همسات على طريق الثورة (2)

 

خطر بث الشائعات، ودورها في إثارة الفتنة:

الثورة طريق شاقة وعسيرة، مليئة  بالأشواك ، والمصاعب، تكتنفها الأهوال… لأنها حربٌ في وجْه  الظالم وانتصارٌ للحق… والحقُّ قبل ولادته لا بدَّ له من مخاض عسير….

هي الهمسة الثانية من سلسلة همسات في طريق الثورة… اليوم حديثنا عن الشائعات في الثورة، ودورها في إثارة الفتنة، وتحطيم الثورة وثنيها عن أهدافها.

إن من ميزات الثورات الشعبية أنها تقوم من غير تنظيم ولا تخطيط، فهي قَوْمةٌ جماهيريةٌ ضدّ حاكمٍ فاسد ظالم، وعدم تنظيمها هذا يمنحها في البداية قوةً ويكبّل يد الطغاةِ حين يطمحون إلى وأدها، أو السيطرة عليها من خلال القوة، والاعتقال، وكذلك كانت الثورة السورية.

ولكن حالة عدم التنظيم هذه في مراحل متقدّمة من الثورةِ تجعل الثورة جسماً متشتتاً، لا يمكن لمُّ أجزائه، وتؤدي بالثورة إلى الاختراق  بكل أنواعه، وأول هذه الاختراقات التي يمكن أن يمارسها العدوُّ هو بثّ الشائعات بين الناس لإثارة الفتنة بين الثّوار أنفسهم لإرغامهم على الاقتتال فيما بينهم، أو لتحطيم النفوس الثائرة وإرغامها على التراجع

وقد عمِد النظام السوري، ولا يزال إلى محاربة هذه الثورة المباركة، من خلال استخدام هذه الطريقة (إثارة الشائعات)، بل إن النظام السوري يمتلك جهازاً مخابراتياً كاملاً وظيفته بثّ الشائعات ونشرها، ورصد ردَة الفعل المجتمعية لها، وتقديم التقارير عنها.

فما دور الثائر في هذه الحالة؟ وكيف يتعامل مع هذا الدّاء الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم؟

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: 6].

فالمسلم لا يصدّق كلَ ما يسمع، فضلاً عن أن  ينشره ويشيعه بين الناس، لقد وضع الإسلام مقياساً مهماً لتصديق الأخبار، وهو معرفة الشخص، ومعرفة حاله، ولا يمكن تصديق خبر الواحد دون هذا الضابط المهم، فكيف نصدّق خبراً  ينشره شخص مجهول الحال، ومجهول الشخصية، وخصوصاً على صفحات التواصل الاجتماعي.

وقد حذّرنا الإسلام من خطر الإسلام وإطلاقه من غير محاسبةٍ، وذلك في حادثة الإفك، إذ أخذ المنافقون يتكلمون في عرض السيدة المصون  زوج النبي عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله تعالى في حقهم: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ}[النور: 15].

فالمسلم حين يسمع هذه الإشاعات يردّها  إلى أهلها، ويستفتي ويسأل عن مصدرها؛ لأن  الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: 83].

أما في البيئة الثورية، وفي المناطق المحررة، فالتعامل مع الإشاعات يجب أن يكون بتتبع أصل الإشاعة ومحاسبة من ينشرها، إن كانت غير صحيحةٍ، وأن يُبين الحقُّ في المسألة، وأن يعلّم أفراد ذاك المجتمع، كيفية التعامل مع الشائعات ودحضها.

ولا بدّ أن نتبه أن كثيراً من هذه الشائعات وإلى الله المشتكى تنشاً من العاملين مع الثوّار، أو المتسلقين على الثورة، وذلك حين يسترقون السمع، من المجالس الخاصة، أو حين يأخذون طرف معلومة ثم يهوّلونها، ويضخمونها، فهذا أمر يجب أن يتنبه له وأن يعالج.

فكم من مدينة دُمّرت ودخلها جيش النظام بسبب شائعة، أثارت فتنة، والفتنة تحوّت إلى نارٍ لم يعد بالإمكان إطفاؤها.

إن النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من خطر اللسان، وكيف يمكن أن يودي بصاحبه، وبالمجتمع إلى مهاوي الردى في الحديث الطويل الذي يرويه معاذ رضي الله عنه، ومما جاء فيه:

قال : فأشارَ رسولُ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلمَ – إلىَّ فيهِ قالَ : الصمتُ إلا منْ خيرٍ قالَ : وهلْ نؤاخذُ بما تَكَلَمَتْ بهِ ألسنتُنُا ؟ فضربَ رسولُ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلمَ – فخذَ معاذٍ ثمَّ قالَ : يا معاذُ ثكلتكَ أمُّكُ ، أو ما شاءَ اللهُ أنْ يقولَ لهُ منْ ذلكَ – وهلْ يَكبُّ الناسَ على مناخرِهمْ في جهنمَ إلا ما نطقتْ بهِ ألسنتُهم ، فمنْ كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا أوْ ليسكتْ عنْ شرٍ قولوا خيرًا تغنَمُوا ، واسكتُوا عن شرٍّ تسلَمُوا .”

نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل،  وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وأن يحقق النصر القريب.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين