وصايا الربانيين

من وصايا الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني رحمه الله تعالى

وصايا الربّانيّين

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

للوصيّة موقع في النفس خاصّ عندما تكون ممّن له مكانة كريمة، ومنزلة معظّمة، كالوالد والمعلّم والمربّي، وقد كانت أسلوباً واضحاً في كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وهي من سنن الله في الماضين، فقد وصّى الله عباده الأوّلين والآخرين بتقواه، فقال سبحانه: {وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} النساء. وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا.. (8)} العنكبوت.

وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} الشورى. وقال سبحانه: {يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ.. (11)} النساء. وقال سبحانه: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذكَّرُونَ (152)} {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ (153)} الأنعام.

وقد جاء من وصايا النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمّته الشيء الكثير الذي لا يخفى على أيّ مطّلع على كتب السنّة الشريفة، منها ما كان عامّاً، ومنها ما كان خاصّاً ببعض أفراد أمّته ولكن يراد به العموم..

ولم تزل الوصيّة بالخير والتقوى دأب الكبار والصالحين، والآباء والمربّين، في هذه الأمّة، يطلبها الناس، وتبذل لهم بغير طلب، حرصاً على نصح الأمّة وإرشادها إلى ما يسعدها، وينير سبيلها.

وللوصيّة أثرها البالغ في نفس الموصى، وبخاصّة إذا خُصّ بها، لما تحمله من حبّ الموصي وإخلاصه للموصى، وحرصه على خيره وفلاحه، ورشده وحسن عاقبته، فلا يزال الموصى يذكر ما خصّ به من وصيّة، فتفعل فعلها في نفسه، وتؤثّر في حياته، ويرويها لمن وراءه، ويوصي بها من بعده..

وكاتب هذه السطور لا يزال يذكر كلمات توجيهيّة سمعها من والده، ومن أساتذته ومشايخه، رحمهم الله وجزاهم عنه أفضل الجزاء، ولا يزال ينتفع بها، ويستشهد بها في المناسبات، ويحدّث بها أولاده وإخوانه، ويراها من أعزّ ما ورثه وتأثّله..

ولقد أخذ الشيخ رحمه الله بهذا المنهج في حياته التربويّة والدعويّة، فكان في كلّ مناسبة يتقدّم لأولاده وإخوانه بوصاياه وتوجيهاته، مكتوبة محدّدة، ويدعوهم إلى الأخذ بها، والحرص على تنفيذها.. فكان في كلّ سفرة من أسفاره إلى الحجّ يكتب لأولاده وصيّة توجيهيّة تربويّة، ووصيّة أخرى إلى إخوانه وتلامذته ومحبّيه، وكان من وصاياه ما يقدّمه لأبنائه الطلاّب في مطلع كلّ عامّ دراسيّ..

وكانت وصاياه حسنة العبارة جميلة البيان، تصلح أن يقال فيها: جامعة مانعة، ولو جمعت في كتاب لكانت صورة رفيعة من صور الأدب العربيّ، التي تجمّل صدر لغتنا الحبيبة، وتعتزّ بها..

ونتقدّم بنموذج من وصايا الشيخ رحمه الله، وهي ممّا أملاه علينا في مجلس: " تذكير وتحذير "، ونتمنّى أن تسعفنا عناية الله تعالى وتوفيقه، بوصول بعض الوصايا الأخرى..

 

من وصايا الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني رحمه الله تعالى

يقول رحمه الله:

" الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه والتابعين وجميع المؤمنين، وبعد ؛

فإني أوصي إخواني بتقوى الله عزّ وجلّ، ودوام مراقبته واستشعار خشيته ومجاهدة النفوس في مرضاة الله تبارك وتعالى، والتقرّب إليه بطاعته، واجتناب معصيته، وأؤكّد عليهم ما يلي:

1 ـ الثبات على الخير الذي هدوا إليه، من التمسّك بالدين والعمل بفضائله والدعوة إلى الله عزّ وجلّ، فمن هدي إلى الحقّ لزمه، وتشبّث به، ونشط فيه، وإنّ من أخطر ما يعتري الإنسان فتوراً ق بعد نشاط، وإدباراً بعد إقبال، وضلالاً بعد هدىً.

2 ـ والتدقيق في محاسبة النفس على الوصايا، فالنفس تميل إلى الراحة، وتنفر من الطاعة، وتخلد إلى الفتور.

فإذا أحسن الإنسان قيادتها، وأحكم سياستها، وصلت به إلى الكمال الإنسانيّ المنشود، وإذا تابع هواها تخلّفت عن ركب الرجال، وقعدت به عن الكمال.

3 ـ والمحافظة على المواعيد، والاهتمام بالجلسات، والتنافس في ذلك، فمن اهتمّ بأمر كان من السابقين إليه، والمحافظين عليه، والتأخّر أو التخلّف أو التقاعس كلّ ذلك علامة على قلّة الاكتراث، وجالب للفتور، وسار بالعدوى إلى نفوس الضعفاء.

4 ـ والتحابّ فيما بينهم، وتوثيق المحبّة بما يستطاع من لطف وأدب، واحترام وتواضع، وحسن إصغاء، وغضّ عن الهفوات، وعفوٍ عن الزلاّت، وتناصح حبيّ خالص.

فلولا المحبّة ما تألّفت جماعة، ولا تمكّنت لها روابط، ولا تعاونت على برّ، ولا نجحت في عمل.

5 ـ وتغليب الجدّ في الأمور، ومجانبة الدعابة والهزل، ولا سيّما في الحلقات.

فالحياة جدّ، والدعوة إلى الله جدّ، والجدّ من مؤهّلات الرجال إلى عظائم الأعمال، والدعابة بطالة، والضحك خفّة، والهزل هزال، وكلّ ذلك لا يعطي ثمرة، ولا يؤدّي إلى خير.

6 ـ وسلوك سبيل الحكمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى، ولا سيّما الولد مع أهله، والطالب مع رفاقه وأساتذته، فالحكمة تجعل صاحبها محترماً عند الناس، وترفع شأن الحقّ، الذي يدعو إليه.

7 ـ واهتمام الطلاّب بشأن الدراسة، وفي ذلك مصلحة الدين والدنيا معاً، وما أجدر الشابّ المتديّن أن يكون موضع ثناءٍ من أهله، وإعجاب من أساتذته، واحترام ممّن عرفه.

8 ـ وحسن الطاعة لأساتذتهم وموجّهيهم، فالإسلام دين النظام والانتظام، ودين الوحدة والقوّة.

ولولا الطاعة ما اجتمعت كلمة، ولا تكوّنت قوّة، ولا تحقّقت غاية.

9 ـ وأوصيهم أخيراً بالدعاء لي، ولأنفسهم، ولإخوانهم، وللمسلمين، ولا سيّما في وقت السحر، وفي السجود، وفي أعقاب الصلوات.

وأسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لي ولهم وللمسلمين، وأن يسدّد خطانا فيما يرضيه، ويثبّتنا على الحقّ، ويلحقنا بالصالحين، إنّه سميع مجيب، وهو أكرم مسئول.

 

في 24/11/1388 هـ

أحمد عزّ الدين البيانوني

 

من وصايا الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني رحمه الله للطلاّب

أوصي إخواني الشبابَ الطلاّب بما يلي:

1 ـ الجدّ والاجتهاد لكسب العلم، واجتياز مرحلة الدراسة وضمان النجاح، وملء عيون الأسَاتذة والرفَاق، والأهل وكلّ مَن عرفهم.

2 ـ رعَاية الأدب مع الأساتذة والرفاق، فبذلك تبرز شخصيّتهم، ويفرضون احترامهم على المتديّن وغيره.

3 ـ إظهار الودّ للمتديّنين بشكل خاصّ، وإكرَامهم ما أمكن، ودعوتهم إلى الزيادة من أمر دينهم.

4 ـ الابتعاد عن المشَاكل والخلاف وَالخصومات ما أمكن، ورِعاية الحكْمة في حلّ ما يعرض منها، والمُشاورة في المعضلات.

5 ـ إنكار المنكر برفق ولين، والتلطّف في الدخول في الموضوع.

6 ـ  الردّ على الأفكَار الشاذَّة، التي  يلقيها بَعض الأساتذة، على أن يكون برويّة وتفكير دون انفعال، أو رفع صوت.

7 ـ تقوى الله عزَّ وجلّ، فهي خير ما يستعان به في الشدائد: { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } النحل.

 في 10/من رجب 1389 هـ

في افتتاح العام الدراسيّ /69 ــ 70/ م

أحمد عز الدين البيانوني

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين