نعم نحتفل بأيام الله ونحدث الناس بنعمائه ونفرح بفضله ورحمته

يحرص أهل البدعة على اختراع مناسبات ومقامات وأسماء يجمعون الناس عليها، وينشطون بها بدعتهم، ويحيونها في كل ظروف الزمان والمكان، وفي تقلبات الأحوال بكل مجال... ويعي ذلك بعض أهل السنة، وربما صرحوا بدهاء ومكر أهل البدعة في هذه المخططات التي نجحت في اختراق ساحتنا الإسلامية أحيانا..

ثم تجد هؤلاء وثلة من أهل السنّة يلاحقون كل مناسبة ثقافية زمانا ومكانا بحملات التبديع والتضليل والتشكيك بالزمان والمكان!

يا أحبابنا هي فرص نقتنصها لجيل شارد في دهاليز التيك توك والانستغرام لا يكاد يعي من هويته إلا اسمها وبعض رسمها، وكم يخفى عليه أحداث مفصلية صنعت نهضته الأولى، ولا يخفى عليه تفصيل التفصيل في الغث والتافه الذي يراه حاضرا مغريا مدعوما ميسّرا، بينما يتورع بعض الصالحين عن ربطه بالسيرة وتاريخ الأمجاد بدعوى أنه بدعة!!

البدعة في الدين يا كرام تكون في العقائد والعبادات لأنها توقيفية، وليس في الدعوة والعادات..

تجديد أمر الدين ليس بدعة..

الاجتهاد الفقهي والدعوي ليس بدعة..

تطوير نظريات الاتصال بالناس وتحريكهم وشحذ هممهم وتتشيط سلوكهم وربطه بالسيرة ليس بدعة..

إحياء السنن الحسنة والتفنن في عرض الإسلام بصور دعوية عصرية تجذب الأجيال القادمة ليس بدعة..

تمثيل السيرة والتاريخ ومحاكاتهم للتقريب والربط والتأسي ليس بدعة..

هبوا أن التاريخ غير دقيق، لكن أليست الحادثة دقيقة؟

أكانت الهجرة أم الإسراء والمعراج أم المولد الشريف أم بدر أم القادسية واليرموك وفتح القسطنطينية وحطين وسقوط غرناطة وسقوط بغداد واندلاع الثورة السورية أحداثا عادية حتى نمرّ عليها مرورا عابرا ولا نوليها أي اهتمام، ونحرم شعوبنا من فرصة توعية ودعوة كهذه، بله أن نتفرق ونتمزق في تبديع وتشكيك لا يخدم إلا أعداء الوعي الإسلامي، ويكون أشد مضاضة حين يتسابق إليه بعض الدعاة لاستعادة هذا الوعي!!

وكم آلمني خطيب جمعة كانت خطبته الأولى تحذيرا من الاحتفال بمناسبة حدث في السيرة، وخطبته الثانية احتفالا بمناسبة حدث سياسي.. ولست في وارد المنع من احتفال في شأن اجتماعي أو سياسي، ولكنني لا أميّز بين مناسبتي اندلاع الثورة السورية، والهجرة النبوية مثلا من حيث التذكير بهما، وتفعيل نشاط إعلامي واجتماعي يبصّر بأهميتهما، مع مراعاة الخصوصية والعموم..

حادثة كحادثة #الإسراءوالمعراج لا ينبغي أن تفوّت ربطا لقلوب المسلمين بمسرى نبيهم، ومعراجا لها إلى سدرة المنتهى وجنة المأوى...

لا يهمنا دقة تاريخ ٢٧ رجب، ولا دقة ١٢ ربيع الأول للمولد الشريف، ولا كون الهجرة ليست في غرة محرم..

نحن لا نقوم هذه الليالي ونصوم نهارها حتى نتحرى لعباداتنا ونبدّع ولا نخترع!

نحن نذكّر بأيام الله دعوة وتوعية، تماما كما نذكّر ببدر وندعو لشهدائها إن مررنا بها، وكم أزعجني في آخر مرور بها أن حارسا جاهلا منعني من مجرد السلام على خير الصحابة هناك بدعوى أنها بدعة، بينما تشدّ الرحال لمناطق ليس فيها صحابة بدعوى أنها سياحة! فلماذا لا تشمل السياحة مرابع أطهر الناس ومقاماتهم؟ مع التوعية بعدم سلوك ما لا يقبل من مسلم سلوكه، وما يخلّ بجناب التوحيد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين