هل يصح التخاطب بآيات القرآن؟

أرسل إلي أحد إخوتي يقول:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

... وبعد ما تعليقكم على هذا المقطع؟

فأجبته:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

تعليقي أن هذا لعب ذميم بالقرآن.

وإساءة إلى كتاب الله الكريم، من هذين الجاهلَين.

لا أشك في حرمة هذا العمل.

لا يصح ابتذال القرآن والعبث به وقصقصة الآيات على هذا النحو الصبياني الجاهل، والوقوف القبيح في غير موضع الوقف، والابتداء الأقبح الذي يفصل الفعل عن الفاعل ويفسد معاني الآيات، لتكون كل جملة من الآيات التي قرئت، على مقاس السؤال السخيف الذي يقدمه ذلك السفيه.

وأسخف منه وأشد سفها، هذا القارئ الذي رضي لنفسه أن يعبث بالقرآن على وفق هوى صاحبه.

(إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ ۝ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ)[سورة الطارق 13 - 14]

والله أعلم.

بعد التعقيب الذي نشرتُه في صفحتي، مستنكرا على التسجيل المرئي العابث، الذي يُظهر زُورا، أن القرآن الكريم يجيب بنصوصه على كل الأسئلة المتعلقة بفيروس كورونا 19 ، وصلني من أحد الإخوة تسجيل مرئي لأحد الدعاة، يروي قصة ما يُعرف بـ المرأة المتكلمة بالقرآن، ثم يقول الأخ المرسل: أليس من تقارب بين هذه المتكلمة والقارئ في المقطع الذي انتقدتَه؟ طبعا مع فارق التشبيه، وأنا معك فيما أوردتَ من ملاحظات نقدية على القارئ والسائل. انتهى كلامه.

فكتبتُ في جوابه: أخي بارك الله فيك، سؤالك فيه الجواب إذ تقول: (مع فارق التشبيه) وإذا وقع الفارق في التشبيه، وقع الفرق بينهما في الحكم لا محالة.

وشتان بين من يتلعب بالقرآن، ومن يتكلم بالقرآن.

ثم إن قصة المرأة المتكلمة بالقرآن إن صحَّت – وهيهات – فإنها ليست دليلا على حِلٍّ ولا حُرمة، لأنها ليست مِن عملِ ولا قولِ مَن يُحتجّ بقوله وعمله، بل هي نفسها عرضة للحكم على عملها المذكور بالحل أو الحرمة.

وقد حكم الحافظ ابن الجوزي رحمه الله على عملها بأنه منهي عنه، وذلك بعد أن أورد قصتها في كتابه (صفة الصفوة (2/ 513) فقال تحت عنوان [عابدة لُقِيَتْ بعرفة]:

عبد الله بن داود الواسطي قال: بينا أنا واقف بعرفات إذ أنا بامرأة وهي تقول: [من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فما له من هاد]. فقلت: امرأة ضالة. فنزلتُ عن بعيري وقلت لها: يا هذه ما قصتك؟ فقالت: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} فقلت في نفسي: حَرُورية لا ترى كلامنا. فقلت لها: من أين أنت؟ فقرأتْ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} فأركبتُها بعيري وقفلتُ بها أريد رحال المقدسيين. فلما توسطتُ قلت لها: يا هذه لمن أصوِّت؟ فقرأتْ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} فناديت: يا زكريا، يا يحيى، يا داود. فخرج عليَّ ثلاثة فتيان من بين الرجال فقالوا: أمُّنا وربِّ الكعبة، ضلَّت منذ ثلاث، وأنزلوها وأكرموني. فقلت لهم: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: ما تكلمت، منذ ثلاثين سنة مخافة أن تزل.

ثم قال ابن الجوزي بعد أن أورد تلك الحكاية: قلت: هذه امرأة صالحة المقصد، إلا أنها لِقلة علمها لم تدر أن هذا الفعل منهي عنه، لأنها استعملت القرآن فيما لم يوضع له. قال ابن عقيل: لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام، لأنه استعمال له في غير ما وُضع له، كما لو أراد استعمال المصحف في الوزن به أو توسُّدِه. اهـ

أقول: ويلاحظ أن قول المرأة في القصة المتقدمة: [من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فما له من هاد.] ليس آية من القرآن، وإنما هي كلمات مما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة، كما في صحيح مسلم، ومما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في خطبة الحاجة، في النكاح وغيره، كما في سنن أبي داود. وهناك آيات قريبة من معناها، لعل إحداها هي المقصودة في هذا الموضع كما دلت عليها رواية أخرى لهذه الحكاية، مثل: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]. كما نبه إليه الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار، حيث أورد فيها الحكاية المتقدمة على نحو قريب مما أورده ابن الجوزي في [صفة الصفوة] ولكنه نقلها عن كتاب (روضة البلاغة للعلامة أبي الحسن البارزي) منسوبة إلى أحمد بن عبد الله الواسطي، وليس إلى عبد الله بن داود الواسطي الذي جاء اسمه في صفة الصفوة، ثم علق عليها صاحب المنار فاستبعدها، ولكن لم يجزم بِرَدِّها، فقال ما نصه: إن المحافظة على الصدق من أفضل الفضائل على الإطلاق، وقد يبلغ الغلوُّ بالشيء والتعمقُ فيه إلى ما يُستغرب وقوعه، كما ينقل عن الأسخياء والشجعان. ومن ذلك خبر هذه المرأة، ويلوح للذهن أن الحكاية مخترعة، لا لأن استحضار الآيات التي تشير إلى المقاصد عسير؛ بل لأن الصبر عن الكلام هذه السنين الطوال محل غرابة، ولكن الأصل في الكلام – لا سيما كلام أهل العلم - أن يكون صادقًا، ولله في خلقه شؤون، هذا، وقد نص بعض الفقهاء على أن استعمال القرآن للتخاطُب في الأمور العادية محظور. انتهى انظر: مجلة المنار لمحمد رشيد رضا [2 /123]

أقول: والحكاية المذكورة لم ترد مسندة في شيء من كُتُب الأخبار ولا كُتُب التاريخ، ولا هي في شيء من كُتُب أصول الأحكام ولا فروعها.

وإنما تناقلتها كتب الأدب غير مسندة، كما جاءت غير مسندة عند ابن الجوزي وفي مجلة المنار.

ولئن كانت عندهما منسوبة إلى الواسطي – على اختلاف بينهما في اسمه – فإنها جاءت في غير واحد من كتب الأدب منسوبة إلى عبد الله بن المبارك، أحد مشاهير أئمة السلف، ت 181 هـ

وجدتُها في كتاب جواهر الأدب لمؤلفه أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي ت 1362 هـ

وقد سبقه بها، بمثل نصها عنده، كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) لمؤلفه: محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي، ت 852 هـ

وقد سبقهما بها، بمثل نصها عندهما، أحد أئمة أهل الأدب في زمانه، محمد بن سلّام الجمحيّ ت 232 هـ في كتابه (طبقات فحول الشعراء)

وواضح أن مَن بعد ابن سلاّم ممن ذكرنا، قد نقلها عنه كما هي، حتى بما وقع فيها من خلل - أصلحتُه - في بعض الآيات.

وهذا نصها عنده: (حكاية المتكلمة بالقرآن)

قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزت ذاك، فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف، فقلت: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته. فقالت: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قال: فقلت لها: يرحمكِ الله، ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} فعلمتُ أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} فعلمتُ أنها قد قضت حجها، وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ قالت: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} فقلت: ما أرى معك طعاماً تأكلين؟ قالت: {هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟ قالت: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فقلت لها: إن معي طعاماً، فهل لك في الأكل؟ قالت: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فقلت: ليس هذا شهرَ رمضان. قالت: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر. قالت: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فقلت: فمن أي الناس أنت؟ قالت: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} فقلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حِلّ، قالت: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة؟ قالت: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} قال: فأنخت ناقتي، قالت: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} فغضضت بصري عنها وقلت لها: اركبي. فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فقلت لها: اصبري حتى أعقلها، قالت: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فعقلتُ الناقة، وقلت لها: اركبي. فلما ركبت قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (*) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} قال: فأخذت بزمام الناقة، وجعلت أسعى وأصيح فقالت: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} فجعلتُ أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر، فقالت: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فقلت لها: لقد أوتيتِ خيراً كثيراً. قالت: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فلما مشيت بها قليلاً قلت: ألك زوج؟ قالت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فسكتُّ ولم أكلمها حتى أدركتُ بها القافلة، فقلت لها: هذه القافلة فمن لك فيها؟ فقالت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فعلمتُ أن لها أولاداً، فقلت: وما شأنهم في الحج؟ قالت: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} فعلمتُ أنهم أدِلّاء الركب، فقصدت بها القباب والعمارات فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} فناديت: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى. فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس قالت: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} فمضى أحدهم فاشترى طعاماً فقدموه بين يدي، فقالت: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فقلت: الآن طعامكم عليَّ حرام حتى تخبروني بأمرها، فقالوا: هذه أمُّنا، لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء. فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. والله أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى من كتاب طبقات فحول الشعراء.

قلت: والحكاية المذكورة لا حظَّ لها من التوثيق كما هو واضح، ولكننا لا نجزم ببطلانها، لأن العقل لا يُحيلها، كما لا يضُرنا قبولها لأنها من قبيل التوصيف، لا من قبيل التكليف، ومن باب المُلَح والأمور المستَطرفة، وليست من أدلة الأحكام في شيء.

أما حكم هذا الفعل، فقد سبق أن نقلنا عن ابن الجوزي النهي عن ذلك في كتابه (صفة الصفوة) وما نقله فيه عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي البغدادي المتوفى سنة 513 هـ إذ يقول: لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام، لأنه استعمال له في غير ما وُضع له، كما لو أراد استعمال المصحف في الوزن به أو توسُّدِه. اهـ

أقول: وفي هذا الإطلاق تفصيل نقله عن تقي الدين ابن تيمية، الفقيهُ الحنبلي مصطفى السيوطي الرحيباني المتوفى سنة 1243هـ في كتابه (مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى) في الفقه الحنبلي، الذي جاء فيه:

وَحَرُمَ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ، فَيَقُولُ: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: 40] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِتَعْظِيمِهِ وَاحْتِرَامِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَرَأَ عِنْدَ مَا يُنَاسِبُهُ فَحَسَنٌ، كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16] وَكَقَوْلِهِ عِنْدَ إصَابَتِهِ وَعِنْدَ مَا أَهَمَّهُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وَكَقَوْلِهِ لِمَنْ اسْتَعْجَلَهُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمُقْتَضَى الْحَالِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْقِيصَ فِيهِ. اهـ

قلت: والمقصود بـ الشيخ تقي الدين: أبو العباس ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ رحمه الله تعالى.

وقد سبق ابنَ تيمية إلى بيان جواز ذلك فيما يناسبه، الإمامُ النووي رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 676 هـ حيث نقله من فعل عمر وعلي رضي الله عنهما، فقال في كتابه (التبيان في آداب حملة القرآن):

[فصل] في قراءة يراد بها الكلام. ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا، وروي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يَعرض من أمر الدنيا. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون، ورفع صوته وقال: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} وعن حُكَيم - بضم الحاء - ابن سعد، أن رجلا من المحكِّمية أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح فقال: لئن أشركت ليحبطن عملك. فأجابه علي في الصلاة: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] قال أصحابنا: إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] أراد التلاوة وأراد الإعلام، لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يَحضره نية، بطلت صلاته. انتهى من كتاب: التبيان في آداب حملة القرآن [ص 120]

قلت: والمقصود بالمُحَكِّمِيَّة: الخوارج الذي نقموا على علي رضي الله عنه مسألة التحكيم التي كانت بعد موقعة صِفِّين، وقالوا: لا حكم إلا لله، فسُمُّوا المُحَكِّمِيَّة.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين