نظرية المؤامرة وفوضى الفهم

 

المؤامرة ببساطة: صيغة يحصل فيها الاتفاق على تحقيق هدف غالبا ما يكون غير مشروع.

 

فالمؤامرة من طرف او اطراف تجاه طرف او اطراف اخرى من طبيعة صراع الخير والشر على هذه الارض، ولن تنتهي حتى تقوم الساعة.

 

ومن التعريف فان النتيجة المرجوة من المؤامرة هي تحقيق الوضع والحال الذي يريده العدو، وعلى قدر وحجم التخطيط والاعداد لهذه المؤامرة تكون النتائج في الواقع حاضرة.

 

ان المشكلة ليست في وجود المؤامرة بحد ذاتها وتحقيقها لاهدافها، لكن المشكلة في ان هذه الوضع وهذا الحال وهذا الفساد وهذه الجزئية وهذا الاخفاق وهذا الانحراف هل كان نتيجة مؤامرة او هو نتيجة طبيعية لوضع مزر ومقدمات تمر بها الامة اصلا من تلقاء نفسها ومن كسب يديها ومما جنى عليها ابناؤها؟!!!!

 

هنا مكمن المشكلة وهنا تسكب العبرات وهنا تتكشف افهام الرجال والجماعات والدول على حقيقتها وتختلط الدعاوى ويكثر كلام الحق الذي يراد به الباطل.

 

ان تعليق الخطايا والإخفاقات والمشكلات على شماعة المؤامرة هو حالة من الهروب من مواجهة هذه الخطايا والإخفاقات، وبذل الوسع في الاجتهاد من اجل محاصرتها  بعد معرفة اسبابها وجذورها.

 

لو سال سائل فقال: لخص لي ما تريد؟ اقول له: ان المؤامرة موجودة وغير موجودة ودعني اشرح لك اكثر.....

 

ان العدو حتما يتربص ويتآمر لكن ليس في كل شيء، وواجبنا هو التفريق بين كون هذا الحدث مؤامرة وذاك ليس بمؤامرة.

وانا اقر انه ليس من السهولة التفرقة والفصل بين وجود المؤامرة وعدمها، لانه في الغالب تختلط الامور وتتداخل وتتشابك، بحيث يغدو الحد الفاصل بينهما دقيقا جدا لا يعرفه الا اولوا الاحلام والنهى.!!!!

 

فها هو فريق من المسلمين يتصرفون بعفوية كأن ليس هناك خصوم واعداء ومتربصون ومتآمرون، وإذا بهم بعد حين يقعون فريسة استثمار العدو لصدقهم وعملهم وهم عن ذلك غافلون.

 

وها هو فريق آخر من المسلمين اقعدتهم القناعة بوجود المؤامرة في بيوتهم وتركوا العمل، لان الامبريالية والصهيونية هي التي تصنع واقع المسلمين، وجميع الحكام نصبهم المستعمرون، والمخابرات الاجنبية تعرف دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وحتى الحدائق والمتنزهات التي شيدتها الاغاثة الاسلامية في العراق، انما شيدت لتخريب الاخلاق ولاختلاط الشباب بالشابات، كما حدثني احد المهتمين بالشأن الاسلامي جزاه الله خيرا!!!.

 

ان نظرية المؤامرة غالبا ما تكون سائدة في الشعوب التي لم تنل حظها من العلم والتوعية، والحد الادنى من ادراك ما جرى ويجري في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبذلك سهل على بعض الحكام الاستفادة من عقلية المؤامرة هذه في ترسيخ انظمتهم، بل عملوا على ترسيخها في العقلية العربية والاسلامية، فالدكتاتورية لحماية البلد من الفوضى!!!

والاقتصاد المتهاوي سببه سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي والدول العظمى التي لا تريد لنا ان ننشئ المصانع ونقيم المزارع!!!!!

والتعليم والصحة شحيحة التمويل والموارد لان العدو على الابواب ومعظم الميزانية تذهب للسلاح والامن ومن اجل المعركة!!!!!

وان كل المظالم من افرازات المستعمر، والفساد الاخلاقي سببه الاعلام الذي ليس بايدينا،

!!!!!

وتبديد ثروات الامة انما هو للاعداد المرتقب لتحرير القدس، ومن يقل غير ذلك فهو مع الصهيونية والماسونية العالمية أعاذنا الله وإياكم منها وهلم جرا!!!.

 

ليس مستغربا بمكان ان تجهل الشعوب كثيرا من الحقائق، لكن ان تجهل النخب والقيادات الحقائق، وتبني مواقفها على الاوهام والظنون والخيالات، فهذا هو الامر المحزن.

وليست الحركة الاسلامية بناجية من كل ما ذكرنا، فما زالت مواقف عدة مبنية على افتراض وجود مؤامرة، فتتخذ قرارات مصيرية، وتكشف الأوراق ثم يتبين بعد حين ان الامر اهون من ذلك، وليس ثمة مؤامرة، وانما تطور الاحداث الطبيعي هو الذي فرض هذا الواقع او ذاك، وكان الاجدى دراسة الاسباب وجمع المعلومات وفحص المعطيات واستشراف المآلات.

 

ان الجهد الاشق والاصعب في عملية الاجتهاد الفقهي في السياسة والدعوة والاقتصاد والجهاد وكافة المجالات ليس في فهم الشرع، بل في فهم الواقع على حقيقته كما هو دون رتوش ولا امنيات ولا خيالات ولا مبالغات.

 

وهذا الفهم هو الذي سيمنحنا القرار والتنزيل الصحيح للاحكام الشرعية على محالها.

 

فليس الامر بالتخمين والظن، وانما المعطيات والمعلومات الصحيحة والتحليل المنطقي لها بعد توافر الادوات، هو الذي يحدد وجود المؤامرة وعدمها.

 

قد يكون هذا الحدث نتيجة مؤامرة والآخر ليس كذلك، والآخر تجتمع فيه المؤامرة وعدمها، وقد يبدأ بمؤامرة وينتهي بعدمها، ويبدأ بعدمها وينتهي بمؤامرة، فها هنا خمسة اقسام:

1 حدث سببه مؤامرة.

2 حدث لم تسببه مؤامرة.

3 حدث سببه مؤامرة من جانب، وليس فيه مؤامرة من جانب.

4 حدث سببه مؤامرة ابتداء، وعدمها انتهاء.

5 حدث سببه ليس المؤامرة ابتداء، وسببه المؤامرة انتهاء.

 

والتفرقة بين هذه الانواع الخمسة يعتمد على الوعي القيادي والجماهيري، ومقدار الجهد المبذول في التعرّف على واقع الحدث، وما يحيط به من ملابسات.

 

لقد كان وعد بلفور لليهود باعطاء فلسطين كوطن قومي لهم مؤامرة يهودية بريطانية من جانب، لكن تهاوي الدولة العثمانية وانتشار التخلف على جميع المستويات عند المسلمين لم يكن بسبب مؤامرة.

 

ولقد كان احتلال العراق مؤامرة من جانب المحتل الامريكي ولم يكن مؤامرة من جانب كثير من العراقيين الذين ساعدوا المحتل، وافسحوا الطريق للغازي، ظنا منهم بانه المخلص من وضع قاس ومترد  يعيشونه. 

 

لقد كانت العلمانية في حياة المسلمين مؤامرة مدروسة ابتداء، الا انها اتخذت شكلا آخر بعد ذلك، اذ اصطبغت الدولة والمجتمع بها بعد ان فرّخت دعاة لها ومذاهب ومحامين وسلاطين من ابناء المسلمين انفسهم، واصبحت قناعة فكرية لشرائح كبيرة منهم. وتحولت العلمانية من مذهب فكري ونمط في السلطة الى اداة قمع للمعارضين وتسلط على الحياة كافة من الفرد الى المجتمع الى الدولة!!!!.

 

يبقى في النهاية الفيصل واداة التمييز الوحيدة هي العلم والمعرفة، وليس أمرا آخر 

والله الملهم والموفق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين