نفروا نفرةَ الحميرِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}. سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 44

تأملْ إِخبارَ اللهِ تَعَالَى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بذلك الأمرِ الغَيبيِّ الذي لم يحضره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، ولا هو في شيء من كتبهم؛ {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}. وإذا لم يكن معلومًا عند أهل الكتاب فضلًا عن غيره، لَمْ يَبْقَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَرِيقٌ لِمَعْرِفَتِهِ إِلَّا وَحْيُ اللهِ تَعَالَى إِلَيْهِ بِهِ.

تأمل هذا وتأمل ما افتراه أهل الكتاب عن القرآن وما فيه من قصص!

إِنْ وافقَ ما عندهم زعموا أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، وأنَّهُ مقتبسٌ من كتبهم، وما كان له بالكُتُبِ عَهْدٌ، وما له في المدارسةِ سَهْمٌ؛ كمَا قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}. سُورَةُ هُودٍ: الآية/ 49

والحق أنَّ القرآن نزلَ لبيانِ ضلالهم، ولحسمِ نزاعهم؛ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}. سُورَةُ النَّمْلِ: الآيَة/ 76

هذا لو كانوا يعقلون عن الله تعالى مراده، لكنهم ليسوا ممن يعقل عن الله مرادَهُ، ولا يفهم عنه خطابه؛ بل مثلهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الآية/ 5

وإن خالفهم القرآنُ بادروا إلى النَّكيرِ، ونفروا نفرةَ الحميرِ.

وكأين من حادثة في الأزمان الغابرة، تعاقب عليها الملوان، وأخلق جدتها الحدثان، وطوتها أيدي النسيان، نزل بتفصيلها الروح الأمين، بأمر رب العالمين، على قلب الصادق الأمين، فأدهشت العقول، وأخذت بمجامع القلوب، فكانت عبرةً لأولي الألباب، وذكرى لمن أراد الله له النجاة؛ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. سُورَةُ يُوسُفَ: الآية/ 111

فلما سمعها أهل الكتاب شرقوا بها، وبادروا إلى تكذيبها؛ وصدق الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ}. سُورَةُ يُونُسَ: الآية/ 96، 97

ولا عجبَ من قوم أكلَ الحسدُ قلوبهم، وأعمى الحقدُ بصائرهم؛ {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. سُورَةُ الْحَجِّ: الآية/ 46

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين