{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ}

وقفت في بعض الصفحات على المنشور التالي:

أحبائي الكرام 

تصحيح مفهوم خاطئ شائع عند الناس

قال تعالى:

الخبيثات للخبيثين...والخبيثون للخبيثات...والطيبات للطيبين..والطيبون للطيبات ...

أكثر الناس يفهم هذه الآية ويرددها في حالات الزواج بأن الرجل الطيب للمرأة الطيبه..والرجل الخبيث للمرأة الخبيثة...وهذا مفهوم خاطئ.

هذه الآية لاعلاقة لها بالزواج ابدا...

والدليل...

إن فرعون وهو أخبث الناس كانت امرأته طيبة وهي آسيا رضي الله عنها وذكرها في القرآن قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنه...

بينما سيدنا نوح ولوط وهما من أنبياء الله كانت زوجتاهما خبيثتين...وقال لهما الله تعالى ادخلا النار مع الداخلين.

والتصحيح

أن هذه الآية ذكرت في سورة.النور بعد حادثة الإفك التي رميت بها أمنا عائشة رضي الله عنها...

رماها المنافقون بالزور والباطل فأنزل الله براءتها في قرآن يتلى الى يوم القيامه...

قال تعالى بعدما ذكر هذه الحادثة أي حادثة الإفك:

الخبيثات للخبيثين يعني الخبيثات من الاعمال والاقوال والافعال لا تصدر إلا من الخبيثين من المنافقين ..

فالخبث الذي قالوه عن السيدة عائشه لايقوله إلا الخبيثون المنافقون واولهم عبدالله بن أبي بن سلول زعيمهم الذي رمي السيدة عائشة بالزنا . وهو العفيفة المحصنة

والخبيثون للخبيثات ...يعني: الخبيثون من الناس لا يتوقع منهم إلا الخبيثات من الاعمال والاقوال

والطيبات من الأعمال لا يصدر إلا من الطيبين من الناس ...

والطيبون من الناس لا يصدر منهم إلا الطيبات من الاعمال والاقوال .

وفي آخر.هذه الآية قال تعالى

أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة.ورزق كريم..

اي هم الطيبون لذلك برأهم الله من فوق سبع سموات من إشاعة المنافقين ..

لذلك قال الله بعد أن برأها

(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) انتهى المنشور.

-------

فكتبتُ وقتها تعقيبا آنيا وجيزا، أنكرت، فيه هذه التخطئة المخطئة.

ثم رأيت أن أوسِّع الرد مقرونا بالقرائن والنقول، فأقول:

هذا كلام غير علمي.

وإلا فبأي حق يُخَطِّئ الكاتب قولا معتبرا عند أهل التفسير، نقلوه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؟

وقد ذكره القرطبي أول الأقوال في تفسير الآية.

وبأي حق يزعم أن هذه الآية لا علاقة لها بالزواج أبدًا... وسياقها لا ينفك عنه؟! 

فإنها جاءت في سياق الحديث عن قصة الإفك، وعن تبرئة زوجة أطيب العالمين صلى الله عليه وسلم، ممَّا رماها به المنافقون.

وقد استشهد الفخر الرازي بالآية المذكورة، في ثلاثة مواضع من تفسيره على ما يتعلق بالأنبياء وأزواجهم، آثرًا أو ذاكرًا.

الموضع الأول: قال الرازي في تفسير سورة آل عمران: قوله {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّى ُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} يروى أنه عليه السلام غدا من منزل عائشة رضي الله عنها، فمشى على رجليه إلى أُحُد، وهذا قول مجاهد والواقدي، فدل هذا النص على أن عائشة رضي الله عنها كانت أهلاً للنبي صلى الله عليه وسلّم. وقال تعالى: {وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَـاتِ } (النور : 26) فدل هذا النص على أنها مطهرة مبرأة عن كل قبيح. انتهى كلامه.

الموضع الثاني: قال الرازي في تفسير آية سورة هود: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] في سياق رده القوي على من زعم أن الابن المذكور كان لغير رِشدة. قال: وهذا قول خبيث، يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة، لا سيما وهو على خلاف نص القرآن. أما قوله تعالى {فَخَانَتَاهُمَا} فليس فيه أن تلك الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذكروه. قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما كانت تلك الخيانة؟ فقال: كانت امرأة نوح تقول: زوجي مجنون، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا به. ثم الدليل القاطع على فساد هذا المذهب قوله تعالى: {الْخَبِيثَـاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَـاتِا وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَـاتِ } (النور : 26) انتهى من تفسير الرازي.

الموضع الثالث: قال الرازي في تفسير آيات قصة الإفك من سورة النور:

وروي أنه لما قربت وفاة عائشة، جاء ابن عباس يستأذن عليها، فقالت: يجيء الآن فيثني علَيَّ. فخبره ابن الزبير، فقال: ما أرجع حتى تأذن لي. فأذنتْ له فدخل، فقالت عائشة: أعوذ بالله من النار. فقال ابن عباس: يا أم المؤمنين ما لكِ والنار؟ قد أعاذكِ الله منها، وأنزل براءتك تُقرأ في المساجد، وطيبك فقال: {وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَـاتِ} (النور: 26) كنتِ أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليه، ولم يحب صلى الله عليه وسلّم إلا طيباً. اهـ

أقول: فلا يقبل من طالب علم بعد هذا أن يزعم أن آية النور المذكورة لا علاقة لها بالزواج.

وأما المعنى الذي زعم كاتب المنشور تعَيُّنَه، فهو معنى صحيح قال به كثير من أهل التفسير.

ولكنه ليس متعينا، وليس هو القول الأوحد عندهم حتى يدَّعي الكاتب تخطئة ما سواه.

إن تعدد الأقوال في تفسير آية ما، أو في مسألة ما، لا يستلزم تخطئة بعضها لصالح بعضها الآخر.

وقد نقل القرطبي في تفسيره القولين، ولم يدفع أحدهما بالآخر، لأنهما غير متدافعين ولا متعارضين. فقال عند تفسير آية النور المذكورة: قال ابن زيد: المعنى: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون للخبيثات، وكذا الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وقال مجاهد وابن جبير وعطاء وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول. اهـ

وأما الحافظ ابن كثير فذهب إلى أن القولين متكاملان متعاضدان لا متعارضان، فإنه نقل القولين اللذَين نقلهما القرطبي؛ قول مجاهد وعطاء وابن جبير الذي ادعى صاحب المنشور أنه متعين، ثم قول ابن زيد بن أسلم، ثم بيّن ابن كثير أن قول ابن زيد يرجع إلى قول الفريق الأول لزوما. 

وهذا نص ابن كثير عند تفسير الآية السادسة والعشرين من سورة النور:

قال ابن عباس: الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول. والطيبات من القول، للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول. قال: ونزلت في عائشة وأهل الإفك. وهكذا رُوي عن مجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير، والشعبي، والحسن بن أبي الحسن البصري، وحبيب بن أبي ثابت، والضحاك. واختاره ابن جرير، ووجَّهَهُ بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم؛ ولهذا قال: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.

وهذا - أيضًا - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم، أي: ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعا ولا قدرا؛ ولهذا قال: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أي: هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان. اهـ من تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

أقول: فهما قولان لأهل التفسير متكاملان لا متناكدان.

بل أقول إن العلامة الطاهر ابن عاشور لم يذكر في تفسيره أصلا، إلا القول الذي أنكره وخطّأه كاتب المنشور، والذي نقله كل من القرطبي وابن كثير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ولم يُشر ابن عاشور إلى ما سواه، ولا مجرد إشارة.

قال ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير): بَعْدَ أَنْ بَرَّأَ اللَّهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّا قَالَ عُصْبَةُ الْإِفْكِ فَفَضَحَهُمْ بِأَنَّهُم مَا جاؤوا إِلَّا بسيء الظَّنِّ وَاخْتِلَاقِ الْقَذْفِ، وَتَوَعَّدَهُمْ وَهَدَّدَهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَى الَّذِينَ تَابُوا، أَنْحَى عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً بِبَرَاءَةِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَزْوَاجٌ خَبِيثَاتٌ، لِأَنَّ عِصْمَتَهُ وَكَرَامَتَهُ عَلَى اللَّهِ يَأْبَى اللَّهُ مَعَهَا أَنْ تَكُونَ أَزْوَاجُهُ غَيْرَ طَيِّبَاتٍ. فمكانة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ زَوْجِهِ وَطَهَارَةِ أَزْوَاجِهِ كُلِّهِنَّ. وَهَذَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حَالِ الشَّيْءِ بِحَالِ مُقَارِنِهِ وَمُمَاثِلِهِ. 

وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ اخْتَلَقُوا الْإِفْكَ بِأَنَّ مَا أَفَكُوهُ لَا يَلِيقُ مِثْلُهُ إِلَّا بِأَزْوَاجِهِمْ، فَقَوْلُهُ: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الْمُخْتَلِقِينَ لِلْإِفْكِ.

وَالِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ الْخَبِيثاتُ لِأَنَّ غَرَضَ الْكَلَامِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى بَرَاءَةِ عَائِشَةَ وَبَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلْخَبِيثِينَ لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ. وَالْخَبِيثَاتُ وَالْخَبِيثُونَ وَالطَّيِّبَاتُ وَالطَّيِّبُونَ أَوْصَافٌ جَرَتْ عَلَى مَوْصُوفَاتٍ مَحْذُوفَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا السِّيَاقُ. وَالتَّقْدِيرُ فِي الْجَمِيعِ: الْأَزْوَاجُ. انتهى من (التحرير والتنوير) لابن عاشور رحمه الله.

أقول: وأما استشكال كاتب المنشور، بقضية امرأة فرعون، وامرأتَي نوح ولوط في سورة التحريم، فاستعجال من الكاتب غير حميد، إذ كان يمكن حل الإشكال بحمل آية: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26]. على أن هذا من حيث التكليف الشرعي.

وحمل آيات سورة التحريم عن امرأة فرعون، و امرأتي نوح ولوط، على أنه من الخبر القدري الواقعي.

ومن البدائه عند جميع العقلاء أنه ليس كل مطلوب شرعا، واقعًا فعلا.

ونظير ذلك قوله تعالى في نفس سورة النور: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]

فهذا التكليف الشرعي لا ينفي أن يكون قد وقع خلافه من حيث القدر، فنكح رجل زانٍ أو مشركٌ، امرأةً غير زانية ولا مشركة.

فهل تُردُّ آية النور بواقعة كهذه مثلا؟!!.

وقد أشار إلى هذا التوجيه غير واحد من أئمة التفسير.

قال الفخر الرازي في تفسيره في تعداد وجوه الأجوبة عن الآية الثالثة من سورة النور {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}. قال: الوجه الثالث في الجواب: أن قوله: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً} وإن كان خبراً في الظاهر، لكن المراد النهي، والمعنى أن كل من كان زانياً فلا ينبغي أن ينكح إلا زانية وحرم ذلك على المؤمنين. اهـ.

وفي تفسير القرطبي عند الآية السادسة والعشرين من سورة النور: وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: "الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً" [النور: 3] الآية، فالخبيثات الزواني، والطيبات العفائف، وكذا الطيبون والطيبات. واختار هذا القول النحاس أيضا، وهو معنى قول ابن زيد. اهـ

أقول: فالتفريق بين التكليف الشرعي وبين الخبر القدري، يَحُل بسهولةٍ ذلك الإشكال الذي أثاره كاتب المنشور، والذي حمله على تخطئة قول صائب معتبر مشتهِر، بأسلوب بعيد عن منطق العلم وعن المنقول من كلام أهل العلم.

والله أعلم.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين