عشت مع آية: (وأن سعيه سوف يرى)

{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40)} [سورة النجم] بينما أقرؤها في وردي تركت مصحفي وتوجعت لنفسي، وأسيت لحالي. واسوأتاه منك يا رب. واخجلتاه منك يا رب! أي سعي هذا الذي تراه مني؟! أي عمل هذا الذي لا يملأ شيئا من الميزان تنظر إلي وأنا أعمله؟!

 

حياة فارغة إلا من عبادات قليلة هنا، ومثلها هناك، يستحي أحدنا أن يراها في صحيفته بعض ولده، فكيف بربه؟! أعمار طويلة، ونواصي يملؤها الشيب، وليس في سعينا ما يستحق قداسة نظرتك، ولا عظيم رؤيتك!

كم أرعبتني هذه الجملة..."سوف يرى"

 

آه لو كانت الصحائف بالاختيار لاخترت صحائف أتشرف بها في الدنيا وأنا أستشعر نظر الله، وفي الآخرة وأنا أتفاخر بها أمام خلق الله. كما قال الحسن البصري رحمه الله: لو قيل لي يا حسن، اختر صحيفة تلق بها ربك، لاخترت صحيفة محمد بن واسع". وإذا كان الحسن البصري يتمنى لو لقي ربه بصحيفة غيره، فكيف لو رأى صحائفنا وقبائحنا؟!

الأمر جد موجع يا أحبة.

 

مجرد شعورك أن الله جل جلاله يرى منك هذه الصلاة السريعة، واليوم الفارغ، واللفظ الخارج، واليد الشحيحة، مجرد استشعارك لنظر الله يخجلك.

عبد الله بن حرام لما استشهد يوم أحد ولقي الله تعالى تمنى عليه سبحانه أن يعود إلى الدنيا ليجاهد من جديد ويقتل من جديد، لأنه شعر أنه لم يستكمل ما يشعره بتمام رضا مليكه سبحانه عنه، فأبى الله ذلك لأنه وعد أن الميت لا يعود.

سبحان الله! عاش حميدا ومات شهيدا ثم يستقل ما فعل ويتمنى أن يعود ليحسن العمل... فكيف بمن يعيش بطالا مثلي أبيض الورقات كثير السيئات؟!

علي ابن أبي طالب لما دخل عليه ضرار الصدائي رآه يبكي ويقول كلاما كثيرا ختمه بقوله: "آه من قلة الزاد وبعد الطريق"

فليت شعري أي زاد زادنا، وأي طريق طريقنا؟!

 

بعضنا يرتبك إذا دخلت عليه طفلته أو امرأته أو صديقه لخجله من بعض ما يفعل، أو لعدم اعتداله في نومته، أو لانكشاف بعض جسمه.. بينما يراه الله على حال لا تسر ومع ذلك لا يعدل من هيئته!

 

{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40)}

كم يفعل بنا القرآن الأفاعيل... ولو تدبرناه لتركنا هذه التفاهات والأباطيل. والله لو تعاملنا مع الله تعالى معشار ما نتعامل به مع رؤسائنا في العمل وهم يراجعون تقاريرنا لتغيرت أحوالنا. لكن بوصلات القلوب اتجهت نحو المخلوق أكثر من الخالق إلا من رحم الله.

ليتنا نعيد توجيه قلوبنا إلى استشعار قوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40)}، فإنها والله لو استوعبتها القلوب.... لكانت من الحياء تذوب!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين