هل نكره الكفر أو الكافر؟

نص الاستشارة :

 

 

 

 

سمعت كلاما  عجيبا للحبيب الجفري..!! هل يستقيم هذا في ميزان الشرع يا أيها العلماء؟

الاجابة


هذا الكلام يؤدي إلى محبة الكفار والزنادقة والظلمة، وهو أشبه بخطاب التقريب بين الأديان، مع أن هذه اللهجة السمحة الحانية لا تسمعها إلا مع غير المسلمين !!
هذا الكلام فيه خلط وتلاعب وسفسطة،لأن المعصية والكفر أيضًا من خلق الله وإن كانا من كسب أصحابهم، لأنه لا يقع في كون الله إلا ما أراد، فبكلام الجفري عليه أيضًا أن يحب الكفر والمعصية لأنها من خلق الله، ويحب إبليس وكل الشياطين من الإنس والجن ؛ لأنها من خلق الله !! .. وهكذا، فهذا مقياس عجيب ومخالف لرأي أهل السنة، ويدل على عدم تحصيل، ومع ذلك يقول : (هو من الثوابت).. لا أدري من أين أتى بها، وكيف تجرأ على مثل هذا. وكذا الشر .. هو من خلق الله وتقديره ، ومع ذلك أمرنا بكراهيته ونهينا عن فعله.
ولا يتصور عاقل معصية في الهواء معلقة من غير عاص، ولا فسق من غير فاسق، ولا كفر من غير كافر، أو أي فعل أو حدث من غير فاعل ولا محدث؛ لأنها أعراض والعرض لا يقوم بنفسه ولا يبقى زمانين، فهذا كلام أشبه بالسفسطة،مع أنه يستبطن عن قصد أو غير قصد دعوة تقريب بين الأديان، وقد قال تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وقوله تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ )، و(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .
وواجب علينا أن نحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه، لأن أحب شيء للمؤمن ربه سبحانه ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فيحب بحبهم ويبغض ببغضهم، ولا مودة بينه وبين مبغضهم ، وإذا خاف أن يود غير محبهم من غير المسلمين يستحضر في نفسه أن من أمامه يبغض نبيه ويكذبه ويسيء إليه ويقول في ربه ما يقول، فلا تجتمع المحبة والمودة في قلبه لكافر أبدًا حتى ينزع عن كفره ، ولهذا السبب نزلت سورة الممتحنة وما فيها لم ينسخ : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)) إلى آخر الآيات ؛ فانظر كيف قال : عدوي وعدوكم ، وهل يحب العدو؟!!
وهل يقال: إن الله يحب الكافرين لكنه يبغض كفرهم مثلا، وإن كان كذلك يعذب الكفر لا الكافر وكذا الفسق لا الفاسق، هذا لا يعقل، ولولا أن الراجح أن لازم المذهب ليس بمذهب لقيل في قائل هذا أبعد من ذلك.
وهناك فرق - كما هو معلوم - بين الحب والمودة للكافر ، وبين البر والمعروف، فلا شيء في البر والمعروف.

أما قوله: المعصية متغيرة، نعم نكره العصاة حالة فسقهم، فإذا تاب الفاسق وأسلم الكافر أحببناهم، ومع كراهيتنا لهم حالة تلبسهم بالمعاصي نتمنى لهم الهداية كذلك. وفي الحديث عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ». وروي من طرق متعددة صحيحة وحسنة
» قال ابن أبي الشيخ الأصبهاني في فوائده: «والمطيع لله يجب أَن يحب لطاعته، وَإِن كَانَ فِي خلال ذَلِكَ بعض الْمعاصِي، والعاصي لله يجب أَن يبغض لمعصيته وَإِن كَانَ فِي خلال ذَلِكَ بعض الطَّاعَة، فَمن كَانَت طَاعَته أَكثر ازْدَادَ إيمَانه وَوَجَبَت محبته، وَمن كَانَت مَعَاصيه أَكثر انْتقصَ إيمَانه وَوَجَب بغضه حَتَّى يحصل الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله.». هذا والله أعلم.


التعليقات