نصر قريب -14-  تأخر النصر ناتج عن عدم الإخلاص أو عدم الصواب

مر معنا أن النصر يتطلب شروطا فنية تقنية وأخرى أخلاقية أهمها العدل وأداء الأمانة على الوجه الصحيح بدون حظ النفس. ومر معنا أن حلول المشاكل موجود لكن لا يعرفه إلا البعض. ومن هنا ندرك أن النصر قادم حتما بإذن الله لمن يمتلك القدرات الفنية والأخلاقية. وقام رافعا لراية العدل. وقد أكد الله سبحانه في كتابه الكريم هذا المعنى فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]. أي أن المؤمنين ينتصرون في هذه الحياة قبل النصر في الآخرة.

وهذه آية قطعية الثبوت وقطعية الدلالة ومع ذلك لا نكاد نسمع لها ذكرا مع أننا في صراع حياة أو موت مع أحط مجرمي التاريخ البشري، فما سبب هذه المفارقة العجيبة ؟ وأنا لا أريد أن أذكر سبب المفارقة لكني سأكتفي بالتذكير بالآية الكريمة والتأكيد على معناها الواضح. وبيان أن تصرفات كل واحد منا هي سبب امتناع قدوم النصر. فالله سبحانه لو شاء لقال: كن. فيكون. ولكن الحياة الدنيا امتحان لنا واختبار. وفشلنا في تحقيق النصر يعني فشلنا في تنفيذ أحكام الإسلام التي ندعي بل وننادي بها.

فالله سبحانه قد تكفل لنبيه أن لا يسلط على أمته عدوا من سوى أنفسهم. ففي حديث ثوبان رضي الله عنه "... وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي {ثَلَاثًا}: 1- أَنْ لَا يَهْلِكُوا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ. 2- وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ. 3- {وَأَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}. وَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ! وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ.

وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا. {ولكن ألبسهم شيعا} حَتَّى {يُفْنِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَيَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَ} يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا"!!! وَإِنَّ {أكثر} مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي، الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ. وَإِذَا وُضِعَ فِي أُمَّتِي السَّيْفُ، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ..." صحيح رواه أحمد ومسلم وغيرهما. أي أن مشاكلنا في الغالبية الساحقة من الحالات ستكون من خلل أخلاقي ! مع أننا جميعا ندعي أننا فضلاء المسلمين. ويرى أحدنا في نفسه قمة الهدى والصلاح مع أنه في حقيقة الأمر هو من يمنع تحقق النصر.

فالله الله أيها الفضلاء لا يُؤتى الإسلام من قبلك؛ بنشوة بطولة مزعومة أو سكر بقدرات أثبت الواقع فشلها. وعد إلى دينك واعترف لصاحب القدرات بقدراته. واعلم أنه إذ يحترمك فإنما يحترم دينك. فلا تغتر وتعتبر أنك أفضل منه أو أقدر. خاصة من تحقق عليه قبول الناس به ثم تحولوا عنه. فهذا يعلم لو كان عاقلا أنه أكثر من فاشل. فالقادر يجمع الناس حوله حتى ولو كانت كل الظروف ضده. أما من شاء الله وجعله في إطار جعل الناس تحبه وتحترمه لكنه مع ذلك فشل في الحفاظ عليهم فلا شك أنه أفشل الناس. وعليه أن يغير. وإلا فهو عون للمجرم على أهله. نسأل الله أن يعيذه أن يكون كذلك.

 

العدل والضوابط والتوازنات:

من الحديث السابق ومما مر من قبل من أن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع نستطيع أن نقول إنه إن كان سبب واحد يؤخر النصر فهذا السبب هو أننا ظلمة ولم نقم العدل في تراتبية الثورة. أي أن كل واحد منا ظالم لم يقم بما عليه. فَتَصَدُّرُ المتسلقين والمنتفعين ما كان له أن يحدث لو قام كل واحد منا بواجبه ونشر خير صاحب الخير وبشر باسمه بين الناس. فليس ظلم أحدنا لنفسه بينه وبين ربه كما يردد الببغاوات بغير فهم ولا علم سبب تأخر النصر ولكنه ظلم أحدنا أخاه.

وحديث ثوبان "وَإِنَّ {أكثر} مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي، الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ" يشير إلى أن أصحاب العلم والمتدينون أو ما يسمون اليوم بالإسلاميين وقادة الكتائب مثلا هم أكثر الناس عرضة لإيقاع هذا الظلم بالثورة. وأن ظلمهم أكثر ما قد يقع خاصة من خلال تهميش أهل القدرات الفنية والتقنية. أو تهميش غيرهم من أهل القدرات حرصا على حظ النفس أو انسياقا خلف مشاعر شخصية.

فإذا صح ما سبق فانهضوا أيها الأفاضل وانفضوا غبار الظلم عنكم. وصلوا ما قطعتم واجسروا ما هدمتم. وأعطوا الخباز خبزه ولو أكل نصفه كما يقول المثل. ولا تمنعنكم مشاعر شخصية أو ضغائن أو نشوة بالذات والبطولات الشخصية من تحقيق نصر لأمتكم أنتم أسعد الناس به.

 

التحكيم وفصل المنازعات:

إذا صح ما سبق أيضا نجد أن جهدا كبيرا يجب أن يصرف في وضع آليات تمنع الظلم وتعيد العدل إلى نصابه. وأولها فتح قنوات اتصال داخلية وخارجية تسمح للمتظلم من التظلم وعرض قضيته على جهة تحكيم محايدة. وثانيها وضع جهات تحكيم يتفق عليها كل الأطراف. إذ الأصل في التحكيم وفصل المنازعات قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [آل عمران:64]. أي كلمة نتساوى فيها نحن وأنتم. مما يعني أن أول شرط للعدل أن يكون القاضي أو جهة التحكيم يستوي في قبولها الطرفان. فالعدل أصلا هو التسوية بين طريفي الميزان.

فما لم يكن القاضي أو جهة التحكيم مرضية من الطرفين لما أمكن للعدل أن يتحقق. أما إن لم تكن الجهة المخولة للتحكيم مرضية من طرف أو آخر فلا ضرر من وضع آلية تسمح بتشكيل جهة تحكيم يقبل بها المتظلم. ويمكن أيضا أن تتقاضى هذه الجهة رسوما تتقاضاها الثورة مقابل تحكيمها. فأذناب المجرم كثر ولا أستبعد أن يضعوا كل جهدهم في رفض جهات التحكيم القائمة. فإذا أصبحت تكلفهم شيئا تغير الموقف. والمهم أن ما يمنع الانشقاقات والتنازع وجود سعي حقيقي داخلي من قبل الجميع في إقامة العدل. وإدراك الجميع أن عدم العدل هو سبب المصائب. وأن آليات ضمان العدل للجميع تكون محايدة وترضي الجميع لا بد منها لمن يريد أن ينتصر. فثورة لا عدل داخلها لا يمكن أن تنتصر.

 

هيئة متخصصة لنقد وتصحيح المسار:

كل من يريد النصر يعرف أنه بشر وأنه يخطأ وأنه لا بد له من بطانة تنصح له وتخطئه حين يخطأ ولا تربت على ظهره وتسايره بل تصحح له المسار. من هنا وجب وجود طائفة (جهاز) في هيكلية الثورة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أي ينتقدون العمل ويكشفون ثغراته ويصححون. فتصحيح المسار داخليا أهون مليون مرة من اضطرارنا لتصحيحه بعد خسارتنا آلاف الشهداء كما يقع الآن. ولعل العاقل الذي لا يفعل ذلك يدرك أنه في عماوة وأن من حوله من طبعهم أنهم غالبا ما يربتون على ظهره ويحسنون له الخطأ والظلم.

 

الفشل في طمأنة المتخوفين:

أخيرا لا بد من تطبيق العدل على الناس في محيط الثورة. فإخراج الناس من أرضهم شيء كبير جدا. لذلك يحرص المجرمون على تخويف الناس من أهل الحق بخاصة في موضوع إخراجهم من أرضهم. قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 123]. والاهتمام بمشاعر الناس وتطمينهم جزء أساس من رحمة المسلم للناس. خاصة وأنه إذا كان عاقلا لا يجند الأجناد ضده ولا يسمح لعدوه بتأليبهم عليه.

من هنا لم يخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة بل تعاهد معهم ووفى حتى خانوا هم. مما يوجب علينا في الثورة طمأنة الناس المتخوفين وخاصة إذا كانوا يشعرون بأنهم أقلية أو بحاجة للطمأنة والاحتضان. أما الكلام العاطفي الظالم المخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] حول انتقام شامل وقتل طوائف بأكملها وتهجيرها نساء ورجالا؛ من شارك منهم بالقتال ومن لم يشارك بل وحتى من سكت فهذا ما يريده النظام الأسدي المجرم.

فاطلاق مثل تلك التهديدات بدل التطمين يدعم اد??ء المجرم أنه هو ا????? ا????? ???م ??? و????? ???? ملايين ???ي و????? ودرزي من ?????يه و ????ته. و قد يستطيع الاستفادة منها بتهديد ا???ب ????ل ???: أ??? ?? ???????ا ???? ????ت ذ?? ???ت ا???ف ?? ا???? و????? ???ت ا???ف ا???ى وا??? ??????? ??? ا???ارب. ??? ?? ?????? دول ا???ار ???? ????ت ????? ???????? ا??????? ا?????? ????ة ???ت أ??ف أ??ى إ???? هجرة دائمة و?? ??ن ????? ???د.

و من عجائب الأشاء أننا نعطي ???رون دليلا ??? اد??ءه ا???ذب وا??ي يناقض حقيقة ا???رة! و لعل أحدنا يجد بسهولة أن ??? ????? ????ة ???ول أن ????? ?????رة ا???ر?? ???م ???? ???ت ا????? ا??? ???ل أ?? ??? ذ?? ا???س ??ون ??????! ??? ???? ?? ????? ???دة و?? ?? ??????ا أي ???! ??? و?? ا??? ?????? أن اد?? أ?? ????? و???? ??? ا????ل وا????ء! وأن أد?? ????? ???? ذ?? و????ا إ???!!!

?? ذ?? قتل أشخاص لم يعرفوا أو اضطربوا فأخطأوا بعدد ركعات الصلاة. أو هدم ????? و كسر صلبانها. أو الإستيلاء ??? ????? ???? أن ?????? ???ا?? ? ???? ا?????! بل وصل بهم الضلال إلى تكفير ?? ?? ??ن ???د ???? ???? ??? ???رون أو ?? أي ????? ?????? ?? ?????ت الدولة! إن ا???? ا???ري لم يقم بثورته إلا رفعا للظلم و طلبا للعدل و تكريم الإنسان الذي كرمه الله سبحانه من فوق سبع سماوات.

فالشعب السوري يكن في يوم ?? ا???م طائفيا أو ??م ??ذ?? أ?? ??? ????? أو ???? أو درزي أو ???? ????ة ??? ???????. و لا أدل على ذلك من وجود هذه الطوائف في سورية اليوم. فالمسلم يقاتل ??? من ?????? و?? ???? ????? ا???ح. و نقاتل الظالم الذي ???م ???? ا????ب وا????ب ا????ء و??? و????? ا???س. وهؤلاء من يجب محاسبتهم وعدم التسامح معهم. كل بحسب جريمته التي تثبت عليه أمام قضاء حيادي عادل. فالسياسي قد يعزل عن السياسة لعقد أو عقدين و القاتل يقتل و هكذا. أما غير ذلك فلهم حقوق محفوظة يضمنها لهم الدستور لتكون في أعلى مداها حين يرتكز هذا الدستور على قرآننا العظيم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين