هكذا تكون كاتبا تنويرياً

بقلم: د. محمد رفعت زنجير


حتى تكون كاتبا نحريرا، ومثقفا قديرا، يشار لك بالبنان، وتتربع على كرسي الزمان، ويكون لك الأيادي الطوال من خلال الفكر والأقوال، وتوقع للمعجبين والمعجبات من بنات الحلال، وتتوسم أعلى النياشين، وتمشي بين الفل والياسمين، ويقال عنك الكاتب المجدد، والمفكر الذي جاء على موعد، وحيد هذا الزمان، قد بز جميع الأقران، طويل الباع في الأدب، منحة الله للعرب، أرسطوطاليس هذا الزمان، وفيلسوف معرة النعمان، قد فاق المتنبي شعرا، والغزالي فكرا، والعقاد تحليلا، والمنفلوطي أسلوبا، وحتى يقال عنك باختصار بأنك نجم بل سوبر ستار، عليك بما سنرشدك إليه في هذا المضمار، مستخدمين مصطلحات خاصة من ابتكارنا، فالزمها ستجد الصحف أمامك قد فتحت، والمجلات بك احتفلت، والفضائيات لك هرولت، والجوائز تناديك إلي إلي، فاسمع واسلك شتى المسالك، ولا تلتفت لما سيقال عنك بعد ذلك:
أولا: المبضعية، نسبة إلى المبضع، وهو المشرط (المعجم الوسيط: بضع) أي عليك أن تكون جراحا ماهرا لعلل المجتمع وأدوائه، تستأصل كل أورامه السرطانية، ولا تأخذك بها رحمة، ولا بأس بإزالة شيء من حول الورم للاحتياط، وبهذا تكون كالطبيب الماهر، الذي لا يصد عنه إلا مجنون أو مكابر، ولا بأس أن تستأصل ما ليس بسرطان إذا ظننت أنه بعد مائة سنة قد يكون سرطانا، فالاحتياط واجب، ونقلة المجتمع إلى الحضارة من أصعب المهمات، وهي تحتاج إلى مزيد من التضحيات، ولو بالآباء والأمهات.
 
ثانيا: الزئبقية: نسبة إلى الزئبق، ويتميز باللون الفضي، ونعني بها الوضاءة الأسلوبية مع الترجرج، فعليك أن تكون جذاب العبارة، وصاحب احتمالات فيها، وبهذا تتبرأ من المسئولية، ومن التهم المغرضة بالتبعية وعدم الموضوعية، وتثبت لنفسك الخوارق، وتنجو من أصعب المزالق.
 
ثالثا: اليربوعية: نسبة إلى اليربوع الذي يحفر جحرا له أكثر من باب ليفلت منه، فعليك وأنت تذبح الثوابت على يديك، وتصفع أمتك وقومك بقوة لحييك، أن تجيد المهرب، وتحسب خط الرجعة، فالليل والنهار في دوران، فعليلك أن لا تفقد نفسك في الهذيان.
 
رابعا: العسجدية، نسبة إلى العسجد وهو الذهب، ونعني أن تكون كلماتك جميلة رنانة عصرية، وعليك بالإكثار من المصادر الصناعية، ولا تمل ولا تسأم من ترديد هذه المفردات في إنشائك: (الشفافية، الديمقراطية، التنويرية، الظلامية، تراكمات العصور، المتكلسون، المتحجرون، العولمة، التخلف، الاستبدادية، النقابية، الحجابية، الإرهابية، السوقية، التكاملية، التركيبية، المؤسساتية، الكرنفالية، الفاشية، الرجعية، التقدمية، الليبرالية، اليمينية، اليسارية، البراغماتية، الشوفينية، البنائية، الحداثة...).
 
خامسا: الديكية، نسبة إلى ديك الجن صاحب اللوعة العاطفية مع النزعة العدوانية، إذ يقال عنه بأنه ذبح غلاما له وجارية كان معلقا بهما، ثم صنع من رمادهما جرتين ووضعهما عن يمينه وشماله وقعد يبكي وتنزل دموعه فيهما، وإنما ذبحهما لأنه كان يعشقهما، ولا يريد أن يكونا لغيره بعد وفاته، ومن العشق ما قتل! فالواجب على الكاتب العصراني وهو يذبح أمته بكلماته ويصفها بالجهل والتخلف وأقذع الألفاظ، أن يتباكى على تلك الأمة لكي لا يحسب في صف أعدائها، وعليه أن يتمثل دائما يقول الشاعر الراحل نزار قباني:

وذنوب شعري كلها مغفورة  والله جل جلاله التواب
 
سادسا: التجاهلية، يجب أن تثبت للناس بأنك شبه أمي في اللغة العربية أو كأنك أمي، فتدرج في كلماتك من اللغات الأجنبية ما لذ وطاب من المصطلحات والكلمات! فأنت تعلم غرام الناس باللغات الأجنبية وزهدهم بالعربية، فدورة الزمان قد تغيرت، وفحول الأمس الذين كانوا لا يأخذون لغتهم عن الحضر  أو من يجيد أكثر من لغة قد انقرضوا، وصار من شأن المتكلم العصراني أن يتلعثم بالعربية، فيعذره الناس لأنه درس في البلاد الغربية! فهو صاحب عقلية تنويرية، ورؤية استراتيجية، وإن كان لسانه شبه أبكم في العربية!
 
سابعا: الأرضية، نسبة إلى الأرض التي منها خلقنا وعليها نعيش وإليها نعود، ونعني بها الحديث عن مستلزمات الإنسان من طعام وشهوات، فقد كان نسور المعرفة في الزمن الغابر يحلقون في البحث عما وراء الطبيعة، وعما لا طائل من ورائه في بعض الأحيان، ولما قزمت حضارتنا قامة الإنسان، فصار لا هم له بالنجوم والآفاق، وإنما أن يجد له رزقا بين الأرزاق، ونفقا يحتمي به عند الضرورة، وبيتا ينام فيه على سريره، صار لزاما على كل كاتب فاضل أن يكون حديثه عن البطون والمهازل! وأن يغوص إلى أسفل السوافل!.
 
ثامنا: التكسيرية، ينبغي أن يكسر الثوابت ولو كانت راسخة كأهرام مصر، وأن يوسوس للناس من الفجر إلى الفجر، لماذا أنتم يا سادة متخلفون؟ اتركوا الفكر الماضي، انخرطوا بالعيش الراضي، كفاكم التزاما بالقضية، كفاكم نومة هنية، هبوا مثل البشر، واتركوا ثقافة عصر الحجر.
 
تاسعا: السرابية، وهي تقديم مشاريع هوائية ضبابية للأمة، ترى ولا تلمس، قصور فوق البحر، ومدينة فاضلة تحت النهر، وأحلام تقصم الظهر، وتضيع العمر.
 
عاشرا: الشمبانزية، نسبة إلى الشمبانزي، وهي أن تدعو الأمة إلى أن تنسى ذاتها، وتقلد غيرها، لتكون أمة مسخ، وطبخ ونفخ، يقال لها كما قال الحطيئة للزبرقان بن بدر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أو كما قال أبو العتاهية:

... لدوا للموت وابنوا للخراب

لا حظ لها من الحضارة إلا التقليد، فلا إبداع ولا تجديد.
إذا عملت بهذه الوصايا، ستكون سوبر ستار في  عالم الكتابة، وتأتيك الشهرة ولو كنت تسكن في الغابة، وقد يرشحونك إلى جائزة نوبل، ويقال عنك: لقد فجر طاقات الأمة تفجيرا أقوى من تفجير تشرنوبل، وأما إذا لم تعمل بها، وبقيت تؤمن بقول المتنبي:

عش عزيزا أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود

وقول أبي فراس:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وقول الشريف الرضي:
إذا عربي لم يكن مثل سيفه
مضاء على الأعداء أنكره الجد

فكان الله بعونك، هل ستجد طعام يومك؟ ستوصد أبواب النجومية أمامك، ولن ترى مستقبلك الوردي قدامك؟ ولن يغني أحد شعرك ولو كان سلاسل ذهبية، وسيتغنون بشعر آخر ولو كان شعر بلطجية، وما لم تلتزم بالقواعد العشرة التي لمسناها بعد طول بحث وتأمل، وعرفنا لماذا يظهر نجم هذا وذاك يأفل، ولماذا تغيب الحيتان، ويعلو شأن الضفادع والديدان، ويكون حظ الضباع أكثر من حظ الليوث، ولا تنال النحلة ما يناله البرغوث.

لقد عرفنا في النهاية سر الحكاية، وها قد بينت لك فاختار، لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار!!.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين