خواطر في زمن الثورة.. نقاط (سورية) على حروف النار الفلسطينية

في معرض هذه الأحداث الكبيرة التي تشهدها فلسطين، وما الزلزلة التي ضربت المنطقة على إثرها، لابد من وضع بعض النقاط على الحروف، وتوضيح بعض الأولويات بالغة الأهمية، لكي لا يختلط على الناس الحابل بالنابل، وتضيع بوصلة الحق في العقول والأنفس، وفيما يلي تبيان لبعض الحقائق الأساسية في قلب هذه الأحداث.

1

** إن القضية الفلسطينية هي قضية "الأمة" الأولى والأساسية والمركزية دون منازع.

 وكل ما تعانيه الأمة من محيطها إلى خليجها اليوم، من اِستبداد وفساد في ظلّ ماتعانيه من اِستعمار شامل مباشر أو غير مباشر.. هو خدمة لترسيخ هذا الوضع العام، بوجود هذه "المُستعمرة الاستيطانية الصهيونية" التي زرعها "المجتمع الاستعماري الدولي" شرقه وغربه.. وذلك قبل زحف جناحه الشرقي، ورائدته العقربية إيران، على بلادنا، لتستوطن سوريا والعراق ولبنان، بدعم روسي -صيني، وغضّ بصر أمريكي-أوربي.

2

**ما بين إسرائيل العدو المستوطن، وإيران العدو المُتَسَرْطِن، أصبحت "القضية الفلسطينية" بين مخالب قُوتين مُستَوطِنَتَين، مُتَوَحِشتين، دَمَويتين، إحداهما تستقوي بالجناح الغربي للمجتمع الاستعماري الدولي، والأخرى تحتمي بالجناح الاستعماري الشرقي.. إحداهما تذبح القضية وأهلها وتستغلها للتوغل في المنطقة، والأخرى تركب القضية وتستخدم أهلها لمآربها للتغول في المنطقة، والتغطية على نزاعات أخرى قد تورطت فيها هذه القوة أو تلك.

3

**إسرائيل "عدو"، أداة اِستعمارية بيد "الأعداء" من أعضاء المجتمع الدولي الاستعماري بشقيه الشرقي والغربي، المُسيطر على عالم اليوم .. وهذا لا ينفي عنها ولا عن كبار مجرميها ولا صغارهم ولا أذيالهم، ولا عن "شعبها" .. صفة العدوان والاِستكبار بأقصى درجات البطش والإجرام ضد البشر والحجر والتاريخ في فلسطين، استناداً لتطلعاتهم التوراتية، ومظلومياتهم الأسطورية!

و"إيران" عدو، بكل ملابسات وشروط وصفات "الأعداء"، وعداوتها أعظم لأنها تتسلسل إلى الأمة بلبوس الصديق، كما فعل الاِتحاد الروسي في حينه، وكما تفعل روسيا المافيوية البوتينية اليوم. إيران عدو لئيم لا يتورع عن استغلال آلام الشعوب لمصلحته الاستعمارية، ولم يتورع عن استخدام الدّين لمآربه التاريخية خدمة لأحقاده العقيدية وهلوساته السِّردابِيّة!

4

**مهما تداعى نادي "النظام العربي".. للتفاوض والتفاهم والتطبيع مع العدو الإسرائيلي ""بدفع"" من كبار المستعمرين، "ليدفع" بالتفاوض والتطبيع مع "الأعداء" اِستضباع "الأعداء" الآخرين في أرضه، فإن إسرائيل ومَن وراءَها.. يبقون بالنسبة لهذه الشعوب أعداءاً، مهما بلغ حجم "التعاون" الرسمي العربي، و"التفاهم" و"التطبيع" معها.. بمعنى "التمويل" و"تَجَرُّع السُّم" و"عَضّ الأصابع غيظاً حتى تَدْمَى."!

فهذا "التطبيع الرسمي" لا يخص الشعوب من قريب أو بعيد، فهو أحد الأثمان التي "يجب" أن يدفعها "النظام العربي الحاكم في المنطقة" لحلّ معضلاته المُزمنة المُعلقة والمُتعلقة بالمستعمرين شرقهم وغربهم، ومنها ما اِستجد من الاستيطان الإيراني لأربعة بلدان عربية تحت حماية مشتركة: "روسيّة معلنة-أمريكية مضمرة" !

5

**كلّ من يقاوم إسرائيل سواء من الشعب الفلسطيني أم من كافة شعوب المنطقة من العرب وغير العرب، ومن المسلمين وغير المسلمين، وبأي نوع من أنواع المقاومة، فهو مجاهد وله مرتبة "الاستشهاد في سبيل ما ناضل من أجله" إن قضى أثناء مكافحته هؤلاء الأعداء الذين يحتلون الأرض، ويسلبون البشر حقّهم في الحياة الطبيعية، وفي وجودهم في أرضهم.

لا نُشكك في نيّة المجاهدين الفلسطينيين، ولا في عملهم قيد أنملة.. فكل ما يقوم به الفلسطينيون من مقاومة الاستيطان المجرم لبلادهم..هو عندنا فعل مقاومة، كائنة ماكانت ملابسات قيامهم به، والجهات التي دفعتهم ودعمتهم للقيام به والأسباب المرحلية التي حملتهم على القيام به ، بل كائنة ما كانت أهداف الدّاعمين والدّافعين الذين يستغلون القضية الفلسطينية لمآربهم البعيدة والقريبة.. فَنِيّة هؤلاء المجاهدين -عندنا- أصفى وأوضح وأصدق، من كل ما يتكشف من نيّات ومآرب "داعميهم"!

6

**الشعب الفلسطيني في سائر أنحاء فلسطين المحتلة، هو شعبٌ مرابط مُقاوم صابر مُحتسب، يقوم بواجبه -الكامل- بالاِنتفاضة بعد الاِنتفاضة ضدّ المُحتل المُستوطن، والثورات المسلحة بكافة أشكالها، والمقاومة المدنية الدائبة في جميع حالاتها، والتي على رأسها الثبات في أرضه وخاصة القدس الشريف، والتّمسك بهويته، وبناء حياته رغم أنف الموت والاِستئصال.

بالضبط كما صار إليه حال الشعب السوري المرابط اليوم في الداخل السوري-أو الشعب العراقي أو اللبناني أو اليمني- وهو يعيش تحت مُجمل القوى الاستعمارية المُحتلة التي تمكّنت منه في الشمال والجنوب كما في كافة المناطق السورية وخاصة في العاصمة دمشق.

إننا نعيش مرحلة "استيطان" شاملة في قلب الأمة الذي يُطلِق عليه المُستعمرون منطقة "الشرق الأوسط" .. وهذا يعني تَمَدّد الحالة الفلسطينية خارج الأرض المقدسة إلى ما حولها، لأول مرة بهذا الشكل الفظيع، منذ "الاِستقلال الوهمي" الذي أغرق الأمة في هلوسات التّحرر "الخُلبية"، وتهويمات التقدم والازدهار "المعطوبة".

7

**موقف الولايات المتحدة والاِتحاد الأوربي "المُعلن" من العملية العسكرية الكبرى التي شنها الفلسطينيون اليوم على إسرائيل، مُخْز وظالم .. على الرغم من ظننا أنهم وفي أوربا خاصّة يُضمرون غير ما يُعلنون بكلّ ما يتعلق بقضايا هذه الأمة وخاصة القضية الفلسطينية!!

ولكن على الرغم من هذا "الرغم"، فما كنا ننتظر غير هذا الموقف "النّفاقيّ وعلى هذه الشاكلة المُنحطّة!

ولا نظنّ أن موقف روسيا يختلف عنه -وهي التي وجدت لنفسها في هذه العملية طاقة مَهرب "آنّي" من مُستنقعها في أوكرانيا!!-، مهما طبّلوا وزمّروا إعلامياً لغير ذلك!!

فتبادُل الأدوار بين الاِستعمارين الشرقي والغربي، يُذهل المُراقِب، على الرغم من كل الحروب الدائرة بينهما!!ِ

و..كلٌ ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً!!

ولكن أن يقول الرؤساء والكبراء الأوربيون -على وجه التخصيص- بأن ما حدث ويحدث في فلسطين اليوم، هو "هجوم إرهابي" .. فهذه في الحقيقة، من أكبر الهجمات الإرهابية التي شنّها ويشنّها الغرب على عالم اليوم المنكوب بإرهاب الغرب الاستعماري لجميع شعوب العالم ، عسكرياً واِقتصادياً واِستخباراتياً وإعلامياً وثقافياً !!

هكذا يحاولون خلط كلّ الأوراق، بتسمية كفاح الشعوب لاِستعمارِهِم وفظائِعِهم.. بالإرهابية!!

8

**وأخيراً.. "نحن" مع الفلسطينيين، قلباً وقالباً، مع مُعاناتهم، مع جهادهم، مع قراراتهم، مع "قضيتهم-قضيتنا"... كائنة ما كانت ملابسات وخفايا الأمور، التي لن تلبث حتى تتكشف.

"نحن" مع الفلسطينيين، في صبرهم، كما في اِنتفاضاتهم السلمية، كما في ثباتهم في أرضهم، كما في كفاحهم المسلح.. نصرناهم وهم مظلومون، وسننصرهم في كل الأحوال، بما يجب علينا من نُصرة بالقول والتبيان، وبما يمكن وما نستطيع.

وما ذلك، إلا لأننا نعرف أن هذه معركة على الدرب، معركة هائلة ستتغير بعدها كثير من المعادلات السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة، ومهما كانت ملابساتها ، فإنها أكبر بكثير جداً، مما يمكن حصره وضبطه في هذه الساعات، سلباً وإيجاباً.

هذه معركة على الدرب محصورة ومحاصرة ليس بقدرات "الذين يقفون وراءها فحسب"، بل بطبيعة علاقات الفلسطينيين أنفسهم معه، هذه العلاقات التي "أوضحت تماماً" معالِمَها الثورة في سوريا، في أولها كما خلال هذه السنوات التاليات!

...................

دعاؤنا لهم، بأن يتقبل الله شهداءهم، وينزل الصبر والسكينة في قلوبهم، ويُثبت مجاهديهم ، ويشد على قلوبهم ويلهمهم الرشد والحقّ والبصيرة في مسيرتهم الطويلة مع هذا العدو متشعب الرؤوس والأذرع..

وأن يعين شعوبنا على رؤية الحق، والاصطفاف معه على مرارته، وهضم الزلازل الارتدادية التي ستترتب على هذه الضربة، على كل المستويات، سلباً وإيجاباً كذلك!

 

السبت 7.10.2023

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين