نماذج خالدة من التضرع لله

 

الضراعة : دلّيل سمة التّوحيد الخالص إخلاص الطّلب من الله ودوام الصّلة بين العبد والرّبّ. وضعف العبد وقوّة الرّبّ وسبيل النّجاة في الدّنيا والآخرة ودفع البأس ورفعه وكشف عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا. ويثمر النّجاة من الضّرّ والتّخفيف عند القضاء وترك التّضرّع حينئذ أمارة قسوة القلب. واستحواذ الشيطان. ودونك نماذج من حياة الأنبياء والمرسلين والسلف والصالح

 

1-فى الصحيح كان الخليل وولده يرفع قواعد البيت وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يتضرعان ويقولان فى تضرعهما : رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ .."[1] وقد استجاب الله تضرعهما" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ "[2]

 

2-والحبيب - صلوات الله وسلامه - يوم بدر بعدما صف الصفوف وأعلن التعبئة ...اسْتَقْبَلَ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكَ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَلاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ أَبَدًا، قَالَ: فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّاهُ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، وقد حقق له ما وعده : "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ...)[3]

 

3- وأصحاب الجنة الذين تمردوا على الشريعة التي كان عليها أبوهم وبيتوا النية على حرمان الفقراء والمساكين حقهم الذي قسمه الله فى أموالهم ، ودعتهم قدرتهم إلى ظلم الفقراء بمنع الثلث ، فذهب الثلث بالثلثين ، وكانت قدرة الله إليهم أسرع " إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * ..فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ *عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ"[4] فلما تضرعوا وذلوا أبدلهم الله خيرا مما عاقبهم به للقانون " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "[5]" إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ "[6]

 

4-(قال يحيى الغسّانيّ- رحمه الله تعالى-:

 

«أصاب النّاس قحط على عهد داود- عليه السّلام- فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللهمّ إنّا مساكينك، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا، فسقوا»[7] ) *  .

 

5-كان محمد بن نافع الناسك صديقاً لأبي نواس، قال: لما بلغني موته أشفقت عليه : فرأيته في المنام بعد موته فقلت: يا أبا نواس، فقال: لات حين كنية، فقلت: الحسن بن هانىء قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأي شي؟ قال: بتوبة تبتها قبل موتي بأبيات شعر قلتها في علتي قبل موتي وهي تحت الوسادة، عند أهلي فسرت إلى أمه، فلما رأتني أخذت في البكاء فأخبرتها بما رأيت، وبما قال، فسكتت ،فقلت: هل قال أخي شعرا قبل موته؟ قالوا: لا نعلم، إلا إنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو قال: فدخلت ورفعت وسادته فإذا أنا برقعة مكتوب فيها بخطه  :

 

يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً ... فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ

إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ ... فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ

أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً ... فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ

ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا ... وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ

 

6-قال ابن الأمير الصنعاني:

 

أسِوَاه إن حلت بنا اللوّآء ... يُدْعَى لها إنا إذاً جهلاء

ندعوه في غسق الدجى ولم يكن ... عن علمه فيما نقول خفاء

لكن تَعَبَّدَ بالدعاء عبادَه ... فأحبهم فيما أتى الدَّعآء

يبكي الموفق حين يدعو ربه ... شوقاً له ومن السرور بكاء

وَسعت عطاياك الخلائق كلها ... فالناس فيما في يديك سواء

أوجدتهم فضلاً وجُدْتَ عليهمُ ... وأنلتهم ما شئت مما شاءوا

 

وختاما

رَبَّنَا رَبَّنَا إليك التجَأْنا ... ما لنا ربَّنا سواك الْتِجَاءُ

بافْتقارٍ منّا وذُلٍّ أَتَيْنَا ... ما لنا عِزَّةٌ ولا استغناء

 

[1] البقرة :127- 129

[2] آل عمران:164

[3] أحمد (1/ 30- 31) رقم (209) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 244- 245) .

[4] القلم : 17-32

[5] الأنفال:53

[6] الرعد: 11

[7] الأذكار، للنووي (612) .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين