هل استشهد شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية بالأحاديث الضعيفة والموضوعة؟

تحتل السنة النبوية المطهرة المركز الثاني بعد كتاب الله عز وجل في أهميتها وحجيتها وفضلها، فهي المصدر الثاني لهذا الدين القويم، وقد عُني العلماء بجمعها وتدوينها وحفظها وروايتها وتعليمها وتدوين علومها وغريبها، وذلك ابتداء من القرن الأول الهجري حتى يومنا هذا.

ولعل مما ميز الله به هذه الأمة المباركة إضافة إلى حفظ كتاب ربها، هو حفظ أحاديث نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فبعض المحدثين ألمّوا بالأحاديث النبوية كلها، مثل الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ، يقول عنه الحافظ الذهبي: ((كان ابن تيمية إماماً في الحديث، حتى قيل: إن كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث)) (1).

ولدى مطالعتي : كتاب: (الكلم الطيب)، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بتحقيق الشيخ الألباني، وجدت الشيخ الألباني يحكم على عدد من الأحاديث الواردة في الكتاب بالضعف أو الوضع أحياناً، فتساءلت بيني وبين نفسي: هل يُعقل أن شيخ الإسلام يذكر الضعيف والموضوع في أمر تعبدي هو الدعاء؟ وهل يُعقل أن شيخ الإسلام يكتب للمسلمين أحاديث موضوعة ليتعبدوا بها مع علمه بخطورة ذلك؟ 

لقد قامت الدنيا ولم تقعد على الإمام الغزالي لأنه أورد بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتابه: (إحياء علوم الدين)، فلماذا سكت الناس على شيخ الإسلام ابن تيمية وثاروا على حجة الإسلام الغزالي والصنيع واحد؟! هل لأن الغزالي كان أكثر إيراداً لهكذا أحاديث؟ وهل المعيار في مثل هذا الموضوع القلة والكثرة، أم صحة المنهج في الاستشهاد من عدمه؟ 

وهل كل ما ضعفه الألباني ضعيف أو ما حكم عليه بالوضع موضوع؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكننا القول لقد توقف علم التصحيح والتضعيف رواية ودراية بعد الألباني إلى قيام الساعة، فهل يوافق علماء الحديث على ذلك؟

أسئلة كثيرة ثارت بنفسي، أترك جوابها للسادة العلماء في هذا التخصص الشريف، وللباحثين المهتمين في هذا الحقل العلمي من حقول المعرفة.

وفيما يأتي جدول يبين مجموع أعداد الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة التي استشهد بها شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في كتابه الكلم الطيب، مأخوذ مما ورد في فهرس أطراف الأحاديث والآثار، من طبعة حققها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى (2).

 

وهذه بعض الملاحظات على الموضوع:

ملاحظة1:في الإحصائية والمجموع العام تم حذف ما زاده الألباني من أرقام لبعض الأحاديث المكررة في فهرس أطراف الأحاديث والآثار، وعليه فمجموع أحاديث الكتاب 254 وتنتهي بحديث موضوع رقمه 254 ص 183.

ملاحظة2: مجموع الأحاديث الضعيفة والموضوعة 75، والنسبة المئوية للأحاديث الضعيفة والموضوعة حوالي: 30% وهي نسبة مرتفعة مقارنة بحجم الكتاب الصغير!

ملاحظة3: جاء في ص (78) الحديث (35) الوارد في الصحيحين عن علي، ولفظه: (ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين؛ فإنه خير لكما من خادم). وقد قال عقبه ابن تيمية: (وقد بلغنا أنه من حافظ على هؤلاء الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ونحوه). وقد عقب عليه الألباني في الحاشية 23 قائلاً: "ما عرفت وجه البلاغ، ولا عمن هو، ومثله مما لا ينبغي أن يلتفت إليه".

وكلام ابن تيمية لا ينبغي نفيه، وكون العلامة الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ لم يعرف وجه البلاغ فإن ذلك قد لا يسوغ له ذلك نفيه، فقد يكون له سند لم يُعرف بعد، والأولى التوقف في الحكم عليه في مثل هذه الحالة، ولا سيما أن البلاغ منسجم مع متن الحديث النبوي في معناه.

ملاحظة4: قد يحكم العلامة الألباني على الحديث بالضعف، ثم يستدرك ويحكم عليه بالوضع في الموضع ذاته! فقد ذكر الألباني ص (183) عند آخر حديث (254) ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً -وهو أشبه- قال: (نعم البيت الحمام يدخله المسلم، إذا دخله سأل الله الجنة، واستعاذه من النار). قال الألباني في الحاشية (207): "هو ضعيف جدا، رواه ابن السني... وأنا أرى أن هذا الحديث موضوع..."

وكذلك فعل عند الحديث (145) ص (146) ولفظه: (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا (بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) [هود/41]، (وما قدروا الله حق قدره) الآية [الأنعام/91]. قال الألباني في الحاشية (140): "أخرجه ابن السني وأبو يعلى الموصلي، وسنده ضعيف جداً، بل هو موضوع، في إسناده جبارة بن المغلس وهوضعيف، عن يحيى بن العلاء، عن مروان بن سالم وهما متهمان بالوضع".

ملاحظة 5: نثمن قول الألباني رحمه الله تعالى في مقدمة التحقيق ص(55): "وبعد؛ فلعل تضمن الكتاب لتلك الأحاديث الضعيفة، مع السكوت عنها، وفيها ما يبدو أنها منافية للتوحيد ـ والمؤلف حامل رايته ـ كحديث المناداة بـ (يا محمد) (رقم 236)، مما حمل بعض الأفاضل على الكتابة إلي يسألني: هل صحت نسبة الكتاب إلى ابن تيمية رحمه الله تعالى؟ فأقول: نعم، ذلك هو المعروف عند العلماء...". فقد أثبت الألباني الحق، واعتذر عن ابن تيمية بأسلوب مهذب، فبين أنه حامل راية التوحيد، وأن الحديث في ظاهره يبدو منافياً للتوحيد! ونص الحديث كما ورد ص (173): عن الهيثم بن حنش، قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فَخَدِرَتْ رجلُهُ، فقال له رجل: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمد! فكأنما نُشِط من عقَال). وقد حكم عليه الألباني في الحاشية (190) بأنه حديث ضعيف.

ملاحظة6: ونثمن قول الألباني أيضاً ص (56-57): "لسنا تيمّيين، وأنه لا عصمة لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وقديماً قال الإمام مالك رحمه الله: (ما منا من أحد إلا رَد ورُد عليه؛ إلا صاحب هذا القبر)، ولا ضير على شيخ الإسلام أن يأخذ مثلُنا عليه بعضَ الشيء، فقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، وقديماً قالوا: كم تركَ الأول للآخر؟!". فهذا كلام يستحق أن يكتب بماء الذهب! 

ملاحظة7: وهنا أيضاً نثمن ما ذكره الشيخ ابن باز بحق الشيخ الألباني، حيث قال: "بسم الله والحمد لله، الشيخ ناصر الدين الألباني من خواص إخواننا الثقات المعروفين بالعلم والفضل والعناية بالحديث الشريف تصحيحاً وتضعيفاً، وليس معصوماً بل قد يخطئ في بعض التصحيح والتضعيف، ولكن لا يجوز سبه ولا ذمه ولا غيبته، بل المشروع الدعاء له بالمزيد من التوفيق وصلاح النية والعمل، ومن وجد له غلطاً واضحاً بالدليل فعليه أن يناصحه ويكتب له في ذلك؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة))الحديث رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) الحديث، وقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ((بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)) متفق على صحتهما" (3).

ملاحظة8: وندعو هنا إلى إحياء الحوار العلمي والنقاش الموضوعي في شتى المسائل العلمية الخلافية، والمسائل العويصة، والمسائل المعقدة، بعيداً عن التعصب للرأي، وهوى النفس، وينبغي أن يكون هنالك حسن ظن بالآخر، وتسامح مع من وقع في خطأ علمي، وابتعاد عن التشهير والتجريح واتهام النوايا، ونذكر هنا قول الشافعي رحمه الله (رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).

ولا بأس أن نذكر هنا قولاً لفولتير، فالحكمة ضالة المؤمن كما ذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول فولتير: (إني أخالفك الرأي، لكني مستعد للدفاعِ حتى الموت عن حقك في إبدائه) (4). 

ملاحظة8: ينبغي أن يكون موقفنا مع الصحابة والسلف والعلماء والأئمة منسجماً مع قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ١٠﴾[الحشر: 10].

نسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد، ويجنبنا المزالق والشبهات، وهو سبحانه ولي النعمة والتوفيق.

===- 

( ) موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه، للمودودي، ص (76). مؤسسة الرسالة ط 4، 1401 هـ = 1981 م. وانظر ص (50) من مقدمة الشيخ الألباني للكلم الطيب، وقد عزاها للحافظ الذهبي.

(2) انظر: كتاب (الكلم الطيب)، لابن تيمية، بتحقيق الألباني، فهرس أطراف الأحاديث والآثار، ص (203- 221)، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1422هـ/ 2001م.

(3) انظر: موقع الرسمي للإمام ابن باز، هذا رأيي في الشيخ الألباني، للشيخ عبد العزيز بن باز: هنا

وانظر أيضاً: الملتقى الفقهي، الموضوع: فتوى: هذا رأيي في الشيخ الألباني، للشيخ عبد العزيز بن باز هنـا

4 - معجم روائع الحكمة والأقوال الخالدة، بإشراف د. روحي البعلبكي، ص (110). دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 2001م.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين