وصيتي إليك! - من نفائس الوصايا
 
 وصيـّتي إليك !ـ
بقلم: د. محمد الشواف
 
كان من خيرة الطلاب أدبًا واجتهادًا وتألُّقًا، وطلَبَ مني أن أكتُب له بعضَ النصائح؛ ليستفيد منها في حاضره ومستقبله، ووجدتها فرصة لأنْ تكون نصائحَ عامةً لمَن يكون مثله من الطلاب الذين يسعَون لخدمة أمَّتهم، ويتطلعون لمستقبلٍ أفضلَ.
 
ولدي العزيز:
 
عرَفتُك تلميذًا على مقاعد الدراسة، فعرفت فيك الخُلقَ القويم، ونقاءَ السريرة، والذهن المتوقد، والعزيمة المتجددة الراسخة، والهمةَ العالية، وحبَّ الخير لزملائك ولكل مَن حولك.
 
عندما ألتقي بأمثالك في طريق التعليم الشائك، يتلاشى ندمي أنْ كنتُ مدرِّسًا في يوم من الأيام؛ فالتعليم كان رسالةً وأمانة، وأصبح مهنةً، وكان عطاء بلا حدود، وتحوَّل إلى تجارة وأخذٍ دون قناعة - إلا ما رحم ربي - وكان بحثًا وتنقيبًا، ومنحًا لكل جديد، وصار بيعًا لمعلومات معلَّبة، و(كبسولات) ينتهي مفعولها بعد الخروج من الاختبار.
 
ثابرْ وكُنْ طموحًا، وارسم مستقبَلَك الدراسي؛ بناءً على التوفيق بين المعطيات الأكاديمية، وميولك، والفرص المتاحة، ولا تفسح مجالاً للعواطف المؤقَّتة أنْ تتحكم في اختيارك للمجال الذي تَودُّ التخصصَ فيه، ويبدو لي أنك تستطيع - بإذن الله - أن تكون طبيبًا بارعًا، أو عالمًا تَضرب شهرتُه الآفاقَ، أو إداريًّا ناجحًا، وواللهِ إني لأتمنَّى لك الثانية، فما أحوجَ الأمةَ إلى علماءَ عاملين، أذكياء موهوبين، ممَّن آتاهم اللهُ الحكمة والتبصُّر؛ ليكونوا مناراتِ هدى، وروادًا للفضيلة والاستقامة، والتعفف والاعتدال! وأرجو أن يرعاك الله، ويأخذ بيدك لما فيه خيرك وخير وطنك وأمتك.
 
وقد طلبتَ مني بعضَ النصائح التي قد تفيدك في حاضرك ومستقبل حياتك؛ وإليك أهمَّ ما استفدتُه من تجارِب الحياة، وأرجو أن تتأمله، وتحاول أن تستفيد منه 'فالعاقل مَن اتَّعظ بغيره'؛ قال - تعالى -:
 {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]
 1- أخلِصِ النيّةَ لله في أقوالك وأعمالك، وابتغِ وجهَ الله فيما تقول وما تعمل؛ لتكون في عبادة دائمة، فالمباح الذي يعمله المؤمن ويبتغي به وجه الله - عبادةٌ.
 2- كن بارًّا بوالديك، فإنه في آخر الزمان يطيع الرجل زوجتَه ويَعُقُّ والديه، واعلم أن برَّ الوالدين من أسرار النجاح في الحياة، وأن العقوق مما يعجِّل الله عقوبتَه في الدنيا، وما رأيت عاقًّا موفَّقًا في حياته، إلا أن يكون استدراجًا يَعقُبه ضنكٌ وتعاسة - والعياذ بالله - بل إن برَّ الوالدين قد يفيد الكافرَ في الدنيا؛ لأن مكافأة الكافر على عمله في الدنيا من تمام العدل الإلهيِّ؛ لأنه ليس له في الآخرة جزاء حسن؛ بسبب كفره، فتأمَّلْ، ولا تنسَ صلة أرحامك وإن قطَعُوك، واصنعِ المعروف وحاول أن يكون مع مستحقه، فإنَّ صانع المعروف في غير أهله كالمسرج في الشمس، وإن اللئيم إذا ساعدتَه يستفيد من مساعدتك ويحقد عليك؛ لأنه لا يريدك متفضلاً عليه، وربَّما صار من أشدِّ أعدائك.
 3- أحسِنْ اختيارَ أصدقائك، وفرِّق بين المعارف والأصدقاء، واعلم أنَّ: ((المرء على دين خليله))، والطبع يسرق الطبعَ، فلا تُصاحبْ إلا الأخيارَ؛ لأن الصديق إذا تحوَّل إلى عدو يكون أذاه شديدًا:
احْذَرْ عَدُوَّكَ مَرَّةً
وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ أَلْفَ مَرَّهْ
فَلَرُبَّمَا انْقَلَبَ الصَّدِيـ
قُ فَكَانَ أَدْرَى بِالمَضَرَّهْ
 ولا تمنح ثقتَك المطلَقة لأحد من البشر، ولكن دون إساءة الظن بمسلم، وليكن منهجك: 'لا أتَّهم أحدًا، وأحذَرُ مِن كل أحد'، والحيطة والحذر ليسا ممنوعين شرعًا.
4- استَخِرْ واستَشر في جميع أمورك؛ فإن للاستخارة بركاتٍ ثابتةً ملموسة، وهي مما يُعين المسلمَ - بإذن الله - على تحرِّي الإصابة في هذا الزمان العصيب؛ فما خاب مَن استخار، ولا ندم من استشار، وإن العاقل إذا شاورتَه صار عقلُه مِلكَك:
 
شَاوِرْ سِوَاكَ إِذَا نَابَتْكَ نَائِبَةٌ
يَوْمًا وَإِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ المَشُورَاتِ
فَالعَيْنُ تُبْصِرُ مِنْهَا مَا دَنَا وَنَأَى
وَلاَ تَرَى نَفْسَهَا إِلاَّ بِمِرْآةِ
  5- لا تستودِعْ سرَّك أحدًا، وإن اضطررتَ فاعمد إلى التقيِّ الأمين، واستعِن على إنجاح حوائجك بالكتمان، وهذه وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن كل ذي نعمة محسودٌ.
6- لا تظلِمَنَّ أحدًا من الناس، وتجنَّب من المهن ما يكون فيها مجال لظُلم أي إنسان، وأقول: أي إنسان؛ لأن الظلم محرَّم حتى للكافر، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن كان كافرًا:
 
لاَ تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا
فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إِلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ
يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ
 7- لا تأكلنَّ حرامًا مهما كانت الظروف؛ واعلم أنَّ أكل الحرام مما يمنع إجابة الدعاء – أطِبْ مَطعَمَك تُجَبْ دَعوتُك - ومَن خسر إجابة الدعوة فاتَهُ خيرٌ كثير؛ فلا يَرُدُّ القدرَ إلا الدعاءُ.
وتذكَّر أن لمسيرتنا في هذه الحياة نهايةً، فادعُ الله دائمًا أن يرزقك حسن الخاتمة، وفكِّر في نفسك وأهلك، ووطنك وأمتك، ولْتعملْ لدنياك كأنك تعيش أبدًا، ولتعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، وتحمَّل مسؤوليتك في هذه الحياة، فأنت من رجال الغد، وبناة المستقبل، فكن خيرَ مَن يتحمل هذه الأمانة، واذكُرْني بدعوة في ظهر الغيب؛ فإنها أثمنُ عندي من الدنيا.
 ولك حبي وتقديري، ودعواتي لك بالنجاح الدائم، والتوفيق والعافية، ولي أمل أن نلتقي دائمًا على الخير والتعاون المودة، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين