هل يوحد الزلزال أمتنا؟!

ونحن نعيش حزننا النبيل على الآلاف من شهدائنا، يمكن أن نطرح أسئلة جديدة، ونحفز عقولنا لتقديم إجابات مبتكرة.. ومن أهم تلك الأسئلة: هل يمكن أن نبني مستقبلنا على ضوء دماء شهدائنا؟ لكن هل يمكن أن نفكر في المستقبل، وقلوبنا تنفطر حزناً وألماً؟! إن الأمة التي تقدم الشهداء تحقق الانتصارات، وتبني الحضارة.. ذلك أهم دروس التاريخ الإسلامي.

 

بعد غزوة «أحد»

واجه المؤمنون بعد غزوة «أحد» موقفاً شعروا فيه بالحزن والأسى لفراق الشهداء، وروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما أصيب إخوانكم بـ«أحد»؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتؤوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم؛ قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب؛ فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم؛ فأنزل الله على رسوله صلي الله عليه وسلم: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169)».

 

تأثير الشهداء على حياتنا

يقول سيد قطب: إن الشهداء لم ينقطعوا عن حياة الجماعة المسلمة، ويربط القرآن بين حياة الشهداء في معركة «أحد»، والأحداث التي تلت استشهادهم، ثم ينتقل إلى تصوير موقف الجماعة المؤمنة التي استجابت لله والرسول بعد كل ما أصابها من القرح، وخرجت تتعقب قريشاً بعد ذهابها، ولم تبال تخويف الناس بجموع قريش، متوكلة على الله وحده، محققة بهذا الموقف معنى الإيمان وحقيقته.

 

في ضوء ذلك، يصبح السؤال مشروعاً: كيف نبني المستقبل على ضوء دماء شهدائنا؟!

 

نحن أمة واحدة

من أهم الأسس التي تقوم عليها الإجابة: أن الأمة كلها تشعر بالحزن بسبب الكارثة التي أصابت إخواننا في تركيا وسورية.. هكذا وحدنا الحزن، فشعرت الأمة أنها تعيش بقدر الله، وأنها تعبد الله الواحد الأحد، وكل العباد ضعفاء أمام قوة الله.

 

لذلك، يجب أن نعيد تحديد أهداف حياتنا، فندرك أن أهم ما يميز الأمة الإسلامية أنها تعبد الله الواحد الأحد، فعبادة الله هي الشرف والخير ومصدر القوة والنجاة والفوز في الدنيا والآخرة.. فهل يمكن أن يكون هذا هو الأساس الذي ننطلق منه لبناء مستقبلنا؟! فنوجه بوصلتنا نحو الغاية الحقيقية التي تستحق أن نعيش من أجلها؛ وهي إرضاء الله.

 

ونحن أمة واحدة تشعر بالألم والحزن في هذه المأساة التي جعلتنا نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص»، فإن كانت المباني المادية انهارت على أجساد أحبابنا في تركيا وسورية، فإن بناء الحب يرتفع في قلوبنا، فتصبح قلوب المؤمنين بنياناً مرصوصاً تشكل قوة للأمة، وهي تتقدم نحو مرحلة جديدة من التاريخ.

 

فرصة لبناء قوة الأمة الإعلامية

هل يمكن أن تدرك وسائل الإعلام أهمية هذه الفرصة فتعيد بناء علاقتها مع الجمهور، والبرهنة على أنها يمكن أن تشكل مصدر قوة للأمة عندما تدعو للوحدة، وإغاثة إخواننا في تركيا وسورية.

 

هكذا يمكن أن نربط بوعي بين وحدة الأمة، والقوة الإعلامية، عندما نجعل كل فرد يشعر بالحب والمشاركة الوجدانية والتعاطف والرحمة لإخواننا، وهذا يمكن أن ينقلنا إلى مرحلة الوعي بأهمية الوحدة في بناء القوة.

 

في ضوء دماء شهدائنا، يمكن أن تقوم وسائل إعلامنا بتوعية الأمة بهويتها: فنحن جميعاً مسلمون نعبد إلهاً واحداً، ونحمل رسالة الله الخاتمة للبشرية، وأن وظيفتنا الأولى هي أن نعبد الله، وهذه الوظيفة تضيء لنا الطريق للقيام بوظيفتنا الثانية، وهي إعمار الأرض.

 

بذلك يمكن أن نفهم معنى وعد الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة بناء كل ما تهدم من مبانٍ، وإعطاء كل من فقد مسكنه بيتاً أفضل.

 

نحن نستطيع أن نبني الحضارة

وعد الرئيس أردوغان يوضح أننا نستطيع أن نقوم بوظيفتنا في إعمار الأرض عبادة لله سبحانه وتعالى، ووفاء لدماء شهدائنا، لكي يعيش كل مسلم عزيزاً في بيته على أرض وطنه، وأن الدولة يمكن أن تكفله وتحميه في مواجهة الكوارث، فهل يمكن أن تقوم وسائل الإعلام بوظيفتها في بناء وعي الأمة وقوتها لإعادة بناء الحضارة الإسلامية.

 

إن الوعي بالوظيفة الحضارية يجعل الأمة تواجه المأساة التي تعرضت لها بإصرار على بناء مستقبل أفضل لكل مسلم، ونحن نعيد بناء المدن التي دمرها الزلزال، يجب أن تقوم وسائل الإعلام بدعوة المسلمين للمساهمة في نجدة إخواننا ومواساتهم وتعمير منازلهم، فهذا يحول الوحدة الإسلامية إلى حقيقة يدركها العالم كله.

 

عقولنا تعمل وقلوبنا أيضاً

في ضوء ذلك، يمكن أن نطلق لعقولنا العنان، ونحفزها للتخطيط والتفكير والابتكار، واختراع وسائل جديدة للحماية من الزلازل والبراكين والأعاصير.. ووسائل الإعلام يمكن أن تقوم بدور مهم في ذلك عندما تعيد الوعي للمسلمين بأن أهم ما تتميز به الحضارة الإسلامية أنها حضارة تعبد الله وتوحده، فحول المساجد يتم بناء المنازل والمدارس والجامعات.

 

لذلك، نحن نبني حضارتنا بعقولنا وقلوبنا، بسواعدنا ومشاعرنا، بعلمنا وإيماننا، نبني لنحيا في سبيل الله، ويوحدنا الحب في الله لكل إخواننا، فنتألم لمصابهم، ونحزن لمأساتهم.. لقد علمنا الزلزال أننا أمة تتجلى أصالتها عندما نتعرض للمأساة، فيتضح للعالم أننا بنيان مرصوص من قلوب مؤمنة.. وهذا البنيان لا يمكن أن ينهار لأن ما يمسكه هو الإيمان بالله.. فهل يمكن أن تقوم وسائل الإعلام بحملة لبناء وعي المسلمين بأهم مصادر قوتهم، وأن يتحول هذا الوعي إلى عمل إيجابي لبناء المستقبل.. إنها حملة «بنيان مرصوص من قلوب مؤمنة».

 

لذلك، يجب أن نفكر في بناء مستقبلنا على أساس الإيمان بالله ورسوله وكتابه الكريم، فهو أهم مصادر قوتنا.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين