هل نحتاج في عصرنا إلى الاحتفال بالمولد النبوي؟

الدواعي للاحتفال بالمولد الشريف في عصرنا أكثر بكثير من العصور السابقة، فالتعليم العام - ونسبته في كثير من بلاد المسلمين لا تزيد عن 50% - لا يُعَرَّف الطلاب فيه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله، فضلًا عن انتشار الدعوات العلمانية والشيوعية، وتمكن هذه الحركات من كثير من بلاد المسلمين، إضافة إلى انتشار المدارس الفكرية الإسلامية العقلية والحركية التي نظرت إلى مقام النبوة على أنه مجرد مقام قائد عظيم "عبقري"، ورأت دعوته تيارًا سياسيًّا حركيا فحسب، وقد تأثر كثير من الدعاة بهذا التفكير، حتى وجدنا - مثلا - من يخفي ما ورد مثلًا في حديث البخاري في صلح الحديبية من تسابق الصحابة على شَعر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبزاقه، لأنه لا يستسيغ ذلك، بل سمعت عبارات ممن يعتبرهم الناس علماءَ كبارًا فيها كلام في رأيي هو سوء أدب مع مقام النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وآل بيته.

وأنقل هنا كلاما مهمًّا للشيخ عطية صقر في بعض فتاويه، يقول رحمه الله:

"ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه فى السيرة، وعمل آثار تُخَلِّد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أى عمل خيرى يربط من يشاهده برسول اللّه وسيرته.

ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت اللّه، ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب.

فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع.

وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع، ذلك أن كثيرًا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين