هل هنالك فرق في لغة العرب بين السنة وبين العام؟

أصل معناهما في لغة العرب واحد، ويغلب في الاستعمال أن تكون لفظة "السَنَة" تعني الجدْب والقحط والشدة، وأن تكون لفظة "العام" تعني الرخاء، وربما يظن بعض المتسرعين أن ما غلب في الاستعمال هو الصواب بإطلاق، وهذه دعوى لا دليل عليها، ومن تسرع وقال بذلك فقد جانبه الصواب.

وهذه أدلتي:

قال أبو هلال العسكري المتوفى قرابة سنة 395 في كتابه الفروق اللغوية عن الفرق بين العام والسنة: "يجوز أن يقال العامُ يفيد كونه وقتا لشيء والسنة لا تفيد ذلك، ولهذا يقال عام الفيل ولا يقال سنة الفيل، ويقال في التاريخ سنة مئة، وسنة خمسين، ولا يقال عام مئة، وعام خمسين، إذ ليس وقتا لشيء مما ذكِر من هذا العدد، ومع هذا فإن العامَ هو السنة والسنة هي العامُ وإن اقتضى كل واحد منهما ما لا يقتضيه الآخر مما ذكرناه".

وقال الراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502 في كتابه المفردات في غريب القرآن: "أكثر ما تُستعمل السَّنَةُ في الحول الذي فيه الجدب". وقال: "العامُ كالسنة، لكنْ كثيرا ما تُستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب، ولهذا يُعبر عن الجدب بالسنة، والعامُ بما فيه الرخاء والخصب، قال {عامٌ فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون}".

وقال المطرِّزي المتوفى سنة 610 في كتابه المُغْرب: "السنة والحول بمعنى واحد، وقد غلبتْ على القحط غلبةَ الدابة على الفرس".

أي: هذا كما غلب في لسان العرب استعمال لفظة "الدابة" بمعنى الفرس وإن لم تكن تعني ذلك بإطلاق.

أقول: تأملْ قول الله عز وجل {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يُوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتعون}، وقولَه تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب}، وقولَه تعالى {قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟!}.

إذا متَّع الله عز وجل أناسا فترة من الزمن فهذا يعني أنهم في رخاء وسَعة، لا في كرب وشدة، ومع هذا فقد قال ربنا جل شأنه {متَّعناهم سنين}.

يمتنُّ الله تبارك وتعالى على العباد بأن جعل لهم الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لما في ذلك من منافع لهم، وقال في ذلك {لتعلموا عدد السنين والحساب}.

لم يكن سيدنا موسى عليه السلام في تلك السنين التي تربى فيها في قصر فرعون يعاني من الشدة، بل كان ينعَم في عيش رغد، ولو كان المراد هنا هو الشدةَ لما جاء التعبير القرآني بلفظة {سنين} وفرعون يقولها في مقام الامتنان.

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مئة سنة، واقرؤوا إن شئتم {وظلٍ ممدود}.

روى البخاري عن ابن عباس أنه قال: «أنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم أمِر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين".

روى مسلم عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين