليلةٌ هي خير من ألف شهر، فما أكثَر غنائمَها! وما أثمَن جوائزَها! اللهم أكرمنا بها وأسعدنا بخيراتها ولا تحرمنا بركاتِها.
ويحصُل قيامُ ليالي رمضان بصلاة التراويح وتدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه من حديث أبي هريرة. ويُستحب أداؤها عشرين ركعة – وتُصلّى مَثْنى مَثْنى وبعد كل أربع منها تَرْويحة ثم تُختم بثلاث ركعات للوتر – وذلك لما رواه البَيْهقي عن الصحابي السائب بن يزيد قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة) إحياءً «للسُّنة العُمَرية» وقد وافقه عليها الصحابة في عهد خلافته رضي الله عنه ولذلك استَحَبَّ أداءَها بهذا العدد فقهاءُ المذاهب الأربعة.
اللهم وفقنا للإكثار من العبادات في رمضان، وقوِّنا على أدائها على التمام، كما تحب وترضى يا رحيم يا رحمن.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين