هُموم السوريّين

تمزق الجسد السوري وتبعثر السوريّون في الأرض. ملايين صاروا نازحين في المناطق المحررة، وملايين باتوا لاجئين في دول الجوار، وملايين تفرقوا في بلدان الشتات البعيدة... ولكلٍّ همومه ومشكلاته.

لقد أثبت تاريخٌ عريق يضرب بجذوره في أعماق الزمن أن السوريين قادرون على التأقلم والنجاح والإبداع وأنهم يعملون بأنفسهم لأنفسهم الكثير، ولكنهم يحتاجون إلى المساعدة، على الأقل للبقاء أحياء والإقلاع الناجح في الأيام الصعبة الأولى التي تعقب الهجرة والنزوح والتهجير.

* * *

إن من شأن الصدور الحانية والقلوب الرحيمة أن تخفف وَحشة المهجَّرين الذين غادروا مناطقهم إلى الشمال المحرر في السنة الأخيرة. وكذلك الشأن في كل النازحين داخل الوطن والمهاجرين خارجه، في دول الجوار وفي بلدان الشتات. إنهم الغرباء في الأرض الغريبة، فما أحوجَهم إلى يد رفيقة تمتد إليهم لتدلهم على الطريق، "وكل غريب للغريب نَسيبُ".

هؤلاء جميعاً يحتاجون إلى المأوى والعناية في الشهور الأولى على الأقل، فإن الغريب يستوحش إذا حل بأرض جديدة ويَحار في أول أمره: ماذا يعمل وأين يعيش؟ وربما عَجَز عن دفع إيجار الدار وربما حُرم رضيعُه من الحليب وقُطع عن مريضه الدواء، فإذا وجد من يساعده لتجاوز صعوبات الأيام الأولى صار أقدرَ على الاستغناء عن العون وأقربَ إلى الإبداع والإنتاج.

* * *

لا ريب أن الحمل ثقيل وأن قدرة الناس على العون المادي محدودة، فليس الحاملُ بأحسن حالاً وأوسع يداً من المحمول، ولا المقيم والوافدُ القديم أقلَّ حاجةً إلى الدعم المادي من الوافد الجديد، ولكنّ للقديم على الجديد أفضليةَ الاستقرارِ المعيشي والنفسي، فلو عجَز عن المساعدة بالمال فلن يُعجزه أن يُفيض على المهجَّرين اهتماماً ومحبة تزدهر بها أنفسهم وينسَون فيها مرارة الفقد والتهجير.

ثم إن المال ليس كل ما يريده الغريب الوافد على الأرض الجديدة. إنه يريد مَن يدله على بيت جيّد يعيش فيه، ومدرسة مناسبة يتعلم فيها الأولاد، وفرصة للوظيفة أو مجال صالح للعمل الحر. أما المهاجر خارج الوطن فإنه يحتاج إلى من يعرّفه بقوانين البلاد الجديدة ويهوّن عليه غربة اللغة والثقافة ويقوده في المسالك المجهولة. إنهم كلهم، هؤلاء وأولئك، بحاجة إلى الأصدقاء والداعمين والمحبّين.

* * *

طوبى لمن كان عوناً لأخيه، ومَن لم يكن سبباً للمساعدة فلا يكن سبباً للشقاء ولا يكن عثرة في الطريق.

اللهمّ بارك في أصحاب القلوب الرحيمة الذين فتحوا للمكروبين والمنكوبين أبوابَ الدور وأبواب القلوب. ألا وبُعداً وسحقاً للذين يستغلون آلام الناس ويتاجرون بالدموع والدماء، بُعداً وسحقاً لمَن رقص على الجراح واغتذى بالآلام وأثرى على حساب المشردين والمنكوبين والمكروبين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين