هكذا يحرقون أموالهم !

 

 

خرجت ذات ليلة بعد أن أرخى الليل سدوله

 

وغطَّى الهدوء الكائنات، وألبسها حُلل الجمال..

 

إلا قلب هذه المدينة الصاخب.. فما زال يئن في ضجيجه وصرخاته..

 

فإذا بشاب في العقد الثاني من عمره، مفتول العضلات.. يقطر شبابا وحيوية..

 

يكاد يفلق الصخر من شدته وقوته.. يقوم بحرق وإتلاف أمواله بولاعة سيجارته!..

 

يخرج حزمة من مئات الدولارات.. يحرق جزءا منها ويرميها تحت قدميه!..

 

فإذا انتهى أخرج حزمة أخرى من الدولارات.. وهكذا حزمة تتلوها حزمة!..

 

يحرق هذه ويقطع تلك.. يفعل ذلك بفخر وتباهي.. وسط نظر الناس واستغرابهم..

 

يا للهول ..!

 

ماذا يصنع هذا؟ وهل عنده عقل؟ وليس هذا فحسب..

 

بل معه مجموعة من أقرانه يشاركونه لذة حرق الأموال!

 

وسط ضحكات وقهقهات وإيماءات، أقل وصف لها أنها تزعج المارة..

 

نظر إليه شاب وقد احترق قلبه من هول ما رأى

 

فاستجمع قواه على التحدث إليه ومواجهته هو وعصابته قائلا:

 

يا هذا: ما بك؟ وهل جننت؟ وما الذي دهاك؟

 

فلا يصنع فعلك إلا مجنون سفيه..

 

رد عليه بغيظ وغضب: إنه مالي ولي حرية التصرف، ولا شأن لك ولا ?مثالك بنا..

 

أجابه مستغربا: إن فاض عليك المال، ولم يكن لك حاجة له ..

 

فبجوارك أطفال ونساء بؤساء قد ألصقهم الفقر والجوع بالتراب يمكنك إنقاذ حياتهم بمالك، بل يكفيهم فتات يسير منه..

 

رد عليه وقد احمرت أحداقه :

 

الأفضل أن تحتفظ بنصائحك لنفسك، أو لمن يرغب، ولا مكان لكلامك ومواعظك عندنا..

 

واغرب عن وجهي أيها الـــ..... وإلا أوسعتك شتما وضربا..

 

وقبل أن يتفرق كل في حاله ..

 

قال الناصح لصاحبه:

 

أرجو أن تحفظ رسالتي فلعلك تثوب إلى رشدك يوما

 

وتتدارك قبل فوات الأوان..

 

وبعد:

 

ما سبق ذكره ليس نسجاً من خيال، كلا .. ولا فصلا من رواية أبدا..

 

بل هي لقطة سريعة مما نشاهده في حياتنا اليومية:

 

فهذا شاب يحتار في تمزيق وقته وعافيته بشرب الشيشة والتسكع في الطرقات..

 

وذاك آخر رزقه الله علماً لا يؤدي حق العلم عليه وينشغل بسفساف الأمور..

 

وشخص ثالث يهدر أمواله، ويصرفها هنا وهناك ولا يعرف للبر سبيلا..

 

ورابع يضيع نفسه ويضيع من يعول! والقائمة تطول ..

 

فأيهما أشد أذى وإفسادا الذي يحرق ماله أم هؤلاء؟!

 

ثوانٍ بل ساعات..

 

بل أيام وشهور وسنوات ..

 

ونفائس أوقات ..

 

تمضي وتمضي ولا بواكي لها.. بل لا يشعر بها أحد !

 

لا تعجبوا ؛ فقد قال الحسن البصري رحمه الله:

 

أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

"لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ " أخرجه الترمذي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين