وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سَلَمة بآداب الطعام

أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

فعنوان حديثي إليك اليوم: وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة رضي الله عنه.

لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها كان لها ولد صغير من زوجها الأول، وكان اسم هذا الولد عمر بن أبي سلمة، عاش معها في رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الرسول يتعهده بتربيته الشريفة وهديه الكريم حتى غدا من كبار الصحابة ومجاهديهم فيما بعد.

يحدثنا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن قَبَسٍ مما قبسه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كان عمر هذا غلاماً يدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنتُ غلاماً في حَجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ معه طعاماً، وكانت يدي تطيشُ في الصَّحْفَة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك. قال عمر بن أبي سلمة: فما زالت تلك طِعمتي بَعْدُ. يعني طريقة أكلي.

تضمن هذا الحديث الشريف من هدي النبوة الكريمة أقباسا كثيرة تنير للأبناء الاقتداء بالآباء، وتعرِّفُهم بهدي الأنبياء، وتعلِّمُهم كيفية تناول الطعام حينما يكون بين اثنين أو أكثر، كما تعرفهم بآداب المائدة والأكل والشرب وما يحسن منها وما لا يحسن.

القبس الأول: أفاد هذا الحديث الشريف جواز أكل الغلام، وهو الصغير الذي لم يبلغ سن الرجال، مع الكبير، وأفاد أيضاً جواز أكل المفضول مع الفاضل، وفي ذلك دَلالة بالغة على خُلُقِ التواضع الذي يغرسه الإسلام في النفوس ويدعو إليه في كل مناسبة.

القبس الثاني: إنما أجاز الإسلام أكل الصغير مع الكبير، والمفضول مع الفاضل، لغاية رفيعة وحكمة سامية، وهي أن يتعلم الصغير من الكبير والمفضول من الفاضل كيف يأكل وكيف يشرب وكيف يشارك غيره في تناول الطعام والشراب، وكيف يبدأ الطعام والشراب، وكيف يختمهما، فيتعلم بهذا القُرْبِ والمؤاكلة آدابَ المائدة عملاً وسماعاً ومشاهدةً، فتنغرس فيه هذه الفضائل غرساً، وتصبح مستقرة في تصرفه، يفعلها بدون شعور أو تكلف أو خجل أو عناء، وقديماً قيل:

ويَنْشَأُ ناشئُ الفتيان منا     على ما كان عَوَّدَهُ أبوه

القبس الثالث: أفاد هذا الحديث أنه ينبغي للآكِل أن يُسَمِّيَ الله تعالى في أول أكله لقوله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سَمِّ الله. والتسميةُ الواردة على الطعام هي قولُ الآكل في بداية أكله: بسم الله، وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله. فإنْ نسيَ في أوله فليقل: بسم الله أولَه وآخرَه. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أثر ترك التسمية بالله على الطعام فقال فيما رواه مسلم: إنَّ الشيطانَ يَستحِلُّ الطعامَ أنْ لا يُذكَرَ اسمُ الله عليه.

القبس الرابع: أفاد الحديث أن من آداب تناول الطعام للآكِل أن يأكل بيده اليمنى لقوله صلى الله عليه وسلم: كُلْ بيمينك. والأكل باليمين نظام رفيع ينبغي اتباعه والمحافظة عليه، وله أهميته وأثره في حياة المسلم، وذهب جمهرة من العلماء إلى أن الأكل باليد اليمنى واجب يأثم المخالف له، ويشهد له حديث ابن عمر الذي رواه مسلم في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله.

وقد شاع في كثير من شبابنا اليوم الأكل بالشمال، مجاراة لغير المسلمين من الغربيين ومتابعة لهم، وذلك تقليد مذموم يدل على اضمحلال الشخصية المسلمة وذوبانها في غيرها، ومن أراد من شبابنا وأبنائنا أن يعرف قيمة التزام السنة النبوية وما جاء فيه من آداب الإسلام في نظر العقل والحياة البصيرة، فليقرأ كتاب الإسلام على مفترق الطرق، للأستاذ محمد أسد، فإنه تعرض لهذا الجانب وأحسنَ في بيان أهمية التزام السنة وما رسمته من آداب ونظم للحياة، فكُلُّ فِعْلٍ في الإسلام له نظامٌ سواءً كان ذلك الفعل من المستحبات أم من المستكرهات.

ومن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء، اختصاصُ اليد اليمنى بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة، فالأكل والشرب والمصافحة والكتابة والأخذ والعطاء، وما إلى ذلك من الأفعال المستحسنة يكون باليد اليمنى، كما تُخَصُّ الرِجْلُ اليمنى بتقديمها قبل اليسرى في دخول المسجد ودخول المنزل وصعود الدرج ولبس الحذاء وما إلى ذلك، وتُخَصُّ اليدُ اليسرى بالأفعال المستكرهة كالامتخاط والاستنجاء وإزالة الأذى وحمل النعل ونحوها، كما تُخَصُّ الرِجْلُ اليسرى بتقديمها قبل اليمنى في دخول بيت الخلاء والخروج من المسجد والخروج من المنزل وخلع الحذاء وما إلى ذلك.

القبس الخامس: من قوله صلى الله عليه وسلم: وكُلْ مما يليك. أنَّ الآكِل ينبغي له أن يأكل مما هو أمامه، ولا يأكل مما هو أمام سواه، وهذا طبعاً إذا كان الطعام لوناً واحداً، لأنَّ أَخْذَه مما هو أمامَ غيره في تلك الحالة يعد سوء أدب، مع ما فيه من تقزز النفس مما خاضت فيه الأيدي، أما إذا كان الطعام ألواناً مختلفة فلا حرج عليه أبداً أن يمد يده إلى ما أمام غيره ويأخذ منه، لأن الطعام وضع ليصيب منه الآكلون ما شاؤوا وأحبوا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين