نظرات في الحج الشريف - رسالة من الشيخ عيسى البيانوني
نظرات في الحج الشريف :
 
مدرس الأخلاق بحلب .
عيسى البيانوني
 
نقدم للإخوة القرآء مقالة نادرة كتبها فضيلة الشيخ : عيسى البيانوني رحمه  الله تعالى ، في مجلة " الجامعة الإسلامية " في العدد /18/ من السنة الأولى " 1348" = " 1930" ، ورفعها إلى الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله تعالى ، وإليكم هذا المقال الذي تظهر فيه بعض  نظرات الشيخ الإصلاحية ، واهتماماته الدعوية .
 وسنوافي الإخوة القرآء بترجمته الوافية بعون الله في تراجم العلماء .
 لقد أنعم علي المولى الكريم ، والله ذو الفضل العظيم ، في هذا العام بحج بيت الله الحرام ، وزيارة قبر النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ، وشاهدتُ ما تبتهج به القلوب سروراً ، وتمتلئ العيون منه قرة وحبوراً ، من أنواع المساعدة والتسهيلات لكل ما فيه راحة الحجاج مع العون على الطريق القويم ، بدون أدنى ابتداع واعوجاج ، ذلك بعناية أمير الحجاز وسلطان نجد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود أدام الله توفيقه .
وقد رأيت في أثناء هذا الحج الشريف أموراً أردت أن أُذكِّر فيها جلالة الملك بن السعود على صفحات هذه الصحيفة الرشيدة الزاهرة لتكون التسهيلات أعم، والفائدة أعظم وهي:
أولاً : معلوم كثرة الحجاج ـ والحمد لله ـ المجتمعين في ذلك الموقف المقدس موقف عرفات ، ومعلوم أيضاً أن هناك السوري والمصري والعربي والتركي والعراقي ، والهندي والأفغاني ، والجزائري ، والتونسي ، والمراكشي ، والأسباني ، كل فرد من هؤلاء الأقوام الكرام يجتمع دائماً إلى رفقائه الذين هم من بلاده وأوطانه طبعاً، وتُوضع الخيم اليوم كلها مع تنوع ساكنيها بإزاء بعضها من غير تفريق ولا ترتيب ولا تنظيم ، فيضطر حينئذ الحاج ألا يغادر رفقاءه خوف أن يضل عنهم كما هو مشاهد .
فإنَّ كثيراً من الحجاج من يضيع رفقاءه  فتارة يجتمع بهم في اليوم لكن بعد حصول مشقة شديدة ، وتارة يجتمع بهم بعد يوم في منى ، وتارة لا يجتمع بهم إلا بعد النزول إلى مكة المكرمة ، وربما كانت لوازمه وجميع حاجياته مع رفقائه وليس معه شيء فيصبح في حال ضرورة وحاجة شديدة وعذاب أليم .
فلو نظر حضرة صاحب الجلالة الملك ابن السعود إلى هذه النقطة الهامة ، وقسم موقف عرفات إلى مناطق متعددة ، كل منطقة تختص بقوم من أولئك الأقوام ليهتدي بسبب ذلك من ضل عن رفقائه ، فيصبح في مأمن من ذلك ، وتسهل جميع شؤون الحجاج الخاصة والعامة ، وبذلك تتم عليهم نعمة الله التي أنعم بها عليهم بواسطة الملك عبد العزيز .
ثانياً : حيث أن الحج الشريف شرع لأجل تفاهم المسلمين بعضهم مع بعض على اختلاف أقطارهم وأصقاعهم ، ولغاتهم والمسئول عن مسائل الشعب هم علماء الشعب أنفسهم فيجدر والحالة هذه بحضرة صاحب الجلالة أن يطلب من كل بلد بعض العلماء العاملين المخلصين السالمين من الأمراض القلبية والأغراض النفسية ، الراضين عن الأمة ، المرضي عنهم ، الخائفين من شديد وعيد : " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " ، فيتذاكر معهم في شؤون المسلمين وما هم في حاجة إليه فبذلك تتفق كلمة العالم الإسلامي في كافة أنحاء الأرض ، ويتفاهمون فيما هم مضطرون إليه .
فهاتان نظريتان نرسلهما لجلالة الملك على صفحات هذه " الجامعة " الغراء عسى أن تتم بهما  رغائب مشروعية الحج ، وأمل العالم الإسلامي اليوم متَّجه إلى جلالتكم فلا تخيبوا أمل العالم الإسلامي وكونوا عند ظن العالم بجلالتكم وفقنا الله سبحانه وإياكم إلى دوام خدمة الدين وجمع شتات أمور المسلمين وهو الموفق والمعين .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين