السؤال:
قد ظهر قبلنا أناس يزعمون أن
الحائض يجب عليها أن تصوم، ولا يرخص لها في الفطر إلا إذا كانت مسافرة أو مريضة،
وليس ثمة أي دليل على منعها من الصوم.
الجواب
إن هؤلاء المتعالمين لم يؤتوا حظا من العلم، ولا يجوز للمسلمين
أن يأخذوا دينهم إلا عن الثقات، أي العلماء الأثبات الصالحين، وإذا أفتى الجهال في
أمر من دين الله ضلوا وأضلوا.
اعلموا أن الحائض يفرض عليها صيام رمضان، ولكن لا يصح منها
أداؤها، فيجب عليها أن تقضي أيام حيضها بعد رمضان.
والدليل على ذلك من القرآن والسنة كليهما، وهو من الأمور التي
أجمع عليها الفقهاء والمحدثون منذ عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا
هذا.
حجة
القرآن:
للقرآن الكريم مناهج شتى في بيان الأحكام، منها: أن ينص على
الحكم في الموضع الذي يليق به، ومنها أن يذكر حكمان في موضعين مختلفين يليقان
بهما، وإذا جمعا دلا على حكم ثالث، وذلك بمثابة مقدمتي الدليل.
فذكر في سورة البقرة الآية 187
أن الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهارا، قال تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلىٰ نسائكم، هن لباس لكم وأنتم
لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن
وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا واشربوا حتىٰ يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل ۚ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد، تلك حدود الله فلا تقربوها، كذٰلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون".
ونص في سورة البقرة الآية 222
على أن الحائض ليست أهلا للجماع، قال تعالى: "ويسألونك
عن المحيض، قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتىٰ يطهرن، فإذا
تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".
هاتان مقدمتان دلتا على أن
الحائض إذا لم تكن أهلا للجماع، لم يصح لها الإمساك عنه، وإذا لم يصح لها الإمسك
عن الجماع لم يصح لها الصوم.
وإن حصل الحيض في جزء من
النهار لم يصح صوم ذلك اليوم لأن الصوم لا يتجزأ.
ولا يقاس الحج والعمرة على
الصوم، ويتبين الفرق بين الأمرين بالنظر.
حجة
السنة:
أخرج
الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل النساء: أليس إذا حاضت لم
تصل ولم تصم، قلن: بلى.
وأخرج الشيخان أيضًا عن معاذة،
قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة. فقالت:
أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء
الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
وفي رواية للنسائي والترمذي
وابن ماجه: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء
الصوم.
الإجماع:
قال ابن عبد البر في التمهيد:
هذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لا خلاف
في شيء من ذلك والحمد لله، وما أجمع المسلمون عليه فهو الحق والخبر القاطع للعذر.
وقال ابن حزم رحمه الله في
مراتب الإجماع، ص40: وأجمعوا أن الحائض تقضي ما أفطرت في حيضها، وأجمعوا وأجمع من
يقول على أن الحائض لا تصوم أن النفساء لا تصوم.
وقال ابن المنذر في كتابه
"الإجماع"، ص42: وأجمعوا على أن الحائض لا صلاة عليها في أيام حيضتها،
فليس عليها القضاء، وأجمعوا على أن عليها قضاء الصوم الذي تفطره في أيام حيضتها في
شهر رمضان.
وقال ابن قدامة في المغني:
أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم، وأنهما يفطران رمضان،
ويقضيان، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم.
وقال ابن القطان في الإقناع في
مسائل الإجماع 1/230: واتفقوا أن الحائض لا تصوم.
وقال النووي في المجموع:
فأجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء وعلى أنه لا يصح صومها.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول