همسات على طريق الثورة: الكتمان ، وأهمية التربية الأمنية

 

لا شك أن ثورتنا فيها خير كبير، وأن الملحمة التي تجري في بلاد الشام كان يجب أن تقوم من سنين عديدة، فلا خير أفضل من جهاد الظالمين والوقوف في وجههم.

 عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ “

ولا خير أفضل من إقامة شرع الله سبحانه وتعالى، والسّعي إلى تحكيم دين الله في كل الأمور… وهذه الأمور كلّها لا شكّ كانت  غائبة  أيام حكم الأسد الأب، ومن بعده الأبن.

وفي المقابل فإنه لمن المغالطة الكبيرة، أن نقول: إن كل ما في الثورة خيرٌ لا يشوبه غبارٌ البتّة، وإنه لمن الخداع لأنفسنا أن  نتغاضى عن أخطائنا بحجّة(الشرعية الثورية) أو (التوحّد على  عدوّ واحد) إن هذه الأمور لا شكّ مهمة… ولكننا لا نريدها أن تكون  عذراً لإسكات المنتقدين.

ومن خلال هذه النشرة نحاول أن نتلمّس الإيجابيات الغائبة، في ثورتنا، فنعززها، ونحاول أن نستفيد منها، جاعلين  إمامنا وبوصلتنا القرآن الكريم، وهدي النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديثه وسيره.

وفي الوقت نفسه لا  بد أن نقف وقفة المتأمّل أمام أخطائنا فننقدها  بغضّ النظر عمن قام بها وأن نحاول تصحيحها مع  النصح لمن  يقوم  بها راجين بذلك أن تعود  ثورتنا  بقدر المستطاع إلى مسارها  الذي يرضى عنه ربنا سبحانه وتعالى.

وأول هذه الهمسات التي ننطلق بها هي(الكتمان وأهمية التربية الأمنية) في حياة المجاهدين وغيرهم من العاملين في الثورة  السورية.

فلا شك أن الثورة السورية كانت ولا تزال تعاني من المخبرين ، وهذا المرض في المجتمع  له جانبان:

الجانب الأول يتعلق (بالآخَر) ونقصد به هنا  المخبر أو الجاسوس واستدراجه من قبل العدوّ، وهذا ليس موضوعنا.

أما الجانب الذي يعنينا  فهو الحذر الأمني للمسلم، وقدرته على الكتمان، وهو أمر لا شك قد مجتمعنا  كثيراً من ضعفه.

فقد اختلط علينا في كثير من الأحيان الأمر بين أهمية الإعلام ودوره في حشد الدعم العام والخاص والتأييد  للقضية، وبين الحفاظ على المعلومات الأمنية أو العسكرية، أو حتى  الطبية والإغاثية.

فكم من طبيب اعتقل وقُتل في سجنه جراء معلومةٍ تسربت عن  مكان مشفاه  الميداني!!

وكم من أطنان من الإغاثة كُشفت ومن ثَمّ سُرقت بسبب معلومةٍ نشرت لمن لا يحتاجها!

إن النبي عليه الصلاة  والسلام يأمرنا بألا  نتكلم  بكل ما نعلم، وما نسمع بل عدّ ذلك إثماً وكذباً: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ” وفي رواية أخرى: “كفى بالمرء إثماً” .

أما علي بن أبي طالب  رضي الله عنه فإنه يعلمنا قاعدةً أمنية في  غاية الأهمية بقوله : “ليس كل ما يعلم يُقال، ولا كلّ ما يُقال حضر أهله، ولا كل ما حضر أهله حان  وقته“.

فعلينا أن  نتقي الله في هذه الأمور الأمنية مهما كانت صغيرة… فكم من سرّ أُفشي فراح ضحيته  نفوس، كانت  تعمل ابتغاء رضوان الله.

وفي سيرة النبي عليه الصلاة والسلام نطالع السرّية التامة في الأخبار، وفي الحفاظ على سرية التحركات حتى وإن كانت صغيرة.

فقد بعث النبي عليه الصلاة والسلام سريّة  من المهاجرين، قوامها اثنا عشر رجلاً بقيادة عبد الله بن جحش الأسدي في مهمة  استطلاعية في شهر رجب من السنة الثانية، وسلّمه رسالة(مكتومة) تحتوي على جملة من التفاصيل من حيث الهدف منها، ومكانها، وأمره ألا يفتحها إلا بعد أن يسير يومين.

هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام في السّرية والحفاظ على أمن المعلومات…. فمن الغباء الثوري أن نعطي المعلومة لمن لا يحتاجها ، بحيث إذا قبض على شخص ما كان عنده  من المعلومات ما  يكفي أن  يكشف أوراق كثير من الناس، وهذا ما حصل ولا يزال يحصل إلى اليوم…

نسأل الله العلي القدير أن يهدينا  سواء الصراط، وأن يخلّقنا بهذا الهدي النبوي، وأن يعجّل النصر لثورتنا إنه هو  العلي القدير.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين