هل انتهت قوامة الرجال على النساء بسبب انتفاء علله؟

العجيب أن ما يزعمه الأخ جمعة اللهيب علة انتفت فأدته إلى تعطيل النص أو عدم إعماله له في حال بعض أو جل أو كل النساء كذب محض وغير واقع!

1. علّة غنى المرأة وعملها براتب موجودة في نساء كثر في عهد النبوة.

2. علّة القانون الذي يحمي كانت موجودة في عهد النبوة وكانت النساء يحصّلن حقوقهن بالقضاء، وفي مجتمع المدينة كان العسس والأمن وحماية شوارع المدينة وكانت بلدة آمنة.

3. علة المجتمع الواعي كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهل من مجتمع أفضل من مجتمع النبوّة والصحابة!

فلماذا لم يوقف أو يعطل الحكم في ذلك العهد النبوي الرائعّ!!

على أي أساس يريد الأخ جمعة تعطيل أو إيقاف العمل بهذه الأوهام التي يحسبها اجتهادات ونظرا عقليا!

يا أخي، حاكم أفكارك وتدارسها مع أهل العلم واسأل وتنوّر قبل أن تنشر.

فإن قصد مسألة السفر خارج البلاد، وأن القوانين اليوم في العالم لم يعد معها حاجة للرجل لحماية المرأة! وهذا أكثر غرابة؛ فإن الحماية ليست فقط من قطاع الطرق واللصوص والذئاب والسّبع، فالقانون حتى لو كان قويّاً فدوره يأتي بعد حصول الجريمة أو الاعتداء فمن سيحميها قبلُ! لا يوجد مناص من طبيعة الأنثى العاطفية الرقيقة التي دائما تحتاج مهما بلغت من القوة إلى رجل يقف إلى جانبها يُشعرها بالأمان وتحتمي به من خوفها الداخلي وضعفها الفطري المتمثل بعاطفتها وميلها بطبعاً للسلام والطمأنينة، لا تحتمل المفاجآت المخيفة والمخاطر المحدقة، تحتاج الرجل لأنه أقدر على مثل ذلك.

فضلا عن أن جل النساء اليوم "ماليّاً" أضعف حالا من الرجل حتى لو امتلكت راتبا أو مخزونا جيدا، لأن فرص الحركة والتجارة ومواجهة شرور وتحديات عالم الأعمال والاقتصاد لا تقل خطورة عن السياسة وغيرها، ولا قدرة للنساء على مواجهتها كما هو الحال مع الرجال. رأس مال المرأة أو راتبها هو مصدر ضعف لها لأنها دائما خائفة على فقده لضعف حركتها ومواجهتها لعالم تنمية رؤوس الأموال ومقارعة شرور السوق وكثير من التجار وشبكاتهم. والتشريع الإسلامي في القوامة يحمي مالها ومصدر عملها.

فإذا كانت المرأة أغنى الأغنياء يبقى على أبيها وزوجها واجب النفقة عليها. وما تفضلتْ به هي من تنازل أو من مساهمة في النفقة فهو فضلٌ منها لا إيجاب، وإن فعلته فلا يُسقط ذلك عن الرجل القوامة لأن العلّة ما تزال قائمة في أصل الخِلقة (بما فضل الله بعضهم على بعض) كما أنه يبقى من حقها استعادة المطالبة بالإنفاق عليها بعد أن تنازلت في فترة أو مرحلة ما.

القوامة هي إدارة وقيادة لمؤسسة العائلة (أبا كان أو زوجا أو أخا ...الخ) وليست مجرّد عضلات وحماية وإنفاق. والأعجب عندما يدخل السيد جمعة في مناقشة ألف باء الإدارة، ليزاحم بمثال هنا وهناك ليلغي مبدأ وجود صاحب القرار!! وهذا من أعجب العجب.

فالقائد والقيّم وصاحب القرار هناك في القوانين والتشريعات لأي مؤسسة ما يضبط صلاحياته ويمكّن من هم دونه بكبح سلطته وإلزامه بالأمر إن كان استغلالا لمواطن الرياسة أو القيادة أو امتلاك القرار. فلا يوجد عاقل يلغي منصب المسؤول والقيّم على أي مؤسسة بحجة وجود أمثلة تحتاج كبح صاحب القرار عنه! بل يوجد تشريع وقانون يلزم الجميع. ومثل ذلك في مؤسسة الأسرة التي لا بدّ لها من قيّم وقائد، ويوجد في الشرع والقانون ما يضبط الجميع لكن لا غنى عن الرجل كربّ للأسرة وقيّم عليها.

والأكثر غرابة زعمه وجود المجتمع الواعي وهو نفسه ينقض ذلك فينتقد المجتمع الذي يظلم المرأة! وبالفعل المجتمع فيه كثر من مظاهر ومشاكل فيها ظلم للمرأة بشكل خاص ولجميع شرائح المجتمع الأخرى في عدة صور ومناح في الحياة. وسبب ذلك هو تنكب الدولة المؤسسات الحكومية والأهلية والمدنية للشريعة وعدم وجود قانون إسلامي يلزم المجتمع ويضبطه برشد الإسلام وعظمته.

يا سادة إنه عصر التسوّر على العلم وأهله. وللأسف لا يوجد إجراءات رادعة لمثل هذا العبث الفقهيّ. وهناك ما هو أخطر من حال هذا الأخ المسكين، القرآنيون والغلاة الدواعش والحداثويون ونحوهم يبدّلون الدّين بكلام ما أنزل الله به من سلطان من تحريف للنصوص القرآنية وإبطال للسنة وتشكيك بها.

الآية التي يتلاعبون بمعانيها لنفي القوامة وإبطالها بعبث وتحريف دون أن يكلّفوا أنفسهم بذل جهد أكثر قليلا ليكتشفوا أنّ الرّجال قوامون بالآتي:

1. بما فضل الله به الرجال على النساء (وهذا في أصل الخِلقة لا تتبدل ولا تتغير) وفي الآية "الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض"

2. بما أنفقوا، ومعناها هنا أي بما أوجب عليهم من نفقة (فالأمر هنا تشريع وإيجاب لا علّة حتى يعود عليها السيد جمعة بالنقض والتعطيل بحجة غياب العلّة!! فعن أي علّة يتحدّث).

ومبحث العلّة في الفقه مبحث مهم وفي غاية التخصص، والأخ جمعة يظن أنه قد وجدها لما قال بأنه يريد مساعدة لدراسة اكتشاف اكتشفه!

فقال: (هل كان القرآن منشأ للفكر أو متفاعلا معه) يريد أن يعتبر النصوص مجردة من عللها ومحكومة للنظر الهوائي فحيث تفاعل النص مع المجتمع فعّله السيد جمعة وحيث لا يتفاعل يعطّله! ولو كان متخصصا في الفقه لعرف أن هذا منضبط في مباحث فقهيّة شهيرة وتخصصية منها (مباحث العلّة). وثمة مباحث أخرى كمباحث الولاية والسياسة الشرعيّة التي هي من مسؤولية وليّ الأمر والقيّم على الناس، وكذلك مباحث الإكراه والضرورات والإلجاء وتزاحم المصالح والمفاسد ومراتبها وتفاضلها.

لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين