نماذج من شفقته صلى الله عليه وسلم  على أمته وتخفيفه عنهم وتسهيله عليهم وكراهيته أشياء مخافة أن تفرض عليهم -1-

 

الشفقة لغة:

 

مادّة (ش ف ق) تدلّ- كما يقول ابن فارس- على رقّة في الشّيء

 

وبمعنى الخيفة (الخوف) تقول أنا مشفق عليك أي أخاف، وأشفقت عليه (خفت) أن يناله مكروه

 

قال ابن منظور: الشّفيق: النّاصح الحريص على صلاح المنصوح

 

اصطلاحا:

 

قال الرّاغب: الإشفاق (والشّفقة) عناية مختلطة بخوف؛ لأنّ المشفق يحبّ المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه (من أذى)

 

وقال المناويّ: الشّفقة: صرف الهمّة إلى إزالة المكروه عن النّاس [1]

 

حديثنا هنا عن نتفة من خلق شفقته

 

أولا : شفقته في القرآن الكريم (4) بشقيه المكي والمدني

 

1-{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] مكية

 

2-{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة: 128]مدنية

 

3-{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] مدنية

 

4-{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21] مدنية

 

ثانيا : شفقته في السنة النبوية المطهرة

 

1. عدم فرضه السواك عند كل وضوء وصلاة

 

الصَّحِيحَة: 3067 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 208 قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِي السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ "[2]

 

في الصحيحين : (خ) 847 , (م) 252  : عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ، عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ "

 

2. عدم فرضه الوضوء عند كل صلاة

 

في صحيح الجامع: 5318 , وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 200

 

وفي رواية: (" لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٌ ") أَيْ: لَوْلَا مَخَافَة الْمَشَقَّة عَلَيْهِمْ لَأَمَرْتهمْ بِهِ، لَكِنْ لَمْ آمُر بِهِ وَلَمْ أَفْرِض عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوْف الْمَشَقَّة. عون المعبود - (ج 1 / ص 59)

 

3. عدم تأخيره صلاة العشاء إلى الثلث أو نصف الليل

 

في صَحِيح الْجَامِع: 5319  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "

 

لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَخَّرْتُ صَلاةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ "[3]

 

في المسند بإسناد صحيح (حم) 967: عَنْ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا صَلَاةَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ[4]

 

4. عدم خروجه لصلاة القيام كل ليلة في جماعة

 

في صحيح سنن النسائي , (س) 1604: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، وَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ" وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ "[5]

 

5. عدوله عن نية الإطالة في الصلاة بعد دخولها شفقة على الطفل وأمه

 

في الصحيحين : (خ) 830 , (م) 192 - (470)  عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا , فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ , فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي)[6] (مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ ")[7]

 

يلمس ذلك الصحابة رضي الله عنهم : في الصحيحين : (خ) 676 , (م) 190 - (469) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (" مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً ولَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ) [8] (وَرَاءَهُ، فَيُخَفِّفُ وفي رواية: (فَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ)[9] مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ")[10]

 

ويأمر بذلك الصحابة الأئمة عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ:

 

(اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - عَلَى الطَّائِفِ)[11] (وَقَالَ لِي: " أُمَّ قَوْمَكَ " , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا , فَقَالَ: " ادْنُهْ , فَجَلَّسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِي بَيْنَ ثَدْيَيَّ , ثُمَّ قَالَ: تَحَوَّلْ , فَوَضَعَهَا فِي ظَهْرِي بَيْنَ كَتِفَيَّ , ثُمَّ قَالَ: أُمَّ قَوْمَكَ) [12](وَتَجَاوَزْ فِي الصَّلَاةِ , وَاقْدُرْ النَّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ وفي رواية: (وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ)[13] فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ , وَالسَّقِيمَ، وَالْبَعِيدَ، وَذَا الْحَاجَةِ) [14](حَتَّى وَقَّتَ لِي: {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وَأَشْبَاهَهَا مِنْ الْقُرْآنِ) [15](فَإِذَا صَلَّيْتَ لِنَفْسِكَ فَصَلِّ كَيْفَ شِئْتَ ") (  [16]

 

----------------------

[1] وإلى مثل هذا ذهب الجرجاني في التعريفات (127) إلّا أن هناك تصحيفا إذا وردت «الشّفعة» بفاء ساكنة تليها عين مفتوحة، وقد جاء التصويب من المصادر الأخرى التي ربما أخذت عن نسخ صحيحة.

[2] (ش) ج1ص170 , (حم) 1835، انظر الصَّحِيحَة: 3067 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 208

[3] (ك) 516، (هق) 146 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 5319

[4] (حم) 967 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.

[5] , (س) 1604 [قال الألباني]: صحيح 

[6] (خ) 830 , (م) 192 - (470)

[7] (خ) 678 , (م) 192 - (470) , (س) 825 , (حم) 12086

[8] (خ) 676 , (م) 190 - (469) , (ن) 610 , (حم) 13470 , (حب) 2138

[9] (م) 191 - (470) , (حم) 12609

[10] (حم) 13547 , (خ) 676 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.

[11] (حم) 17946 , (جة) 987 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح.

[12] (م) 186 - (468) , (هق) 5061

[13] (س) 672 , (د) 531 , (حم) 16314 , (ك) 715، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3773

[14] (جة) 987 , (م) 186 - (468) , (حم) 17939 , (خز) 1608

[15] (حم) 17945 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.

[16] (حم) 16320 , (م) 186 - (468) , (عب) 3716 , (ش) 4659 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين