نظرات في بعض كتب العقيدة

نظرات في بعض كتب العقيدة

بقلم: محمد عوامة

الحمدُ لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه من العلماء العاملين، الداعين إلى صراط الله المستقيم، على نهج أئمة الإسلام من سلف الأمة وخَلَفها.

وبعدُ:

فقد روى أبو عِنَبةَ الخولاني رضي الله عنه، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزالُ اللهُ يغرسُ في هذا الدينِ غَرْساً يستعملُهم في طاعتِهِ»([1]).

وهذا الغرس الإلهي يتعهَّدُهُ اللهُ عز وجل بعنايته ورعايته، كما يتعهَّدُهُ بدوامه واستمراره، فلا ينقطع، وهو دائمٌ بدوام خَلْقِ الله تعالى وملكه.

وواجبُ أهل العِلم: أن يؤدُّوا أمانةَ الله تعالى التي حمَّلَهم إياها إلى الأجيال تِلْوِ الأجيال، بأمانة وصدق وإخلاص، نقيةً صافية كما حَمَلوها.

وواجب آخرُ: أن يؤدُّوا هذه الأمانةَ في كلِّ عصر ومكانٍ بما يليق به من لغة أهله وثقافته؛ ليتمَّ البيانُ للحقِّ والدين كما ينبغي، وقد قال الله عز وجل في أول سورة (إبراهيمَ) عليه السلام: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [إبراهيم: 4].

واللسان هنا: هو لسانُ اللغة، ولسانُ الثقافة والمعرفة؛ كما دلَّ عليه تاريخُ الأنبياء والرسل السابقين.

فسيدنا إبراهيمُ الخليل عليه الصلاة والسلام: أقام الحجَّة على قومه الصابئة عَبَدةِ النجوم بلغتهم؛ نظر في الكوكب، ثم القمر، ثم الشمس، وأبطل ألوهيَّتَها بأنها تغيبُ وتحضُر، والإلهُ لا يغيب فيحضرَ.

وسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: أبطلَ سحْرَ سَحَرة فرعونَ بعصاً تلقفُ ما يأفكون.

وانتشر واشتَهَر الطبُّ اليوناني في عهد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، فجاءَهم بما هو فوقَ طبِّهم؛ {أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله} [آل عمران: 49]، لا بعقاقيرَ مصنَّعةٍ بشرية.

وكان هـٰكذا شأن خاتَمهم وسيدِهم رسولنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ جاء قومَه أربابَ الفصاحة بقرآن عربي معجِزٍ.

ومن هذا المنطلَقِ والقيامِ بالواجب: كان تطوُّر العلوم الإسلامية عبر العصور، وفي مختلِف الأمكنة؛ فثقافةُ علماء الإسلام في العراق اختلفت عن ثقافةِ علماء الإسلام في الحجاز، فاختلفَتِ المصطلحات وأساليبُ البيان، وطُرُقُ الحُجَج، ثم اتَّسعت رقعةُ الإسلام فدخلت بلاد فارسَ والرُّوم، وفيها الثقافةُ اليونانية في مجالاتها الكثيرة، فاضطُرَّ علماء الإسلام إلى دراستها ليقيموا حُجَجَ الإسلام على أصحابها بلغتهم وثقافتهم، فنجا من لَوْثتها من نجا - وهم الأكثر والحمد لله -، وعَثَر منهم من عثر.

وعلى هذا الذي حصلَ: تشعَّبَتْ مناهجُ علماء الإسلام في تأليف كتبِهم للحفاظ على الهَدْي النبوي، المسترشِدِ بالوراثة السليمة كابراً عن كابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون لَيٍّ للنصوص إلى حدِّ التعطيل لمدلولاتها (المعطِّلة)، أو جمودٍ عند ظاهرها إلى حدِّ التشبيه (المشبِّهة).

وكان ميدان الكتابة والتأليف ومدارس العلم رحباً فسيحاً، فكتب كلٌّ من رجال هاتين الطائفتين المشار إليهما ما يحلُو له ويعتقده، وبالقلم والبيانِ الذي يعيش في رحابه زماناً ومكاناً.

والمتتبِّعُ لهذا القرن الخامس الهجريِّ، وما كُتب فيه في علم العقيدة.. يجدُ تراثاً كبيراً من هاتين الطائفتين، بل من طائفة ثالثة أرادت الحقَّ فما أصابَتْ مرادَها وهدفها.

يجدُ تراثاً معتزليّاً شديداً عنيفاً، وقد استظهَرَ برجال دولته ليروِّجَ معتقَده.

ويجدُ تراثاً سُنيّاً كبيراً في إحقاق الحقِّ وإقامة حُججه بأساليبَ متنوِّعةٍ، تناسب أزمان مؤلِّفيها وديارهم؛ بمقارعة الحجَّةِ العقلية بمثلها، ونقْضِ البرهان الفلسفيِّ بمثله، وبجمْعِ الأدلة النقلية من الكتاب والسنَّة في مقابلة مَنْ أخذَ بظواهر بعضِها دون بعض.

وهذا الجمع من الأدلة النقلية والعقلية: كان ردّاً على الطائفتين السابقتين، وردّاً على الطائفة الثالثة أيضاً التي قصدتِ الحقَّ فما أصابته؛ قصدت الوقوف عند نصوص الكتاب والسنَّة، فوقعَتْ في شِباكِ ظواهرِها، دون استقصاء وتدبُّر وتفهُّم لها مجموعةً متكاملة.

وقد حصلَ هذا الارتباكُ لإمامين متعاصرينِ من أئمَّةِ الرواية: ابن خُزيمةَ في كتابه  «التوحيد»، وابن أبي حاتم في كتابه «الردِّ على الجهمية»، وسَبَقَهما بفترة قصيرة من الزمن عثمانُ الدَّارِميُّ صاحب «نقض الدارمي على بشر المريسي»، و«الردِّ على الجهمية»، وله اشتغالٌ بالحديث الشريف دون هذينِ الإمامين.

وقد أسند البيهقيُّ في كتابنا هذا إلى ابن خُزيمةَ قوله عن نفسه: (فما تنكرون على فقيهٍ راوي حديثٍ أنه لا يُحسن الكلام؟!)[2]؛ أي: لا يُحسنُ علْمَ الكلام، وأسند بعد هذا بقليل إلى ابن أبي حاتم قوله عن نفسه وعن ابن خُزيمةَ: (إنما الأَولى بنا وبه ألا نتكلَّمَ فيما لم نتعلَّمْهُ)[3].

على أن الإمام البيهقي ختمَ كلامَهُ بقوله: (وقد رجع محمد بن إسحاقَ - ابن خُزيمةَ - إلى طريقة السلف، وتَلَهَّف على ما قال، والله أعلم)[4].

وهذا خبرٌ مفيد جدّاً في حال هذا الإمام، ولكن يبقى التوفيقُ بين رجوعه وبين قوله تعالى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا} [البقرة: 160]؛ فإن كتاب «التوحيد» ما زال وما يزال متداولاً محتجّاً به عند الطرفِ الذي جَمَد عند ظواهر بعض نصوص الكتاب والسنَّة، والانتقاداتُ عليه كثيرة وكثيرة، لكني ألفتُ النظرَ إلى كلمة وجيزة جدّاً تدلُّ على عدمِ تمكُّنه في هذا العلم؛ علم العقيدة!

قال رحمه الله بعد صفحات من قوله: (باب ذكر استواء خالقنا العليِّ الأعلى)[5]: (ومعنى قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]: كقوله: {وكان الله عليماً حكيماً} [النساء: 17])[6].

وهذا تشبيه يَجلُّ عنه قدر ابن خُزيمةَ إمامِ الأئمة في علم الأثر؛ ذلك: أن العرشَ مخلوق وحادث، والماءَ مخلوق وحادث، فكون عرش الرحمن على الماء حادثٌ أيضاً، أما علْمُ الله وحكمتُهُ: فصفتانِ أزليَّتان، فكيف نشبِّههما بالحوادث؟! ولم يعلِّق عليه مَن حقَّقه بشيء!!

وممَّا يجب ذكرُهُ في هذه المناسبة: أنني حينما أقرأ في كتاب ابن خُزيمةَ، أو كتاب ابن أبي حاتم، أو كتابَيْ عثمانَ الدارمي.. أقرأُ لهم على أنهم يكتبون في علمِ العقيدة، فينبغي لمن يحقِّقُ كتبَهم: أن يترجم لهم أئمةً في هذا العلم، لا في علم الحديث، وحينما يقرأ الباحث في مقدِّمة كتاب «التوحيد» لابن خُزيمةَ، وأنه إمام الأئمة.. يرسخ في ذهنه أنه إمامٌ في العقيدة أيضاً! وهذا غلط، أو مغالطة، وأحلاهما مرٌّ.

وثناءُ من أثنى من العلماء السابقين واللاحقين على كُتُبِ هؤلاء رحمهم الله جميعاً.. إنما هو ثناءٌ إجمالي كلِّيٌّ، لا على كلِّ كلمة قالوها.

وكذلك ردُّ من ردَّ عليهم؛ إنما هو ردٌّ إجمالي، لا على كلِّ كلمة قالوها.

ونسأل اللهَ الإنصاف، والاهتداءَ بهدْيِ كتاب الله عز وجل، كما سيأتي.

وأمر آخرُ غير ما أُخِذ عليه من أبوابٍ وعناوينَ مشكلة؛ هو: أن الإيغال في أمرٍ ما والإمعان فيه، وجمع نصوصه على صعيد واحد.. غيرُ مستساغ؛ لما يُورثُهُ في ذهن القارئ من تصوُّر خاطئ، وهذا ما حصل.

وأذكرُ هنا عرضاً إجمالياً جدّاً وسريعاً جدّاً لأبواب كتاب «التوحيد» لابن خُزيمةَ: إثبات النفس لله تعالى، وإثبات العلم، وإثبات الوجه، والصورة، والعين، والسمع، واليد، والرِّجل، والاستواء، والنزول، والكلام، ورؤية الله يوم القيامة، والضحك.

ولما قام بتحقيقه محمد خليل هرَّاس.. كان من تعليقاته نتيجة لما وصفتُهُ: أن ابن خُزيمةَ قال: (باب ذكر سُنَّة ثامنة تُبيِّن وتوضِّحُ أن لخالقنا يدينِ كلتاهما يمينانِ، لا يسارَ لخالقنا، إذِ اليسارُ من صفات المخلوقين)[7].

فعلَّق عليه محمد خليل هرَّاس: (يظهر أن المنع من إطلاق اليسار هو على جهة التأدُّب ... يدل على أن اليد الأخرى المقابلة لها ليست يميناً).

وكان أيضاً من حال هذا الرجل المتشبِّعِ بهذا الكتاب: أنه لما كان مدرِّساً في جامعة مكَّةَ المكرمة أيامَ كانت تابعة لجامعة الملك عبد العزيز.. أنْ رَسَمَ على السَّبُّورة ما سماه: العرش، ورَسَمَ كائناً عليه!!

وحكى ابن خُزيمةَ عن عالمٍ لم يسمِّه كلاماً له في عدم نسبة الأصابع إلى الله عز وجل، وأنكر عليه ابن خُزيمةَ هذا[8]، فعلَّق عليه محمد خليل هرَّاس: (ومن أثبت الأصابع لله فكيف ينفي عنه اليد والأصابعُ جزءٌ من اليد؟!)، وفي هذا إثباتُ التجزُّؤ لله سبحانه وتعالى وتقدَّس!!

ولم يكن حالُ عثمانَ بنِ سعيد الدارمي في كتابيه  «الردِّ على الجهمية» و«الردِّ على بشر المريسي».. بأخفَّ وألطفَ من كتاب ابن خُزيمةَ، بل زاد الطين بِلَّة؛ فنسب إلى الله تعالى الحدَّ ببيانٍ بيِّنٍ لله تعالى، ومعرفة مكانه، سبحانه وتعالى وتنَزَّه، وذلك في كتابه الأول([9]).

أما كتابه الثاني: فأخطاؤه ـ بل زلَّاته وطامَّاته ـ أكثرُ من أن تُذكر أرقام صفحاتها!!

وغيره وغيره تحت اسم: الردِّ على الجهمية، والمعطِّلة، وأهل البدع والضلال، ونصرة الحقِّ، وعقيدة السلف، والاعتماد على الكتاب والسنَّة.

وهذا منهج حقٌّ، ودعوة إلى الحقِّ، ولكنْ لو حالفهم التوفيق الذي رسم الله تعالى لنا طريقه في كتابه العزيز؛ في قوله تعالى في سورة (آل عمران): {هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب وأُخَر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} [آل عمران: 7]، فالله عز وجل يقول: إن في كتابه الكريم آياتٍ متشابهاتٍ، وحذَّرَنا من اتِّباعها، وهذا أمرٌ ضمنيٌّ بالعمل بالمحكَم، وردِّ المتشابه إليه، أما الوقوفُ عند المتشابه فهذا شأنُ أولي الزَّيغ، وقد أثنى جلَّ جلالُهُ في كتابه في سورة (الزمر) على: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} [الزمر: 18].

فهذا طريقُ أصلِ الزيغ: اعتمادُ المتشابه فقط، وهذا طريق أولي الألباب: اتِّباعُ الأحسن والأبعدِ عن المتشابهات والمشكلات.

وهذا المنهج القوي السليم جمعه الله تعالى في جملة واحدة، من آية واحدة في سورة (الشورى): {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، فهذا تنزيهٌ مع الإثبات، فلا تعطيل، وإثباتٌ مع التنزيه، فلا تشبيهَ ولا تجسيم.

وهذا التكافؤ والتوازنُ المحكم الدقيقُ يفقِدُهُ الكثيرُ من أهل العلم قديماً وحديثاً، وكلٌّ منهم يدَّعي ويدعو إلى عدم الإفراط والتفريط، ولكنه يفتقرُ إلى توازن تامٍّ دقيق أدقَّ من لسان ميزان الذهب.

ومن أهمِّ أسباب الوصول إلى هذا التكافؤِ الدقيق: أن يتكلَّمَ في كلِّ علم أهلُهُ المختصُّون به، ولكن مَنِ الذي يجرؤ ويقول الحقَّ على نفسه: إنه ليس من أهل هذا الاختصاص، كما جَرُؤ عليه ابن خُزيمةَ وابن أبي حاتم؟!([10]).

وقد قيَّضَ الله لهذا الدين مَنْ أقام الميزان بالعدل والنَّصَفة، بلسان أهل الحقِّ والسنَّة، فهيَّأ جماعةً من الأئمة العلماء الجامعين بين العلوم النقلية والعقلية والفقهية.

وكما أن الله تعالى الكريم المتفضِّلَ أقام مناراتِ الفقه الإسلامي على أيدي الأئمة الأربعة، فهيَّأ لهم أصحاباً دوَّنوا فقههم، فخلَّده الله على مدى الأيام، مع أن غيرهم الكثيرَ الكثيرَ موجودٌ ظاهرٌ في هذا الميدان الفسيح.. فكذلك تفضَّل الله تعالى وأنعمَ على الأمة؛ فأقام منارةَ العقيدة الإسلامية على يدِ الإمامينِ: أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وهيَّأ لهما من الأصحاب البررة مَن دوَّن اجتهادَهم وفهمَهم لنصوص الكتاب والسنَّة في العقيدة، على سَنَنِ السلف الصالح، مع الموازنة الحكيمةِ بين العقل والنقل، لا طغيانَ لأحدهما على الآخر، فيزلَّ الميزان.

وكذلك أقول: كان في ساحة هذا العلم آخرون كثيرون، لكن كتبَ اللهُ تعالى البقاءَ لهاتين المدرستين، وخلَّد الله نورَهما في الأمة المحمدية.

ظهر في خِضَمِّ القرن الخامس الذي تمكَّنت فيه الرُّدود والخصومات.. الإمامان: أبو منصور البغدادي، المتوفَّى سنة (429هـ)، والإمام أبو الحسين البيهقي، المتوفَّى سنة (458هـ)، رحمهما الله تعالى، فألَّف كلٌّ منهما كتاباً سمَّاه: «الأسماء والصفات»، وللإمام أبي منصور اشتغالٌ بعلم الحديث، وبالعلوم العقلية أكثرَ، فغلبَ على كتابه هذا الطابع، وللإمام البيهقي اشتغالٌ كبير بالفقه والخلافيات، مع إمامة بالحديث، فغلب على كتابه هذا الطابعُ أكثرَ، وكلٌّ منهما ألَّفَ كتابه سدّاً لحاجة علماء عصره وطلابهم، فجزاهما الله خيراً.

وكان من الممكن لعلماء عصرنا أنْ يكتبوا بأقلامِهم هذه الحُجج والبيِّنات؛ سدّاً للحاجة المتجدِّدة في أيامنا التي تتجدَّدُ فيها طباعةُ تلك الكتب بين الحين والآخر، مع حاجة المسلمين إلى غيرها من المسائل وكشف الشبهات والضلالات الجديدة.

لكن لوَقْعِ كلام أئمتِنا السابقين في نفوس الخاصة والعامة.. مكانةٌ أعلى، والحمدُ لله، فكان من المتعيِّن إحياءُ تراثهم بخِدَمات معاصرة علمية وفنِّية؛ تقريباً لأفهام قرَّائنا من الخاصة والعامة، وهذا ما نراه في هذين الكتابين للإمامين أبي منصور البغدادي والبيهقي رحمهما الله تعالى.

وقد ندب نفسه لخدمتهما بما كفى وشفى فضيلةُ الأخ الكريم الأستاذ الشيخ أنس محمد الشَّرْفاويِّ جزاه الله خيراً، وأسبغ علينا وعليه نعمه الظاهرة والباطنة، فجاء بخدمة كلٍّ منهما بما يحتاجه من تخريجِ الأحاديث والنقولِ عمَّن تيسَّر له مصدره، مع حلِّ مصطلحاته وغريبه.

وقدَّم للكتابين بدراسة جيدة عن الإمام المؤلِّف، وعن موضوع كتابه، وتأييد آرائه بالنقول عن الأئمة الآخرين، وتعزيزه منهجَهُ ومشربه فيه، فنزَّهَ الكتابَ عن عبث العابثين به، ولَيِّ نصوصِهِ لتطويعها حَسَبَ فهمِهم ومعتقَدهم.

وقد قرأت الدراسة، وصفحات كثيرة من مواضعَ متفرِّقةٍ في الكتاب، فلم أرَ إلا كلَّ توفيق وسداد، وفَّقه الله ورعاه.

وأول ما عرفت الأخ الكريم فضيلة الشيخ أنس عرفته بالأمانة على حقوق الآخرين، لا يأخذها ويدَّعيها لنفسه، وهذا خلق كريم يزداد وقعه حُسْناً في أيامنا؛ ذلكم هو إخراجه الجديد لكتاب الإمام ابن عساكرَ رحمه الله «تبيين كذب المفتري»، فقد حرص على مقدِّمته النادرة التي كتبها الإمام الكوثري لطبعته الأولى مع تعليقاته، ثم زاد عليها ما شاء.

ثم دَأَبَ على هذا الخُلُق والأمانة في هذا الكتاب الثاني «الأسماء والصفات» للبيهقي، وقد طبعه الكوثري أولاً، وجاء فضيلة الأخ الشيخ أنس الشرفاوي فحافظ على مقدِّمة الكوثري، وعلى تعليقاته ولو بكلمة واحدة؛ فإنه ينسبها إليه، ثم يزيد من عنده ما يراه.

فجزاه الله خيراً، وجزى الله خيراً صاحب (دار التقوى) الذي يُجمِّل هذا الجهد الكريم، ويزيده قُرباً ومحبَّة من القراء، ومما يُؤثَر ويقال: الخطُّ الحسن يزيد الحقَّ وضوحاً، وهكذا أقول: إن الإخراج الحسن للكتاب يقرِّب ما فيه إلى قارئيه، ويزيده وضوحاً.

وأسأل الله تعالى من فضله الكريم أن يديم علينا جميعاً التوفيق والقَبولَ والسداد في خدمة هذا العلم الشريف المبارك.

وصلَّى الله تعالى وسلَّمَ على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، والحمد لله ربِّ العالمين. 

 




([1]) رواه ابن ماجه (8)، وأحمد في «المسند» (4/200) (17787)، وابن حبان في «صحيحه» (326).

[2]  انظر الخبر (600).

[3]  انظر الخبر (600).

[4]  انظر (1 /845 ).

[5]  التوحيد (1/231).

[6]  التوحيد (1/238).

[7]  التوحيد (1/159).

[8]  التوحيد (1/199).

([9]) الرد على الجهمية (ص99).

([10]) انظر (1/844).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين