نقض منهجيّة القراءة المعاصرة للنّصّ القرآنيّ عند المهندس محمد شحرور(6-7)

المسألة الخامسة: الإيمان بالله تعالى حقيقة علمية أم مسلمة عقلية؟

يعتبر المهندس محمد شحرور "أن قضية الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، هي من المسلمات العقلية وليست حقيقة علمية" (1).

وعلى ذلك لا يمكن لقضية الإيمان بالله تعالى دحضها علميًّا، كما لا يمكن إثباتها علميًّا، ويرى المهندس شحرور أن قضية الإيمان بالله تعالى يستوي فيها ألبرت أينشتاين العالم الفيزيائي النووي، مع بائع الطعمية البسيط، مما يعني أن أذكى الفلاسفة والأعرابي البدائي في قبول مسألة الإيمان بالله تعالى ورفضها سواء. 

وبناء عليه يقرر محمد شحرور؛ أن الملحد الذي لا يؤمن بالله تعالى؛ لا يسأل يوم القيامة ولا يحاسب على هذا الاختيار العقدي، وإنما يُسأل المجرمون فقط، وبناء على نظريته في نفي الترادف فإن المجرم غير الملحد (2)، قال تعالى: {وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [سورة القصص: آية 78] فالمجرمون هم أصحاب النار فقط وهم من كفر بالله وأساء لخلقه بحسب تعبير شحرور. 

ولازم كلام المهندس شحرور من ذلك يقتضي؛ أن الله تعالى ليس له حجة علمية بالغة على عباده، وبذلك يكون الكافر والمؤمن بالله تعالى سواءً، لكن كيف يستقيم ذلك مع قوله تعالى {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [سورة الأنعام: الآية 149].

ثم إن الآيات القرآنية صريحة في الدلالة على أن الإيمان بالله تعالى حقيقة علمية، منها قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [سورة محمد: الآية 19]، ولم يقل الله تعالى: فسلم بقضية وجود الله تعالى تسليمًا، وإنما كان الأمر أن يسلك مسلك العلم، أي إقامة الدليل والبرهان القطعي الدال على هذه الحقيقة الكونية، والقرآن مليء بالآيات التي تجادل أهل الكفر والإلحاد بالاستدلال بالمخلوقات وإتقان صنعها على وجود الخالق وقدرته وكمال صفاته.

وهنا لا بد من تعريف العلم: إذ هو إدراك الحقائق على ما هي عليه بالدليل والبرهان.. والبرهان يمكن أن يكون برهانًا عقليًا كدلالة الالتزام، وبطلان الدور، وبطلان التسلسل، والعلة الغائية للخلق، وعدم وجود التناقض، وقانون السببية، ويمكن أن تكون البراهين مادية، كالتجريب والملاحظة، والمشاهدة، والإدراك بالحواس. 

وبناء على قانون السببية فإن وجود الله تعالى - مبدعًا خالقًا للوجود - حقيقة علمية يوجبها العقل، وليست مجرد مسلمة نظرية؛ تقبل الأخذ والرد، وإلا فكيف يستقيم كلام شحرور مع قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [سورة الإسراء: الآية 36] إلا إذا كان للعلم مفهوم آخر عند شحرور (3).

إن النهي صريح في هذه الآية الكريمة عن اتباع أي قضية لم يقم عليها الدليل والبرهان العلمي، بما في ذلك قضية الإيمان بالله تعالى. 

ماذا نفعل بهذا النص الصريح الواضح مع كلام المهندس شحرور؟ إن مقتضى كلام المهندس شحرور مع هذه الآية التي تنهى عن اتباع واقتفاء أي قضية لم يقم عليها البرهان العلمي (تعني أن الله تعالى ينهى عن الإيمان به إلها موجودا، ويجعل من الإيمان به شيئًا محرمًا) طالما أن وجوده مسألة لا يمكن إثباتها علميّا؛ ولا يمكن دحضها علميّا، كما يدعي المهندس شحرور. 

وهنا نقف مع قوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة آل عمران: آية 18]، في هذا النص الصريح نجد اجتماع ثلاثة شهود يشهدون بحقيقة واحدة، وهي: وحدانية الله تعالى ووجوده، هؤلاء الشهود هم الله تعالى، والملائكة، وأولو العلم.

فشهادة الله تعالى هي شهادة الذات للذات، وشهادة الملائكة هي شهادة معاينة لأنهم يسمعون كلام الله تعالى، وأما شهادة أولي العلم فهي شهادة استدلال، لأنهم استدلوا بآثاره على صفاته، وبصفاته على وجود ذاته، وليست هنا الشهادة من أهل العلم شهادة معاينة حسية؛ لأنها شهادة بالغيب، لكن قوة الأدلة العقلية على وجود الله تعالى، جعلتها وكأنها شهادة عيان، ماثلة أمامهم لا يمكن لأي عاقل إنكارها.

إن محاولة المهندس محمد شحرور نزع تلازم الإيمان عن العلم محاولة يائسة ترفضها النصوص القرآنية الصريحة، التي تجعل من الإيمان نتيجة حتمية للبرهان العلمي اليقيني.

ويرفضها العقل المنطقي السليم الذي يوجب وجود الله تعالى بناء على القوانين العقلية التي تثبت مسألة الإيمان بالله تعالى كحقيقة يقينية كبرى. 

فالقرآن في جوهره هو ثورة على التقليد الأعمى، وتقديس الموروث الذي كان أهل الجاهلية يعتذرون به للبقاء على كفرهم وشركهم، وهم يعطلون عقولهم.

النتيجة:

إن المؤدى الذي يريد أن ينتهي إليه المهندس محمد شحرور، هو أن الإلحاد والكفر هو وجهة نظر اجتهادية، لا يحمل صاحبها أي مسؤولية أخروية عند الله تعالى، وبذلك يكون مؤدى الكفر والإيمان واحدًا في مآله الأخرويّ في الثواب والعقاب عند الله تعالى، وبذلك تبطل حكمة الرسالة، ويسقط معنى التكليف من أصله.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الخامسة هنا 

====-

(1) من لقاء على اليوتيوب ttps://www.youtube.com/watch?v=aNGyJ8ehWkk.

(2) من لقاء على اليوتيوب، على قناة أبو ظبي، برنامج لعلهم يعلمون: https://www.youtube.com/watch?v=PfL_8G7_vXo.

(3) المتضح من كلام شحرور أنه يتبنى مفهومًا مختلفًا للعلم يتوافق مع الرؤية الغربية التي تعتبر العلم هو ما يخضع لمدركات الحواس، ولكن كيف يفعل شحرور مع عشرات النصوص التي تتكلم عن العلم بمفهوم المدركات العقلية وليس المادية كيف سيصرفها عن ظاهرها وهو الذي لا يقبل بوجود الترادف في كلام الله تعالى؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين