هل حان الوقت لتدخل عسكري تركي في سوريا؟!

الأستا

 

تتعرض مدينة كلس الحدودية لهجمات يشنها تنظيم داعش بشكل شبه يومي، بإطلاق صواريخ كاتيوشا روسية الصنع من منصات متحركة يصعب ضبطها والتعامل معها، فقد قام هذا التنظيم الإرهابي خلال هذا العام بإطلاق 42 صاروخ كاتيوشا، راح ضحيتها 17 مدنياً، منهم 6 سوريين، و11 مواطناً تركياً، إلى جانب أكثر من 60 جريحاً، عدا الدمار في البيوت والخسائر في الممتلكات، لكن الأثر السلبي الأكبر تمثل في حالة الرعب والذعر التي انتشرت بين السكان، حتى بات كثير منهم يخاف من إرسال أطفالهم إلى المدارس، والبعض الآخر شرع في الهجرة وترك المدينة، وآخرون عرضوا بيوتهم للبيع.

 

للتذكير، فإن كلس مدينة حدودية صغيرة، كان عدد سكانها قبل الثورة السورية قرابة 93 ألف نسمة، لكن هذا العدد زاد بنسبة تقارب الضعف بعد هجرة السوريين إليها، حيث قصدوها بسبب قربها من حلب، وارتباطها جغرافياً واجتماعياً بمدينة إعزاز، ما يشبه إلى حد كبير ارتباط مدينة أقجاقلا التركية بمدينة تل أبيض السورية، حيث تكرر السيناريو نفسه.

 

من الناحية العسكرية يقابل ولاية (محافظة) كلس من الطرف السوري مساحة جغرافية تسيطر عليها ثلاثة جيوش تتقاتل فيما بينها، هي كتائب الجيش السوري الحر، وملشيات المنظمات الكردية المسلحة PYD وYPG، وتنظيم داعش، وجميع هذه القوى العسكرية في حالة اشتباك مستمر، كما أن تركيا تعتبر المنطقة خطاً أحمر لن تسمح بقيام كيان كردي منفصل فيها، بينما يسعى الأمريكان إلى تسليمها للمنظمات الكردية؛ بحجة أنها أفضل من يحارب تنظيم داعش! وهذا يفسر ازدواجية المعايير في استخدام الأمريكان لطائراتهم بدون طيار الرابضة في قاعدة إنجرليك، فعندما يكون الاشتباك بين تنظيم داعش والجيش الحر يقف الأمريكان موقف المتفرج، بالرغم من أنهم يرصدون كل شاردة وواردة، ولكن في حال الاشتباك بين تنظيم داعش وبين المنظمات الكردية؛ فإن تلك الطائرات سرعان ما تتدخل، وتبادر في قصف قوات داعش دعماً للمنظمات الكردية!

 

لماذا يهاجم تنظيم داعش تركيا ؟

 

بالنظر إلى الصورة النمطية التي نجحت وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير في ترسيخها في الأذهان، بخصوص دعم تركيا لتنظيم داعش، أو غض بصرها عنه، فمن غير المعقول أن يقوم هذا التنظيم باستهداف تركيا! لكنه استهدفها ولا يزال، وأوقع أضراراً كبيرة في الأرواح والممتلكات في تفجيرات أنقرة وإسطنبول، واليوم نفذت امرأة هجوماً انتحارياً في أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، ومقصداً للسياح، في مدينة بورصة، غالب الظن أنه من فعل داعش، وقد بات في حكم المؤكد أن هجمات داعش أدت إلى خسارة تقدر بمليارات الدولارات؛ بسبب استهدافها قطاع السياحة، الذي يعتبر أحد أهم مقومات الاقتصاد التركي.

 

للإجابة عن السؤال أعلاه علينا الرجوع إلى تركيبة تنظيم داعش بشقه السوري، حيث يسيطر المقاتلون الأجانب على قيادته، وهذا معناه الدخول في عمليات بيع وشراء، وتبادل الصفقات مع القوى الدولية والإقليمية، وقد شاهدنا ذلك جلياً من خلال الوثائق التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، عن قيام التونسي أبو سياف ببيع النفط لنظام الأسد، وتورط شخصيات سورية وروسية في صفقات البيع تلك، لكن آذان الأمريكان لم تسمع، وعيونهم لم تر، الأمر الذي تكرر أكثر من مرة أثناء سيطرة داعش على تدمر، عابراً أكثر من 200 كم، وخلال وصول التنظيم ذاته إلى غوطة دمشق، ليقوم مع النظام بوضع الجيش الحر بين فكي كماشة، حيث وقف الأمريكان في جميع تلك الحالات موقف المتفرج.

 

إذا أضفنا معارضة الإدارة الأمريكية لفكرة المنطقة الآمنة بجميع أشكالهم وصورها، ومنع تسليح الجيش الحر، وسعي الآلة الإعلامية الغربية لتجميل صورة المنظمات الانفصالية الكردية، بتصويرها على أنها الوحيدة المضمونة والقادرة على محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم داعش، مقابل التشكيك في المعارضة حتى المعتدلة منها، ومحاولة شيطنة كتائب الجيش الحر، مثال ذلك قول أوباما بأنه لا يوجد في حلب سوى جبهة النصرة، فإن الهدف الأبرز لهجمات داعش على تركيا هو الضغط على أنقرة من أجل قبول مشروع الفيدرالية في سورية.. المشروع الذي يبدو أن الأمريكان والروس قد اتفقوا عليه، نفهم ذلك من تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما، عقب لقائه الشهير بالرئيس الروسي فلادمير بوتين، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، في دورتها الـ70، عندما قال بأنه وبوتن متفقان بنسبة 80% بخصوص القضية السورية.

 

أسباب وإرهاصات التدخل العسكري التركي في سورية ؟

 

صحيح أن الأمريكان يبدون متحمسين لفكرة الفيدرالية في سورية، لكنهم - كعادتهم دائماً - يحتفظون بأكثر من سيناريو لكل قضية، كما أن إنشاء كيان كردي في شمال سورية، وإن كان تحت مسمى الفيدرالية، هو خط أحمر لا يمكن أن تمرره تركيا مهما كانت الظروف، إضافة إلى أن إيران لا تنظر بحماس إلى فكرة الفيدرالية التي يسوقها الغرب في سورية، حيث إن بللها قد يصيب جميع دول المنطقة إذا طبقت في سورية، وانتشرت عدواها.

 

كما أن هناك انقساماً وتبايناً في وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية نفسها، بين من يريد فرض مشروع الفيدرالية، وتقوية المنظمات الكردية، وبين تيار آخر يدعم فكرة إنشاء منطقة آمنة في المنطقة التي تقترحها تركيا، حيث يؤيد هذه الفكرة جناح داخل البنتاغون ووزارة الخارجية.

 

وفي تصريح لافت أفاد الجنرال الأمريكي بيتر غيرستن، أحد قادة قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، أنّ العمل جار على ترتيب كيفية نشر منظومة "هيمارس" في تركيا، وهي منظومة صواريخ حديثة ومتطورة وعالية القدرة على التنقل، كانت قد منحت لتركيا مؤخراً.

 

من هنا فإن زيارة رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، لواشنطن، المزمعة في غضون الأسبوع المقبل، تكتسب أهمية إضافية، حيث سيحمل في حقيبته ملفات عدة، على رأسها المسألة السورية دون أدنى شك، وسيكون في حكم المؤكد بحث مسألة الاعتداءات المتكررة لتنظيم داعش على المدن الحدودية التركية، مدينة كلس تحديداً، وتهديده حياة المواطنين فيها، الأمر الذي لا يمكن أن تسكت عنه تركيا، ومن ثم فهي مضطرة للتدخل من أجل ردع تنظيم داعش، كما سيتم بحث سيناريوهات هذا التدخل، نطاقه وحدوده وأدواته، وهل سيكون برياً أم جوياً داعماً لكتائب الجيش الحر؟ لكن السؤال الأكثر أهمية هل ستتمخض مباحثات داوود أوغلو مع الأمريكان عن ولادة منطقة آمنة أو عازلة أو نظيفة من الإرهاب؟

 

أياً كانت الظروف والمعطيات والملابسات فلن تستطيع إدارة أوباما رفض طلب تركيا المشروع بالتدخل (الجزئي المحدود) من أجل ردع تنظيم داعش، الذي تمادى في عدوانه على تركيا، خصوصاً أن هذا التدخل لا يتعارض مع القانون الدولي، ويدعم جهود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وتركيا عضو فيه، ويتماشى مع توجهات الأمريكان في الحرب على الإرهاب، كما أن أمريكا لن تستطيع ترجيح منظمات انفصالية ماركسية الأيدلوجية على حساب دولة إقليمية حليفة عضو في حلف الناتو، ومهما ماطلت إدارة أوباما فلن تتمكن من التملص والهروب من استحقاق المنطقة الآمنة، عاجلاً أو آجلاً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين