ورقات في تاريخ القدس وفلسطين (3)

 

فلسطين في صدر الإسلام 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

فقد أسرى الله تعالى بنبيِّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، على البراق صبحةَ جبريل عليه السلام، وربط جبريل البراق بصخرة بيت المقدس، وفي المسجد جمع الله الأنبياء؛ فأمَّهم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ودلَّ ذلك على أنه الإمامُ الأعظم، والرئيسُ المقدم، وكان ذلك إيذاناً ببدء العهد الإسلامي في الأرض المقدسة، وأنه الصبغة الأخيرة لها، وطيَّاً لصفحة بني إسرائيل من سجل التفضيل والاصطفاء أيضاً.

بعد معركة الأحزاب بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسائل إلى ملوك الدول، يدعوهم فيها إلى الإسلام؛ فأدرك الروم بعدها خطورة الإسلام على المسجد الأقصى؛ فأخذوا يعدون لقتالهم، ووقع أول قتال بينهم في مؤتة عام (8 ه)، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سار إليهم في معركة تبوك؛ لكنَّ الروم فروا، ولم يلقَ رسول الله فيها قتالاً، وبعدها أعدَّ صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً لقتالهم بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنه؛ لكنه صلى الله عليه وآله وسلم مات قبل انطلاق أسامة رضي الله عنه بجيشه، وأمضاه بعده أبو بكر رضي الله عنه.

في عام: (15 ه) عيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قائداً عاماً لجيوش المسلمين في الشام، ووجهه لفتح بيت المقدس؛ فحاصرتها جيوش المسلمين نحواً من أربعة أشهر، ثم طلب أهلها الصلح؛ على أن يتولى تسلم المدينة منهم: الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فأجابهم أبو عبيدة لذلك، وأرسل إلى عمر رضي الله عنه؛ فجاء عمر رضي الله عنه وغلامَه إلى بيت المقدس، ولـمَّا أشرف عليهم رضي الله عنه كان يقود البعير بغلامه؛ فأكبرته النصارى لذلك وعظَّمته، فكتب لهم عمر رضي الله عنه وثيقة أمان، التي عرفت بـ (العهدة العمرية) منحهم بموجبها حرية الاعتقاد، وأمَّنهم فيها على صلبانهم وكنائسهم، ولبى طلبهم في إخراج اليهود من بيت المقدس.

دخل عمر رضي الله عنه بيت المقدس صحبةَ بطريرك النصارى، ينظر آثار الأنبياء فيها، وصلى في محراب داود عليه السلام، وصلى بالمسلمين صلاة الفجر من الغد، وأزال والمسلمون الأذى عن الصخرة، وسأل كعبَ الأحبار رضي الله عنه أين يبني المسجد؛ فأشار عليه كعب أن يجعله وراء الصخرة؛ فيجمع بذلك بين قبلة اليهود وقبلة المسلمين؛ فقال له عمر رضي الله عنه: ضاهيتَ اليهودية، ثم جعل المسجد في قِبْليِّ بيت المقدس، وهو المسجد العُمَري اليوم. كان من الأماكن التي دخلها عمر رضي الله عنه في بيت المقدس كنيسةُ القيامة، ولـمَّا أدركته الصلاة فيها؛ طلب منه البطريرك أن يصلي فيها لأنها من مساجد الله؛ فامتنع عن ذلك رضي الله عنه؛ خشيةَ أن يتبعه المسلمون، ويظنوا أن عمله سنة مستحبة، فيكرهوا بذلك النصارى، ويخرجونهم منها؛ مخالفين بذلك عهد الأمان، الذي كتب لهم رضي الله عنه، ولأجل ذلك امتنع عن الصلاة في كنيسة قسطنطين أيضاً.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين