نصر قريب -6-  هل الوطن والمواطنة كفر

بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ

أبحاث في صناعة الرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ

 

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ رضي الله عنه عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ"! فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ! قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ. وأصبر الناس عند مُصِيبَةٍ. وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ. وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ. وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. صَحِيحٌ، رواه الإمام مسلم وغيره.

 

الذي يظلم يُلْعَنُ حتى في صلاته:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى أوحى إلي: يا أخا المرسلين! ويا أخا المنذرين! أنذر قومك أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي، ولأحد عندهم مظلمة! فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي يصلي، حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها. فأكون سمعه الذي يسمع به. وأكون بصره الذي يبصر به. ويكون من أوليائي وأصفيائي. ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة". حَسَنٌ جيد غريب، رواه أبو نعيم وغيره.

الأمير الظالم شر من المجوس: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس". جيد قوي، رواه الطبراني.

ولقد حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم منهم: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة، حتى يبعث الله أمراء كذبة. ووزراء فجرة. وأمناء خونة. وقراء فسقة. سمتهم سمة الرهبان، قلوبهم أنتن من جيفة. فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة؛ يتهوكون فيها كتهاوك اليهود في الظلم". حسن صحيح. رواه البزار وغيره.

 

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يبعث الله عز وجل أمراء كذبة. ووزراء فجرة. وأعوانا خونة. وعرفاء ظلمة. وقراء فسقة، سيماهم سيماء الرهبان، قلوبهم أنتن من جيفة! فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة؛ فيتهاوكون فيها كتهاوك اليهود. والذي نفس محمد بيده، لينتقضن عرى الإسلام عروة عروة حتى لا يقال: الله الله! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فليسومونكم سوء العذاب! ثم يدعو خياركم، فلا يستجاب لهم. لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم! ولا يوقر كبيركم! ومن لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، فليس منا". حسن لغيره. راه ابن أبي الدنيا وغيره.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنكم براكب قد أتاكم فنزل بكم؛ فيقول: الأرض، أرضنا! والمصر، مصرنا! وإنما أنتم عبيدنا وأجراؤنا! فحال بين الأرامل واليتامى {والمساكين}، و{بين المال الذي} أفاء الله على آبائهم"!!! حسن، الطبراني وأبو نعيم والحاكم.

عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ: صَلَّى هَذَا الْحَيُّ مِنْ مُحَارِبٍ الصُّبْحَ. فَلَمَّا صَلَّوْا، قَالَ شَابٌّ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّهُ سَيُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا. وَإِنَّ عُمَّالَهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ". حسن صحيح. أحمد وغيره.

 

أئمة الشر والظلم نتاج نفاقنا وتقصيرنا:

عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، إِنَّا نَجْلِسُ إِلَى الأُمَرَاءِ فَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَلامِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ، فَنُصَدِّقُهُمْ! وَيَقْضُونَ {بِالْقَضَاءِ جَوْرًا}، {فَنَقُولُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ}؛ فَنُقَوِّيهِمْ عَلَيْهِ وَنُحَسِّنُهُ لَهُمْ. {وَيَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلِ مِنَّا، فَيَثْنِي عَلَيْهِ}! فَكَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعُدُّ هَذَا النِّفَاقَ. {فَمَا أَدْرِي مَا تَعُدُّونَهُ أَنْتُمْ}؟ سنده جيد. رواه الفسوي والطبراني وغيرهما.

خَرَجْتُ مَعَ مَوْلَايَ وَأَنَا غُلَامٌ فَدُفِعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ مُنَافِقًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِي الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ! إن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ! وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ! وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ! أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ! أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ! ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ"! حسن. الترمذي وأحمد وغيرهما.

 

الوطن والمواطنة

يهاجم بعض الإسلاميين اليوم كلمة "المواطنة" أو كلمة "الوطن" بشدة و بعنف. ويعتبرونها ألفاظ كفر أو شبه الكفر. لكنا وجدنا حين قراءة كلامهم أنهم في الحقيقة لا يعرفون ماذا يهاجمون. فما هي "المواطنة" يا ترى؟ لا سيما وأن الدولة الحديثة أو ما يسمى: "الوطن" قام مع تطبيقاته أصلا على أساس مفهوم المواطنة.

والمواطنة بالتعريف هي: شعور المرء بالأمان والكرامة والإنتماء والحماية ضمن وطن. والوطن هو: الدولة التي استطاعت أن تشعر مواطنيها بأنها منهم وإليهم. أي يشعر "المواطن" في "وطنه" بانتمائه. فيكون له فيه حقوق وعليه واجبات وكلها منظمة واضحة شفافة شارك الفرد في صياغتها. أي أن يحس أنه صانع مستقبل بلده! وأنه قادر على تغيير ما لا يرضيه بالإقناع والمناقشة والتعليم.

 

في مقابل ذلك يقدم المواطن واجباته من خضوع لقانون شارك هو في وضعه عن طريق إنتخابات نيابية حرة. كما يقدم ايضا حصته في تكاليف الدولة المالية. تكاليف شارك هو في تقنينها تحصيلا و صرفا من خلال انتخابات المجلس النيابي. وعلى المواطن أيضا بذل الغالي والرخيص في الذود عن حياض الوطن والدفاع عن حدوده إذا احتاج الأمر.

وهكذا نجد مهوم "المواطنة" مفهوما متوازنا لا غبار عليه. إشكاليته الوحيدة عندنا أننا أجبرنا على قبوله على مستوى القطر أو الدولة الصغيرة وليس على مستوى الوطن الكبير! والمهم هنا أن نتوافق أن "وطن" المرء، سواء أكان الدولة الصغيرة أم الوطن الكبير، يجب أن يكون تماما مثل بيت العائلة الكبير. والدولة مثل العائلة الكبيرة تماما.

فتتشابه مواطنة المواطن في وطنه بابن عائلة كبيرة تتألف من عدة عوائل صغيرة. تتقاسم جميعها سكن بيت واحد هو الوطن. وتحتمي جميعها تحت سقف واحد كبير. هكذا تكون المواطنة. وهي مطبقة بدرجة لا بأس بها في بعض دول العالم مثل أمريكا. أما مقدار تطبيقها في الثورة وفي دولتنا بعد النصر فهو متوقف علينا وعلى أدائنا لمسؤلياتنا.

 

وهل مفهوم المواطنة هذا قريب من الإسلام أم بعيد عنه؟ وهل يشعر الإنسان العربي أو المسلم أنه يعيش في وطنه؟ أم أنه يشعر بالإختناق في وطنه وكأنه يعيش في سجن ؟؟!! أو أنه يعيش في سجن على الحقيقة، يَتَحَيَّنُ فرصة يفر فيها منه إلى الحرية ؟!! وهل الزحام على السفارات الأجنبية في أغلب البلاد العربية دليل على ذلك ؟!

وهل يريد بعض الثوار النبلاء الإبقاء على الزحام على السفارات لكل من لا يتفق مع رؤيتهم للأشياء بل حتى رؤيتهم للإسلام نفسه أحيانا؟ وهل يقبل المجاهدون الثوار بتهجير من كانوا أصحاب ذمة رسول الله ؟ و الذين عجزنا عن حمايتهم و هو العقد الذي بيننا و بينهم و الذي به كانوا أهل ذمة. أي أهل عهد حماية كان علينا الوفاء به. لكنا فشلنا في حمايتهم. بل فشلنا في حماية أنفسنا فدخل الإستعمار و احتل بلادنا و سامهم معنا سوء العذاب كما هو مشاهد في فلسطين اليوم. فهل تحول هؤلاء إلى مواطنين لأننا عجزنا عن حمايتهم!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين