هل نحتاج فتاوى الكدّ.. أم الفتاوى التي تُنبتُ الحبّ؟

حينَ فقدتْ بيوتاتُنا الحبّ فقدًا، واُستُلبت منها المروءة استلابًا، وتقهقر فيها الحياء بعيدًا= باتتِ الأفكارُ كلّها قادرةً على الرّوغان في أركانها، وغدتْ الأقلامُ، كلّ الأقلام، متمكنةً منَ التّأثير فيها…

تأمّلوا في العائلات النًاجحة التي صدّرتْ للأمّة كبار أئمّتها، ورياحين مفكريها= هل سكنتْ خواطرهم مثلُ هذه الفتاوى، وهل قرّعتْ ضمائرهم أشباه هذه الدّعاوى…

في مثل هذه العوائل المهيبة كانت المرأة تملك كلّ شيء: القلوب والعقول والأموال، وتملك المهابة… كلمتُها موزونة، ولرأيها وزن، هي بيتُ الحبّ، وبيتُ المال، وبيتُ السّعادة…

في مثل هذه العوائل كانتِ المرأةُ كلّ شيء، ولا زالتْ للساعة هذي في نفوس من حولها كلّ شيء…

لم تفكر لحظة بتعويض تفرغّها، أو بتعويض نهاية خدمتها، أو بأجر سهرها، وكدّها= كانت، لمهابتها وسموّها، أكبر من أسئلة زمننا هذا، وأجلّ منها= ذلك أنها ملكت قلبَ رجلها، وأثْرَتْ عقلَه، واستوطنتْ بحكمتها سلطانَ نفسه= فجعل بين يديها كلَّ ملكِه وماله وسلطانه..

وللآن ما زالتْ أمثال هذه النساءِ تعتمر بها حياتُنا، وتأنس بها أرواحُنا، وما زالت هذه الأسَرُ المميزة العامرةُ بالنجاح والعطاء والحبّ تقوم بهنّ وبجمالهن وطيب معشرهنّ …

وما زال لهنّ رجالٌ كالأقمار جعلوا الدّنيا كلها تحت أقدامهنّ، وأموال الدّنيا بين أيديهنّ، وحبّ الدّنيا كلها مودًعا في قلوبهنّ قبل ذلك …

بيوتاتنا، حين يجتمع فيها مهابةُ المرأة وطهرُ نفسها، مع مروءة الرّجل وكرمِ نفسه، ستغيبُ فيها أسئلةُ الدّنيا: الكدّ والتعويض والأموال والحسابات …وسيبقى فيها النجاح الموصول بالودّ والتقدير والحياة …

هذا ليس من أحلام النفس، بل من حقائق الحياة ومعانيها= تأمّلوا فقط بعضَ الأمثلة التي تعرفونها جيّدًا ممن سمعتم بها أو عاينتم وعرفتم، وستجدون أنّ الفتاوى التي نحتاجها لنجاح حياتنا، وسعادة قلوبنا= إنما هي فتاوى أكبرُ من الكدّ، وأعمقُ من فلسفة المحاسبة= إنها الفتاوى التي تعيد الحبَّ والحياة لحياتنا وعلاقاتنا مع أهلينا، زوجاتنا، وأبنائنا …

وأما قبلُ …

فالمرأةُ في حياة رجلِها زهرةٌ فجريّة، وهو لها نداها، يمنحُها قوّتَها وزهوتَها ورواءَها..

وعجيبةٌ هذه اللغة السّلطانة التي كان معنى النَّدى فيها هو الكرمَ بصورِه كلّها= الحقيقةُ التي تقول لك: كلّما كنتَ كريمًا مع زوجِتكَ كانت حياتُك الزّهرَ الذي يمنحك الحبّ والسّعادة.. ويمنحُك حقيقةً الفجر وبهاءه ومعناه..

ولو سأل سائل:

هذا في حال التّفاهُم والحبّ والمودّة والقناعةِ وكرمِ النّفس بينَ الزّوجين.

ولكن: ماذا عند الاختلافِ والتّنازُع والتباغضِ والشّقاق والشّح وإنكار المعروف؟

= فإنّ حال الاختلاف والمنازعة والتباغض لا ينبغي أن يكون أصلًا تُبنى عليه حياة الرجل وزوجه، ثمّ أن يُروّج لهذا الأصلِ من قِبَل النسويات ومن يشايعهنّ من النسونجيين= مما يهزّ أركانَ الحياة بين الأزواج قبل ابتدائها…

الأصل هو الحبُّ لا البغض، والتوافق لا الاختلاف، والحل، عند هذا العارض من الخلاف الذي لا عودة منه: ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، ( أو فارقوهنّ بمعروف).

وخاتمةُ القول فلعلي أختم لما يبعثُ الحبّ والقربَ والتّكامل…

= فالزّوجةُ التي لا ترى في زوجها إلا كمالَها لا تكمُل الحياةُ إلا بها، وهي مع زوجِها في معانيها هذي أمٌّ تكمُل بها معاني طفولتِهِ، وتزيد في حقائق مروءته، لا تراه إلا بالقلب، ولا تتقرّب إليه إلا بالعطاء, وهو مع أمومتها تلك له= أبٌ لها، وأخٌ، وصديق، يحمل شقاءَ الدّنيا عنها لتهنى هي، ويزيدُ في حزن نفسه ليسرَّها هي، وبهذا يقوم البيتُ بهما على التكامل والحبّ، لا على التنافس والمصلحة، ويكون وجودُ كلٍّ منهما للآخر وجودَ الروحِ ليحيي بها صاحبه، فتكون الحياةُ بينهما بالأرواح لا بالمادّة، وبالعطاء لا بالأخذ، وهذه حياةٌ لا تُنهكُها شقاواتٌ الدّنيا، ولا حساباتُها، ولا أموالُها..

والله تعالى أعزّ وأجلُّ وأعلمُ ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين