وصيّتي إلى أولادي قُبيل الرحيل

ومَن أحبُّ وأعزّ وأغلى على الوالدَين من أولادهما؟

وهل مِن صديقٍ، أو زميلٍ، أو محبٍّ، أو شريكٍ، أو جارٍ، مهما كان قريباً منكم، ومخلصاً لكم، وصادقاً معكم، أكثر حبّاً لكم، وأصدق معكم، وأعظم تضحيةً من أجلكم، وأشدّ حرصاً على سلامتكم، من والديكم؟

إذن فاسمعوني بكلّ ما وهبكم الله من حواسّ، فإن أكن معكم اليوم، مشفقاً، ومحبّاً، وناصحاً، ومنبّهاً، فإنّي موشكٌ على مفارقتكم قريباً، ربّما في شهورٍ، أو أيّامٍ، أو ساعات، لأجد نفسي بين يدي ربّي يسألني: تعالَ يا بسّام، هل قمتَ بواجبك المطلوب نحو أولادك حقّ القيام، فأبلغتَهم تعاليمي، وأوضحتَ لهم طريقي، وأوصيتَهم بما أمَرتُك به من وصايا وأحكام؟ أم تركتَهم لشياطين أنفسهم، وشياطين الناس من حولِهم، وما أكثرهم، ليعيثوا فساداً في عقولهم، ويوجّهوهم حيث يشاؤون، فيَضيعوا في هذه الدنيا، ثمّ في الآخرة، ويُضيّعوا معهم أهلهم، وأولادهم، وأمّتهم؟

إنّ أعظم ما أخشاه عليكم في هذه الحياة يا أولادي، وأخطر بكثيرٍ ممّا أخشاه على نفسي من شرورها ومصائبها، هو نسيانكم لفضل الوالدين عليكم. ولم أجد في كتاب الله صفةً ارتبطت بالإيمان بالله، وبتوحيد الله تعالى، وكأنّها ركنٌ من أركان هذا التوحيد، غير برّ الوالدين، والإحسان إلى الوالدين:

-     وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴿٢٤ [الإسراء: 23-24]

هذه الآيات الكريمة تفصّل للناس أدب الإحسان للوالدين، وأدب التعامل معهما، في خمسة أركانٍ لا بدّ منها جميعاً ليتحقّق معها البرّ كما يجب أن يكون بِرّ الأبناء بالآباء:

1-   لا تَقُل لهما حتّى كلمة (أُفٍّ) تضجّراً، ولا سيّما إذا أدركتَهما في شيخوختهما وعجزهما.

2-    لا توجّه إليهما كلمةً، أو نظرةً، أو إشارةً غيرَ لائقةٍ بمقامهما، وباحترامهما، وما قدّماه لك من رعايتهما الطويلة على مدى السنين (ولا تَنْهَرْهُما).

3-   خاطِبْهما بطيّب الألفاظ، ولطيف العبارات، وكريم القول (وقُل لهُما قَولاً كَرِيماً).

4-   كنْ رحيماً بهما، وتواضعْ لهما إلى درجة الذلّ والخضوع، حتّى كأنّك خادمٌ لهما (واخفِضْ لهُما جَناحَ الذُّلِ مِن الرحمة).

5-   ادعُ لهما دائماً بالرحمة والمغفرة، فمثل هذا الدعاء مِن شأنه أن يذكّرك بفضلهما الكبير عليك، وقد ربّياك ورعياكَ وضحّيا بكلّ شيءٍ من أجلك، مذْ كنت طفلاً صغيراً لا تعي شيئاً (وقُلْ رَبِّ ارحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً).

وفي المقابل؛ لم أجد في الإسلام إثماً من الآثام، أو كبيرةً من الكبائر، أو عظيمةً من العظائم، اقترنت بالشرك بالله وكأنّها موازيةٌ أو مساويةٌ له؛ إلّا عقوق الوالدين:

-     عن أَبِي بَكْرَةَ الثقَفي قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِر؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن". [رواه البخاري]

وإنّ لَمِن أشقّ الهموم على نفسي، والله يا أولادي، وأعظمها إيلاماً، ليس مفارقتي لكم في هذه الحياة، فما هي في النهاية إلّا لعبٌ ولهوٌ، وهي قصيرةٌ سريعةٌ زائلة، بل مفارقتكم لي ومفارقتي لكم هناك في السماء، حيث الحياة الأبديّة، فلا نجتمع عند الله، ليكون مصير أحدنا إلى الجنّة، والآخر، لا سمح الله، إلى النار، فلا يتحقّق لنا وعدُ الله للمؤمنين في كتابه، وقد أكّد لنا اجتماع الصالحين من الأبناء بالصالحين من آبائهم في الجنّة:

-     وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21]

وكيف لنا أن نجتمع هناك في الجنّة إذا كان أحدنا، لا سمح الله، من العاقّين لآبائهم، فقد حذّرنا النبيّ الكريم من أنّ هؤلاء لن يدخلوا الجنّة، ولن ينظر الله في وجوههم يوم القيامة:

-       عَنْ عبدِ الله بنِ عَمرٍو قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "ثَلاَثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْه، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوث. وَثَلاَثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى". [رواه النَّسائي، وحسّنه الألباني]

هل أدلّكم على بابٍ سهلٍ وواسعٍ ومضمونٍ لدخول الجنّة؟ إنّه برّ الوالدين، والعمل بما يرضيهما، أيّاً كان هذا العمل، ما عدا الشرك بالله طبعاً، مع الرجوع إليهما في كلّ أمر، حتّى في اختيار الزوجة، أو طلاقها، مهما ادّعينا مِن علمٍ وثقافةٍ. واسمعوا لهذا الحديث الشريف:

-       عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَميِّ قال: "كانَ رجُلٌ مِنَّا بَرّاً بوالدَيْهِ، فأمَراهُ، أو أمَرهُ أحدُهُما، أنْ يتزوَّجَ، فتزوَّج. فوقَعَ بَينَ أُمِّهِ وبَينَ امرأتِهِ شرٌّ، ووافَقَهُ أهلُهُ أي وقفوا إلى جانبِه في الخلاف -، فقالتْ لهُ أُمُّهُ: طلِّقْها وفي روايةٍ لابن ماجه: إنَّ أبي لم يَزَلْ بي حتّى زوَّجني، وإنّه الآنَ يأمرُني بطلاقِها! -. قالَ: فاشتدَّ عليهِ أنْ يُطلِّقَ امرأتَهُ أي استعظم ذلك وكَرِهَه -، واشتدَّ عليهِ أنْ يَعُقَّ أُمَّهُ. قالَ أي الراوي -: فرَحَلَ إلى أبي الدَّرْداءِ، فقَصَّ عليهِ قِصَّتَهُ، فقالَ: ما كُنتُ آمُرُكَ أنْ تُطلِّقَ امرأتَكَ، ولا أنْ تَعُقَّ أُمَّكَ، ولكِنْ إنْ شِئتَ حدَّثْتُكَ حديثاً سمِعْتُهُ مِنَ النَّبيِّ (ص): "الوالِدُ أوسَطُ أبوابِ الجنَّةِ؛ فحافِظْ إنْ شِئتَ، أو ضَيِّعْ". قالَ: فأنا أُشهِدُكُمْ أنَّها طالقٌ، فرجَعَ وقدْ طلَّقَ امرأتَهُ". [رواه التِّرمِذي وابن ماجه باختلافاتٍ طفيفة، وصحّحه شعيب الأرناؤوط]

أمّا أبوكم فيكفيه أن أعطاكم نفسه، جنباً إلى جنبٍ مع والدتكم، جهداً، وكفاحاً، وعَرَقاً، ومالاً، وعاطفةً، وتضحيةً، ومشاركةً في تنشئتكم، وفي حمايتكم، وتسديد خطاكم إلى الطريق الصحيح، لتصلوا في النهاية إلى ما وصلتم إليه، أو ستصلون إليه بفضل الله، ولن تستطيعوا أن توفّوه حقّه كاملاً مهما قدّمتم له من برٍّ وإحسان:

-       عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، قال: "جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ (ص) فقال: إنَّ أبي اجتاحَ مالي أي أخَذَه . فقال: أنتَ ومالُكَ لأبيكَ". [رواه ابن ماجه، وصحّحه الألباني] 

-       عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): "لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِداً أي لا يستطيعُ أنْ يوفّيَه حقّه إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ". [رواه مسلم]

وأمّا أمّكم؛ فهل تذكرون الآية التي تجعل قيادة سفينة الأسرة للرجل أولاً، لتأتي بعده المرأة "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ"؟ إذن فتذكّروا، أيضاً، أنّ للأمّ على الأب ثلاث درجاتٍ من الفضل، وليس درجةً واحدة، لِما كابدَتْه وتكابده دائماً من أجلكم، من حملٍ، وولادةٍ، ورضاعةٍ، وتنشئةٍ، ومحبّةٍ، وسهرٍ، وأرَقٍ، وقلقٍ، وتفانٍ، ورعاية:

-     عن أبي هريرةَ قال: "جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ (ص) فقال: يا رسولَ الله، مَنْ أحَقُّ الناسِ بحُسْنِ صَحابتي - أي مَنِ هو الأجدر ببِرّي وحُسْنِ تعامُلي -؟ قال: أمُّك. قال: ثمّ مَنْ؟ قال: أمُّك. قال: ثمّ مَنْ؟ قال: ‏‏أمُّك. قال: ثمّ مَنْ؟ قال: أبوك. وفي روايةٍ للترمِذيّ: ثمّ الأقربُ فالأقرب -". [متّفق عليه]

ولكنّ من أعظم ما يجب أن تحرصوا عليه عند كليهما؛ دعوةً طيّبةً لكم بالتوفيق، أو الصحّة، أو السلامة، أو النجاح، وإنّ من أخطر ما يجب أن تحذروه؛ دعوةً قد تندّ عنهما نحوكم في لحظة غضبٍ، فدعوة الأب أو الأمّ للولد، أو عليه، لا تُردّ عند الله أبداً:

-     عن أَنسِ بنِ مالكٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لا تُرَدّ: دَعْوَةُ الوالدِ لوَلدِه، ودعوةُ الصائم، ودعوةُ المسافر". [رواه السيوطي، وحسّنه الألباني]

 

فإذا رضي الله عنكم وأحبّكم، وأراد أن يفتح أمامكم أبواب رحمته، أتاح لكم تلك الفرصة النادرة بأن تدركوا أبويكم عند الكِبَر أو العجز، فتبرّوهما، وتحسنوا إليهما، فيكون ذلك مفتاحكم لرضوانه ودخول جنّته:

-     عن أبي هريرةَ أنّ رسولَ اللهِ (ص) قال: "رَغِمَ أنفُه أي أَذَلَّهُ الله ، ثمّ رَغِمَ أنفُه، ثمّ رَغِمَ أنفُه. قيل: مَنْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: مَنْ أدرَكَ والدَيه عندَ الكِبَرِ، أحدَهما أو كليهما، ثمّ لم يدخلِ الجنةَ أي ببرّهِ لهما والتضحية من أجلهما في هَرَمِهما ". [رواه مسلم]

                                               *                   *                    *

ولكنْ مِن أشدّ ما يقلقني عليكم يا أبنائي في هذه الدنيا بعد رحيلي ورحيل والدتكم عنكم؛ هو ذلك الفراغ الكبير الذي سيشعر به كلٌّ منكم وهو يفتقد ذلك الجدار القويّ الذي اعتاد أن يُسند ظهره إليه حين تهبّ عليه عواصف الحياة، وما أكثرها، فيلتفت حوله فلا يجد الحضن الدافئ الذي اعتاد أن يلقي برأسه إليه إذا انفضّ كلّ الناس عنه.

من سيقف إلى جانبكم في الأيّام الصعبة يا أولادي مِن بعدِنا؟ أهو الصديق المخلص؟ قد يقف معكم يوماً أو يومين، شهراً أو شهرين، ثمّ ماذا؟ ستأتي الساعة التي سيترككم فيها ويعود إلى مشاغله، وإلى واجباته وأسرته وأحبّائه، ليخصّهم وحدهم بوقته وعنايته واهتمامه.

إذن، راجعوا قوائم هاتفكم الآن: لا شكّ أنكم تحتفظون بأرقام عشرات، وربّما مئات الأصدقاء، ولكن مَن منكم يحتفظ بأرقام أعمامه وأخواله، وعمّاته وخالاته، وأولادهم وأزواجهم وزوجاتهم؟ هل تتواصلون معهم، وتؤكّدون لهم، ولأنفسكم، ولضمائركم، ولله، أنّكم أقرباء حقّاً، ومِن عائلةٍ واحدة، بحيث تطمئنّون إلى أنّهم سيكونون إلى جانبكم عند الحاجة، وسيمدّون إليكم يد المساعدة والحبّ، ليعوّضوكم بعض ما فقدتموه من رعاية الوالدين، ودعائهما، ورضاهما عنكم، وإن كنتم، للأسف، لن تجدوا من يملأ لكم تماماً مثل ذلك الفراغ الكبير أبداً؟

متى كانت آخر مرّةٍ تواصلتم فيها مع أيٍّ من هؤلاء، لتتأكّدوا من أنّهم بَعدنا خزّانُكم الاحتياطيّ من الحبّ، والدفء، والاهتمام، والعطاء؟

انظروا كيف ساوى الله تعالى بين من لا يتواصلون مع أقاربهم (أرحامهم) وبين المفسدين في الأرض، فعمّهم جميعاً بلعنته؟ وأيّة لعنةٍ تكون تلك التي تأتي من السماء؟ إنّهم ليسوا عند الله إلّا مخلوقاتٍ فقَدتِ السمع والبصيرة والحواسّ:

-       فهل عَسَيتُم إنْ توَلّيتُم أنْ تُفسِدوا في الأرضِ وتُقَطّعوا أرحامَكم. أولئك الذين لعَنَهُمُ اللهُ فأصَمَّهُم وأعمَى أبصارَهم. [محمّد: 22-23]

والأقسى من كلّ ذلك؛ أنّ الله قد حَرَم قاطعي الأرحام، مثلما حَرَمَ العاقّين لوالديهم أيضاً، من دخول الجنّة، فلا ينفعهم عنده إيمانٌ، ولا عملٌ، ولا صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا حجٌّ، ولا زكاةٌ:

-     عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَال: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِم". [رواه مسلم] 

-   عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "إنَّ أعمالَ بَني آدمَ تُعْرَضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجُمعةِ، فلا يُقْبَلُ عملُ قاطعِ رَحِمٍ". [رواه المنذري في الترغيب والترهيب، وحسّنه الألباني]

لم يكن عبثاً، إذن، أن اشتقّ الله تعالى لهذا التواصل مع الأقرباء، من العائلة الصغيرة أو العائلة الممتدّة، اسماً من أحد أسمائه الحسنى (الرحمن) فسمّاها (الرحم) أو (الأرحام):

-     عن عبد الرحمنِ بنِ عَوفٍ، عن رسولِ الله (ص) قال: "قالَ اللَّهُ: أَنا الرَّحمنُ، وَهيَ الرَّحِمُ، شَقَقتُ لَها اسماً مِنَ اسمي، مَنْ وصَلَها وصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَها بَتَتُّهُ - أي قطعتُه -". [رواه أبو داود، وصحّحه الألباني]

*                   *                    *

قريباً يا أحبّائي نغادركم، فماذا أعددتم لتلك الساعة من رصيد البرّ وصلة الرحم لحسابكم في الدنيا، ولحسابكم في الآخرة؟ وأيّ قدرٍ من التواصل والتزاور والحبّ والتعاون بينكم تتهيّأون به لتلك المرحلة القادمة؟

سَلوا أنفسكم هذا السؤال المصيريّ، والخطير: كم مرّةً أزور أخي أو أختي في الشهر أو في الأسبوع؟ وكم مرّةً أتواصل معه أو معها إن كنّا نعيش في بلدين مختلفين؟ إنّ إجابتكم عن هذا السؤال ستكون هي المقياس لمدى صدقكم وجدّيتكم في صلة أرحامكم الآخرين.

قد يظنّ أحدكم أنّه معذورٌ بتقصيره في زيارة أقاربه، أو في اتّصاله بهم وتفقّده لهم، فيقول: إنّهم لم يزوروني فلماذا أزورهم؟ ولم يتفقّدوني فلماذا أتفقّدهم؟ ولكنّه عذرٌ لا يقف على قدمٍ عند الله، فالواصل الحقيقيّ للرحم هو صاحب المبادرة بالوصل، وليس من ينتظر الآخرين ليصِلوه:

-       عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، عنِ النبيِّ (ص) قال: "ليس الواصلُ أي مَن يَصِلُ الرَّحِم بالمكافئ أي الذي يَرُدّ على الصِّلةِ بالصِّلة، ويكافئ على الزيارة بالزيارة ولكنّ الواصلَ هو الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُه وَصَلَها أي إذا هم قَاطَعوه وصَلَهم ". [رواه البخاري]

وبالمقابل؛ ما الثمار التي يمكن أن يجنيها، في الدنيا والآخرة، من وصل أرحامه، فزارهم، وتواصل معهم، واهتمّ بهم، من غير أن ينتظر منهم أن يبدأوه هم بذلك أو يعاملوه بالمثل؟ إنّ صلة الأرحام، مثلها مثل برّ الوالدين، تجني لصاحبها أندر ثمرةٍ يمكن أن يحلم بها المرء، وأغلاها في هذه الحياة: إطالة عمره:

-       عَنْ ثَوبانَ مولى رسولِ اللهِ (ص)، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "لا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ". [رواه المنذري في الترغيب والترهيب، وصحّحه الألباني]

-       عنِ ابنِ عبّاسٍ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبّ، وصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمرِ، وفِعلُ المَعروفِ يَقِي مَصارِعَ السُّوء أي الموتَ السيّء ". [رواه السيوطي، وصحّحه الألباني]

لا تقولوا كما يقول الجهَلة والضائعون: مالي أنا ولعمّي أو عمّتي، أو خالي أو خالتي. إنّ عمّكم عند الله ونبيّه بمثابة أبٍ لكم بعد أبيكم، وخالتَكم بمثابة أمٍّ لكم بعد أمّكم، وأبناءهم بمثابة إخوةٍ لكم، يُحزنهم ما يُحزنكم، ويُسعدهم ما يُسعدكم:

-       عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَال: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمّ". [رواه التِّرمِذي، وصحّحه الألباني]

بل إنّ نبيّكم (ص) يبشّركم بأنّ هناك المزيد والمزيد ممّا تجنونه من صلتكم لأرحامكم: التوفيق والغنى، ومحبّة الناس والأهل، فضلاً عن محبّة الله وتوفيقه ورضاه:

-       عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَال: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْل، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ أي مَجلَبةٌ للثراء ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَر أي تزيدُ في العُمُر ". [رواه التِّرمِذي، وصحّحه الألباني]

تفقّدوا بين حينٍ وآخر جداول زياراتكم لأرحامكم أو اتّصالاتكم بهم، وأجروا تفتيشاً ذاتيّاً على حصيلة تواصلكم معهم: كم مرّةً في الشهر زرتُ أخي أو أختي؟ عمّي أو عمّتي؟ خالي أو خالتي؟ وأولاد كلّ هؤلاء؟ فإن كانوا بعيدين عنكم: كم مرّةً اتّصلت بهم، وسألت عنهم، وتفقّدت أحوالهم؟ إنّ إجابتكم عن هذا السؤال ستكون هي المقياس الحقيقيّ لصلة الرحم عندكم، ومَن كان بخيلاً على أخيه أو أخته، أو عمّه أو خاله، في التواصل والتزاور والتراحم، فكيف يمكن أن يكون كريماً مع غيرهم في هذه الحياة؟

من أجل هذا؛ فإنّ كلّ الذنوب يمكن أن تؤجّل عقوبتها عند الله إلى يوم الحساب الأخير، حتّى الشرك والكفر، إلّا ذنبين عظيمين اثنين: الظلم، وقطيعة الرحم، فضلاً عن عقوق الوالدين طبعاً. إنّ إنفاذ عقابها من السماء يبدأ في هذه الدنيا قبل الآخرة:

-       عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثقَفيِّ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَة أي فضلاً عن عذابِ الآخرة ، مِثْلُ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِم". [رواه أبو داود، وصحّحه الألباني]

ولا يظنّ أحدكم أنّ البغي المقصود هو بغي الحاكم للمحكوم، أو الأمير للمأمور، أو القويّ للضعيف، فحسب، بل هو كلّ ظلمٍ يصدر عن إنسانٍ بحقّ إنسان، أو بحقّ حيوانٍ، أو بحقّ البيئة، أو بحقّ المجتمع، أو بحقّ نفسه، أيّاً كانت طبيعة هذا الظلم، وأيّاً كان حجمه.

عندما تضع رأسك يا ولدي على الوسادة كلّ ليلة؛ استحضر أعمالك وأقوالك، وحاسب نفسك على ما قدّمتَ في ذلك اليوم قبلَ أن يحاسبك الله، واسأل نفسك: هل مارستَ اليوم يا فلان، على أيّة جهةٍ من الجهات، نوعاً من أنواع الظلم؟ مثلاً:

1-   هل ظلمتَ أحداً، أو ظلمَك أحد؟ وهل أسأتَ لأحدٍ، أو أساء إليك أحدٌ؟ إذن فرُدَّ غداً للأوّل حقّه واستسمحه، وادعُ للثاني وسامحه. هكذا تطهّر قلبك وروحك وأعصابك من البغضاء والظلم والضعف والمرض؟

2-   هل اعتذرتَ لمَن أساء بحقّك، مخلصاً ومن كلّ قلبك، وكأنّك أنت المذنب؟

3-   هل سمعتَ شتيمتك من أحدهم؛ فتغافلتَ عن سماعها، واحتسبتَها لله، ثمّ دعوتَ له بالخير؟

4-   هل أخطأتَ واغتبتَ أحداً؛ فصارحتَه بفِعلتك واستسمحتَه، أو هل سمعتَ مَن يستغيبه فدافعتَ عنه، أو هل غادرت المجلس الذي كانت تجري فيه استغابته؟

5-   هل تذكّرتَ وأنت تتكلّم عن أحدهم بسوء؛ أنّ هناك من سيتكلّم عنك بمثله أو أسوأ؟

6-   هل حقّرتَ أحداً من الناس، أيّاً كان، ونسيتَ أنّ الله أقدرُ على تحقيركَ منك عليه؟

7-   هل تذكّرتَ وأنت تطلب العفو من الله، لو أسأت بحقّ الله، أن تعفو أوّلاً عمّن أساء بحقّك أنت؟

8-   هل تذكّرتَ وأنت تتوجّه لوالدك أو والدتك بكلمةٍ أو أمرٍ يؤذيهما؛ أنّك ستسمع أو تَلقى مثله من ولدك بعد حين؟

9-   هل حرَصتَ على علاقةٍ طيّبةٍ مع أهلك وأقربائك ومَن حولك، بما يُرضيهم، وبما يُرضي الله؟

10-    هل تواصلتَ اليوم ولو مع واحدٍ مِنهم؟

11-    هل حمدتَ الله على ما أخذ منك أو ابتلاك، بقدر ما حمدته على ما أنعم عليك وأعطاك؟

12-    هل تصدّقتَ بشيءٍ من مالٍ، أو مشورةٍ، أو مساعدةٍ، أو قضاء حاجةٍ، أو كلمةٍ طيّبة، أو ابتسامةٍ، لمن يحتاج إليها؟

13-    هل تأكّدتَ من أنّ ما أنفقتَه من مالٍ على نفسك أو أهلك، أو تصدّقت به على الآخرين، كان مالاً حلالاً؟

14-    هل استمتعتَ بما تصدّقتَ به مِن مالك، موقناً أنّك إنّما أبقيتَه في حسابك عند الله للآخرة، بقدر ما استمتعتَ ببعضه فاستهلكته وأنفقتَه على نفسك؟

15-    هل حدث أن أنفقتَ ولو قرشاً واحداً على استمتاعك بما يضرّك ويضرّ بصحّتك، مِن طعامٍ أو شرابٍ أو دخان، أو غيرها؟

16-    هل كنتَ تشعر حين كنتَ تؤدّي أيّاً مِن عباداتك (مِن صلاةٍ، وصيام، وقيامٍ، وتلاوةٍ، وصدقةٍ، وزكاةٍ، وزكاة فِطرٍ، وحجٍّ)؛ أنّك إنّما تمارس حقّاً تستمتع به، وتدافع عنه بكلّ ما تملك لو استُلب منك، لا واجباً تريد أن تزيحه عن كتفيك، وتنهيه بأسرع وقت، وبأيّة طريقة؟

17-    هل تَلَوتَ، ولو صفحةً واحدة، من كتاب الله في بيتك، والأفضل مع أسرتك، ليحمي الله هذا البيت، ويُسبغ البركة عليه وعلى من فيه، وهل تذاكرتَ، وحدك أو معهم، شيئاً مِن محفوظاتكم لسوَره؟

18-    هل فهمتَ ما تَلَوته منه، أو بعضه، وهل أفدتَ ممّا فهمتَه فانعكس على سلوكك، وعلى برامج حياتك؟

19-    هل كنت حريصاً، حين تتوضّأ، أن تطهّر أعضاءك الداخليّة، قلبك وعقلك وروحك، بالقدر نفسه الذي كنت تطهّر به أعضاءك الخارجيّة؟

20-    هل حرصتَ على النوم مبكّراً، والاستيقاظ مبكّراً لصلاة الفجر، ولإنتاجك وعملك، وليبارك الله في وقتك، وفي أهلك، وفي بيتك، وفي مالك، وفي صحّتك، وفي عمرك، كما سأل النبيّ الكريم (ص) ربّه: "اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها"؟

21-    هل جاء ما عمِلتَه من أعمالٍ خارج الصلاة، صورةً صادقةً لما كنت تردّده من أقوالٍ داخل الصلاة؟ أم كانت صلاتك في واد، وحياتك في وادٍ آخر؟

22-    هل شعرتَ وأنت تخرج من صلاتك؛ أنّك غير الإنسان الذي دخلها؟

23-    هل استقبلتَ شهر رمضان بإضافة خصلةٍ حسنةٍ أو عبادةٍ جديدةٍ إلى برنامج حياتك، وإلى الأبد، وهل ودّعتَ مع وداعه سيّئةً من سيّئاتك، وإلى الأبد؟

24-    هل تذكّرتَ وأنت تنفق قرشاً فيما لا ينفع؛ أولئك الذين يموتون كلّ يوم جوعاً وعطشاً لأنّهم حُرموا من هذا القرش؟

25-    هل ملأتَ الكأس إلى حافّتها؛ وأنت تعلم أنّك لن تشرب إلّا نصفها؟

26-    هل تذكّرتَ وأنت ترمي في سلّة الُّنفايات ما تبقّى من طعامٍ في طبقك، ومِن فُتاتِ الخبز على مائدتك، وتحت أنظار مَن أهداك إياها، وأكرمك بها، وفضّلك بها على غيرك، أنّه قادرٌ على أن يحرمك منها ومن كلّ ما على هذه المائدة؟

27-    هل حرصتَ على ألّا تترك المصباح الكهربائي مضيئاً، أو صنبور المياه جارياً، ولو لثوانٍ، هدراً ومن غير فائدة؟

28-    هل شعرت بالغضب أو الحسد لأنّ فلاناً من الناس يملك بيتاً أجمل من بيتك، أو سيّارةً أفخم من سيارتك، وتناسيتَ الملايين من الجائعين والمشرّدين الذين لا سقف لديهم يحميهم من حرّ الصيف أو صقيع الشتاء؟

29-    هل كنت حريصاً على مراعاة الآداب النبويّة في كامل برامج حياتك اليوميّة، مع ترديد الأدعية المناسبة حيث يجب أن تكون؟

30-    هل تذكّرتَ دائماً أن تعمل بوصيّة نبيّك (ص): "اعبُدِ اللهَ كأنّكَ تَراه، واعدُدْ نَفْسَكَ في المَوتَى، واذكُرِ اللهَ عندَ كلِّ حَجَرٍ وعندَ كلِّ شَجَرٍ، وإذا عَمِلْتَ سيّئةً فاعمَلْ بجَنْبِها حَسَنةً، السرُّ بالسرِّ، والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَة"؟

وبعد، تأكّدوا يا أبنائي أنّ ما أنعم الله به علينا من حدودٍ وأحكام، وحلالٍ وحرام، ليست إلّا حصوناً لنا، وخنادق دفاعيّةً تَحمينا من أخطائنا، ومِن أخطاء الآخرين معنا.

تذكّروا أن تلتزموا بحدود الله في كلّ أمرٍ من أمور حياتكم. وتذكّروا هذه الحدود عندما تتقاسمون ما يمكن أن نتركه لكم من عقارٍ أو متاعٍ أو مال، قلّت أو كثرت، فتتوزّعونها بينكم وفقاً لحدود الله وأوامره في كتابه الكريم: "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ"، [النساء: 11]. أنتم تعلمون عقاب من يتعدّى حدود قوانين الأرض، من سجنٍ وغراماتٍ ونفيٍ وغيرها، فما بالكم بمن يتعدّى حدود قوانين السماء:

-                وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [النساء: 14]

ارجعوا إلى الله في كلّ ما يعترضكم من أسئلةٍ ومشكلات، وستجدون الإجابات في عقولكم وفي منطقكم الفطريّ قبل أن تجدوها صريحةً واضحةً في كتابه وسنّة نبيّه.

*                   *                    *

لقد كبرنا أنا وأمّكم يا أبنائي، وكبرت معنا مسؤوليّتكم تجاهنا. وإنّه لَمِن أفظع أنواع العقوق، إن أصابنا العجز أو أقعدَنا المرض، أن "تَشْحنونا" إلى دار العجزة أو مأوى المسنّين. إنّ مَن يفعل ذلك بوالديه كمن يدفنهم أحياءَ قبل موتهم. ما أقسى أن يكتشف الآباء أنّ أبناءهم أو بناتهم قد نسوا ما قدّموه لهم من تضحياتٍ على مدى عشرات السنين، فتخلّصوا منهم في الكِبَر وكأنّهم عبءٌ ثقيلٌ يزيحونه عن أكتافهم.

إنّ همسة حبٍّ لنا مع كلّ صباحٍ تنطلق من قلوبكم، ونظرة اهتمامٍ بنا تشعّ من عيونكم، ولمسة حنانٍ نستدفئ بها في شتاء الشيخوخة من أياديكم، هي أغلى عندنا، وأشفى لعجزنا وأسقامنا ونفوسنا، من عناية كلّ تلك الدور، ومشرفاتها، وممرّضاتها، وأطبّائها، وزوّارها.

ثمّ لا تنسوا يا أعزّائي أنّ أهمّية البرّ، لكم ولنا، بعد مفارقتنا لهذه الدنيا، لا تقلّ درجةً عن أهمّيته ونحن نعيش بينكم. وإنّ مِن أعظمِ أنواع البرّ للوالدين، كما تعلّمنا مدرسة النبوّة، برّ أصدقائهما وأحبابهما في حياتهما، ثمّ الاستمرار في إكرامهم، وودّهم، والتواصل معهم، والاهتمام بهم بعد رحيلهما:

-       عن عبدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) قَالَ: "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ أي يُحْسِنَ صِلَتَه بأصدقاءِ أبيه ". [رواه مسلم]

ولا تنسوا أيضاً أن تَذْكرونا دائماً بالخير في قلوبكم، وعلى ألسنتكم، وأن تتذكّرونا في صلواتكم وأدعيتكم، فيكون ذلك ذخراً لنا، وذخراً لكم، عند الله، إن شاء الله:

-       عن أبي هُريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى ليَ هَذَا؟ فَيُقَال: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَك". [رواه السيوطي، وصحّحه الألباني]

تذكّروا أن تستغفروا لنا وتترحّموا علينا في كلّ مناسبةٍ، وبذلك الدعاء البارّ الذي كان يستغفر به نوحٌ (ع) لوالديه، ومعه الدعاء القرآنيّ الكريم للوالدين:

-     رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [نوح: 28]

-     رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24]

ويجمع كلّ ذلك، بل أكثر، حديثٌ نبويٌّ يُعَدّ بمثابة دستورٍ عامٍّ لبرّ الأبناء بالآباء بعد مفارقتهم لهذه الحياة الدنيا:

-       عن أبي أُسَيدٍ مالكِ بنِ ربيعةَ الساعديِّ قال: "بينا نحن جُلوسٌ عند رسولِ اللهِ (ص) إذْ جاءهُ رجلٌ مِن بني سَلَمَةَ فقال: يا رسولَ الله، هل بقيَ مِنْ بِرِّ أبَوَيَّ شيءٌ أَبَرُّهُما به بعدَ موتِهما؟ فقال: نعم، الصلاةُ عليهما أي الدعاءُ لهما ، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما مِن بَعدِهما أي تنفيذُ وصاياهما وتعهّداتِهما للآخرين ، وصلةُ الرحِمِ التي لا تُوْصَلُ إلاّ بهما، وإكرامُ صديقِهما". [رواه أبو داود، وصحّحه ابن باز في مجموع فتاواه، وقال: ثابت]

وأخيراً، إن أحسنتم وصدقتم في بِرّكم بآبائكم، وفي حسن صلتكم بأرحامكم، فلا بدّ أن ينعكس ذلك على علاقتكم مع الآخرين، ومع مجتمعكم، ومع أمّتكم، مع العالم. إنّ المجتمع السليم، والأمّة السليمة، في البِرّ الصادق السليم، وفي صلة الأرحام السليمة:

-       رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴿٤٠﴾ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴿٤١﴾ [التوبة: 41-42]

-                رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]

-       رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [الأحقاف: 16]

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين