هل هناك نظام سياسي إسلامي؟

نقطة اعتراضي الأولى على من يقول بأن الإسلام بلا نظام سياسي ولا اقتصادي، وأنه لم يبحث في تفاصيل دولة، أن هذا كلام عام غير منضبط، ويمكن تأويله بعيدا لصالح أفكار عزل الإسلام عن الحياة.

نعم الشريعة لم تنزل بكل تفاصيل الدولة، وتركت المساحة الأوسع في هذا التفصيل للفقه الإسلامي الذي هو اجتهاد بشري قابل للتقويم والمراجعة والإضافة والحذف والتطوير والاعتراض، وهذه إحدى مزايا طرح الشريعة ومرونتها حين تترك هذا الفضاء الواسع للاجتهاد ضمن ضوابط حدود الله التي حذرت من تجاوزها، وهي معالم محكمة وقيم ضابطة تميّز المنتج الاجتهادي الإسلامي عن سائر المنتجات الوضعية وإن التقت في بعض الطريق!

كان للمسلمين نظام سياسي استنبطه الذين يعلمونه من أولي الأمر وأهل الذكر، وطوروه تبعا لمستجدات التوسع والتضييق، والتوحد والتمزيق، والقوة والضعف..

وكانت الخلافة الأولى صورته المثلى التي لا نزال ننظر إليها بكثير من الإعجاب بعد قرون طويلة، مع كل إدراكنا بصعوبة تكرار ذلكم الجيل وتلك الصورة..

ثم تطورت الحالة الراشدة التي كانت هي نفسها في حالة تطور دائم، وكان لها صور واقعية من لدن الأمويين فالعباسيين فالمماليك والعثمانيين، وما حول ذلكم من دول ودويلات، كان ثمة نظام تفصيلي تحتذيه هذه السلطنات الإسلامية وتطبقه، بما يتسق واقعيا مع مفهوم الدولة في زمانهم.. 

بتوقيع اتفاقية وستفاليا في أوروبا عام 1648 ظهر مفهوم الدولة الحديثة الذي لا يزال ينضج، حتى سقوط الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن العشرين.. وهذه فترة غياب وتغييب الاجتهاد الإسلامي عن الفاعلية والتأثير، ليزعم من زعم بعدها أن الإسلام بلا نظام سياسي!

لا يزال المسلمون قادرون على تطوير نظامهم بما لا يتجاوز حدود شرعهم، ويستنبطون كل الآليات والوسائل التي تخدم ذلك، بما لا يعني رفض الحياة المعاصرة ومخرجاتها الإنسانية المحايدة، وهذا لا يعني أن النظام غير موجود، ولكنه غائب منذ أمد ويحتاج مراجعة وتقويما، وهي عملية غير معقدة يستطيعها فقهاؤنا الدستوريين والسياسيين والشرعيين بزمن قصير إذا توفرت الإرادة والقناعة.

إن القول بأن النظام السياسي الإسلامي غير موجود غير دقيق لأنه يفترض أن يكون النظام من مبتداه لمنتهاه سماويا توقيفيا مداره على نصوص قطعية من الكتاب والسنة، فإن يكن ذلكم الفهم فما ثمة شريعة قط لأن غالب مساحة الفقه الإسلامي بعمومه في دائرة أوسع بما لا يقارن مساحة مع دائرة الوحي التوقيفي..

فهل يقول عاقل أن ما ثمة شريعة لأنه ما ثمة شكل منضبط صارم لها؟!

نعم النظام الإسلامي مطلوب، وواجبنا جميعا الاجتهاد لتحريره وتوفيره وتحقيقه والدفاع عنه، مؤسسين على أنه حتى مفهوم الدولة الحديثة ليس بالضرورة نهاية العالم كما يزعم غربيون من مدارس شتى، ومؤسسين أنه مهما كان واقع الدولة الحديثة محدود أيضا فواجبنا هو الاجتهاد لتكييف نمطية واقعية للتعامل معه.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين