همسات على طريق الثورة رد المظالم إلى أهلها

 

 

في القرآن الكريم تطالعنا آيةٌ تكاد تكون مفتاحاً للنصر والتثبيت للأمة{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

طريق التغيير واضح…إنه نفسك، فمهما خذلتنا الأمم بأسرها، ومهما تواطأت علينا الدول بعدّتها، لا بدّ أن نعلم أن التغيير يبدأ من النفس…

فهل غيّرنا من أنفسنا نحو الأفضل؟ أم أن الانحدار ما زال مكملاً طريقه، نحو الهاوية؟

أملاً في أن نضع أقدامنا على طريق التغيير نتحدث اليوم همستنا السادسة عن ردّ المظالم إلى أهلها.

إن الإسلام ـ كما يقول علماء الأصول ـ قد أتى لحفظ الضرورات الخمس، وعلى رأسها ضرورة النفس والمال، ومن هنا رتّب العقوبةَ على أيّ اعتداء على النفس أو المال بغير حقّ، ومنْ بديع ذلك ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع إذ قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا).

وبذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد جعل الاعتداء على المال قرين الاعتداء على النفس، قرين الاعتداء في البيت الحرام.

وإذا عدْنا إلى أنفسنا وتأملنا حالنا قبل الثورة وبعدها، وسألنا أنفسنا : هل ازداد الاعتداء على النفوس والأموال بعد الثورة أم تاب الناس ورجعوا إلى ربهم؟ وردّوا الحقوق إلى أهلها؟

لا شك أن التعميم في أي شيء خاطئٌ ولكننا رأينا بعد الثورة حالةً من الاستغلالية في أكل أموال الناس، والاعتداء على نفوسهم بغير حق.

فالانفلات الأمني الذي شهدته بعض المدن، وظهور المنتفعين الذين استغلوا تلك الأحوال، أدى إلى اعتداء مضاعف على الأموال والأنفس.

فقبل أن نسأل متى نصر الله، علينا أن نسأل : هل غيرنا ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا؟

فكم من رجل ترك بيته ليعود إليه منهوباً، وكم من إرثٍ قُسّم دون إعطاء كل ذي حق حقّه.

إن الظلم ظلمات يوم القيامة أيها الناس، ولا يظنن ظانّ أنه بذلك المال الذي غصبه أو سرقه سينجو من عذاب الله، فلئن كانت الشاة التي لها قرنٌ سيُقتَصُّ منها يوم القيامةِ؛ لأنها نطحت الشاة التي ليس لها قرن…فكيف بمن سرق واعتدى وظلم:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لتؤدون الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء” رواه مسلم .

الشاة الجلحاء: التي ليس لها قرن.

الشاة القرناء : التي لها قرن.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه ُمن سبع أرضين” متفق عليه.

أما من لا يستطيع أن يرد المظلمة إلى أهلها فإن عليه أن يستسمح منهم، وأن يتحلّلّ من ظلمه.

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

” من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عرضه أو من شيٍ ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالحٌ أخذ منهُ بقدر مظلمتهِ، وإن لم يكن لهُ حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه” رواه البخاري.

فإذا أردنا أن نتعجّل نصر الله تعالى فلنسارع إلى إعطاء كل ذي حقّ حقّه، فمن استدان ديناً ولم يردّه فليعطه لصاحبه قبل موته، فالموت إلينا ـ كما ترون ـ أقرب إلينا من حبل الوريد.

ولا ننسَ أن الشهيد يُغفر له كل شيء إلا الظلم والدين…

وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي- رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم ، فذكر لهم إن الجهاد في سبيل الله ، والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله ، أريت أن قتلتُ في سبيل الله ، تكفرُ عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :” نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غير مدبر” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” كيف قلت؟” قال : أرابت إن قتلتُ في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” نعم وأنت صابرٌ محتسبٌ ، مقبلٌ غير مدبرٍ إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك” رواه مسلم.

وفي الحديث الآخر :

وعن خولة بنت عامرٍ الأنصارية ، وهي امرأة حمزة-  رضي الله عنه – قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ” إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة” رواه البخاري.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يغيّرون ما بأنفسهم ليستحقوا نصر الله وتمكينه، والحمد لله رب العالمين. 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين