هل حقّا لا يمكننا أن نفعل شيئا إزاء الواقع الفاسد المتدهور الذي نعيشه في مختلف المجالات؟

هل حقّا نحن عاجزون أمام كل هذا الظلم والقهر وحرب الدين ونشر الإباحية وخنق الحريات والضعف والتخلف والانحطاط التي تعصف بأمّتنا؟

كثيرا ما يسألني بعض الإخوة في بعض النقاشات "ما البديل"؟

والواقع أنّه لا يوجد بديل، بل هناك عمل أصلي ينبغي القيام به، وكل ثانية تمضي دون الانشغال به فهي إهدار للوقت وإهمال للمسؤولية!

العمل الأصلي هو البناء الاستراتيجي الواعي، فحين نُحدّد العوامل التي أوصلتنا إلى هذا المستوى من الضعف والتخلُّف ينبغي علينا أن نبذل قصارى جهدنا لتفاديها وإصلاحها في الحاضر والمستقبل، وأي تقصير في هذا الجانب هو أخطر ما نرتكبه. 

وهذه بعض الخطوط العامة التي ينبغي التركيز عليها، وكل واحد منها قابل للقياس وليس مجرّد شعارات عامة نطلقها:

- السعي لبناء أسر أساسها قيم الكتاب والسنّة، وتنشئة الأجيال على حبّ الله ورسوله والمؤمنين، وعلى صحبة القرآن وتدبّره وفهم آياته وعبره ومواعظه وعقل مفاهيمه وآفاقه وغاياته، مع التأدّب بآداب السنّة ومواعظها وهداياتها.

- جَعْلُ القراءة والثقافة والمعرفة قيمًا عليا نربّي الأطفال عليها منذ الصغر، وإفشاء مفهوم جديد يترتب عليه النظر بعين الإدانة والاستنكار لكل من يستطيع القراءة وبناء ثقافته ولكنه لا يقرأ ولا يشعر بأهمية ذلك، أي أن يكون من العيب مثلا على أي شاب أو فتاة جهل خارطة العالم أو جهل القوى الدولية والخطوط العامة سياسيا واقتصاديا.

- تربية الأطفال منذ الصغر على الاخشيشان والصلابة وحسن التدبير والعصامية والاعتماد على النفس، وترك الدعة والنعومة والترف، وفي هذا السياق فلا بدّ من ترك التفاخر في الأموال، وليس القصد عدم جمع المال والبقاء في الفقر، بل الخروج من الفقر ووجود رؤوس أموال كبيرة في أمتنا من أهم ما ينبغي السعي إليه، ولكن الحديث عن أسلوب الحياة، فلا حاجة للسعي إلى المرسيدس والفيلا ذات الطابقين، وليكن ضابطنا أن نطلب الدنيا حلالا واستعفافا عن المسألة وسعيًا على العيال وتعطّفا على الجار، لا مفاخرةً ومكاثرة ومراءاة كما جاء في الحديث.

- جعل الاهتمام بأمور الأمة والسعي لرفعتها وإعادتها للريادة قيمة عليا يربّى عليها الأطفال منذ الصغر، وضرورة تربيتهم على أن الأمور ليست على ما يرام، وأننا في أزمة كبرى تعصف بنا، أشدّ من تيه بني إسرائيل!

- كسر ثلاثية (الطبيب، المهندس، المحامي) وتوجيه الأطفال إلى الاهتمام بمجالات مختلفة حيوية كالاقتصاد والإدارة والعلوم السياسية والاجتماعية والتقنيات والتقنيات العالية بمختلف مجالاتها، وغرس مفهوم ضرورة امتلاء مجتمعاتنا بالخبرات الحيوية في مختلف المجالات، وأن من يدرس موضوعا فالمنشود أن يكون خبيرا فيه، قادرا على الإبداع والتطوير وطرح الجديد فيه، فعلى مثل هذه العناصر تُبنى النهضات.

- بناء صناديق أموال خيرية تعاونية تُصرف إلى المصلحة العامة للأمة ولحل قضايا ذات بُعد مصيري، فإلى جانب صرف الأموال الخيرية في مصارف فردية نحن بحاجة إلى صناديق قوية تكون قادرة على مواجهة الأزمات الكبرى التي تتعلق بالشأن العام للأمة، أو على دعم التعليم ومكافحة الفقر بقدرات أكبر.

- وأخيرا، لا بدّ مع كل ذلك من تكثير السواد، وهذا أمر وإنْ كان كمّيًّا ولكنه مهم جدا، فلو اقتصرت كل أسرة على طفل أو طفلين فهذا يعني أننا نتناقص أو نبقى كما نحن، وهذا أكثر صلة بالمجتمعات المسلمة التي تشكّل أقلية في بلادها. والمجتمعات الأوروبية اليوم تتعرض لتهديد الفناء في المستقبل لأنها تتناقص ولا تنجب. ولو تفكّرنا جيّدا لوجدنا أننا حين ننجب طفلين فإننا نزيد من مساحة الوقت والمال التي نصرفها عليهما، والزيادة في الأطفال ستعلّمنا كيف نُرشّد أوقاتنا ومواردنا، والأمثلة كثيرة على وجود أسر ذات إمكانيات مادية متواضعة ولكنها ذات قدرات رسالية وثقافية عالية استطاعت أن تربي عددا كبيرًا من الأطفال على مستوى عال، فالكثرة ليست معيقا للتربية الجيدة، بل الأمر متعلق بالنفوس التي تربي، وهناك من لديه طفل واحد ولكنه دون رسالة ولا قيم تربوية فماذا يُنتظر من هذا الطفل؟

هذه نقاط أساسية أرى أنها من أهم ما ينبغي العمل عليه إذا كنا ننشد النهوض والريادة والتمكين لأمتنا، ولا نريد إضاعة الوقت أو الاستسلام لمستقبل أشدّ سوادًا من الحاضر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين