نصر قريب -13-  معجزة الثورة و تطورها

معجزة الثورة:

ثورتنا المجيدة هذه معجزة بكل ما في الكلمة من معنى. فقد قام نظام آل الأسد على أربعة أركان تجعله شبه محصن تحصينا تاما عن أي ثورة داخلية. أول هذه الأركان هو حماية مصالح إسرائيل كالتالي:

1. تبادل البقاء مع إسرائيل: وهو يعني بقاء إسرائيل في الجولان مقابل بقاء آل الأسد في الحكم. فهذه صفقة بيع الجولان التي نفذها حافظ حين كان وزيرا للدفاع ورفع على أثرها لرآسة الدولة. وهو يعني أيضا الدعم العالمي له خدمة لإسرائيل المسيطرة على العالم أو تكاد.

2. ما لا يحصل عليه بعصى غليظة، يحصل عليه بعصى أغلظ: وتطبيقاتها بإقامة دولة الخوف والرعب المقعد الذي تم بتعذيب المخالف حتى الموت. وسكوت العالم عليه بل دعمه له أحيانا. وتحقق هذا الوضع بعد خسارة انتفاضة الثمانينات التي قادها الإخوان بتردد وفقدان رؤية وحرص البعض على المصالح الشخصية تماما كما يحصل اليوم.

3. هدد الداخل بالاستعمار وهدد المستعمر بالتطرف الإسلامي! وقد نجح بذلك في خداع بعض الحمقى والمغفلين. وأضاف غطاءا على ممارساته الهمجية الشيطانية الممنهجة في التعذيب وخلق مملكة الرعب.

4. تبنى سياسة: إكذب إكذب إكذب ... يصدقك الناس. فالعالم وعملاؤه يريدون تصديقه لأنه يخدم مصلحة إسرائيل التي سجد العالم كله لها. فصار كذبه ينطلي على من لا عقل أو لا ضمير.

والمهم هنا أن هذه العناصر الأربعة مجتمعة جعلت مجرد التفكير في ثورة أبعد من حلم. حتى إن بعض مشايخ الثورة الآن كان قد نصح بعدم الثورة قبل يوم واحد أو أيام من قيامها خوفا على الناس من هذا المجرم. وكانت الناس لا تتخيل قيام الشعب السوري بها مما تعرف من شدة همجية النصيرية الحاكمة ووحشيتهم. إلا أن الواثق بالله عز وجل ثم بشعبه البطل كان يعرف أنها قادمة. وكان يعرف حتى الإطار الزمني. فلو لم يكن معجزة إلا انفجار الثورة لكفت معجزة كبيرة. فقامت التظاهرات في نقاط محورية بدأت خجولة في العاصمة ثم اشتعلت في درعا وحوران وفي محيط دمشق.

حتى هذه اللحظة لم تكن الناس تثق بعد باشتعال سوريا كلها أو استمرار ثورتها. لكن الثورة تمددت وانتشرت وعمت المظاهرات السلمية سوريا من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها مرورا بوسطها وعاصمة ثورتها. ولابد لنا هنا من وقفة توضيحية لحقائق تظهر بوضوح إعجاز ثورتنا وأن الله سبحانه معها. فكلنا يعرف أن الثورة قام بها أناس عاديون مثل الطبيب والمهندس والمدرس والمتعهد والعامل والفلاح وهؤلاء جميعا غير مدربين ولا مجهزين على قيادة ثورة أو تنظيم صفوف. بل كلهم لا علاقة له بمثل هذه الأعمال التي ليست يسيرة ولا بسيطة.

في مقابل هؤلاء العاديون من الشعب تقف دولة منظمة مدربة بأجهزة تمتلك كل ما يحتاجه النجاح من عوامل؛ فهي تمتلك موارد هائلة من البشر المدربين والمنظمين ضمن هيكلية الدولة. ويطيعون أوامر رؤوسهم خوفا من الفصل من العمل. وتمتلك موارد هائلة من المال وهي موارد دولة. خاصة أن النظام القائم يعرف أنه محتل وأن الشعب لا يريده. ولذلك كان دائما الفكر في كيفية القضاء على الثورة حين تقوم.

ولو لم تكن إلا هذه الأسباب لكفت في إجهاض الثورة من أيامها الأولى. وقد كان أذناب السفاح فعلا يعتقدون أنها "خلصت" كما كانوا يتندرون. فكيف إذا أضفنا إلى كل تلك الأسباب وقوف دولة إقليمية كبرى معهم ؟ بأجهزة استخبارات ودراسات الهلال الرافضي. وكيف إذا وقفت مع المجرم السفاح أيضا دولة عظمى ؟؟؟ وحين نقول دولة عظمى لا نتحدث فقط عن تسليح وذخيرة متفوقة حتى عما يعرفه العالم ولكن نتحدث أيضا علن علم و دراسات قد لا يكون اطلع عليها أحد إلا المجرمون !!!

 

أصدقاؤنا:

أما أصدقاؤنا فأول ما صنعوه لثورتنا من دعم هو رفضهم لتسميتها ثورة على الظلم. فسموا أنفسهم: أصدقاء الشعب السوري. وثاني دعم قدموه لنا: كمية هائلة من اللاءات: فلا حماية للمدنيين الذين يذبحون علنا ولا ضغط على السفاح لوقف الإجرام والهمجية ولا إسناد لثورتنا ولا ولا ... إلى درجة أن الأمير سعود الفيصل خرج غاضبا من مؤتمر أصدقاءنا الأول اعتراضا على عدم توفير أي دعم حقيقي للثورة. لكن من زعموا أنفسهم ممثلي الشعب السوري لم يخرجوا ! في حين أن مفكري الثورة وقوادها الحقيقيين كانوا يقولون: هذا مؤتمر أعداء الشعب السوري وليس مؤتمر أصدقاءه.

وهنا أمران لا بد من ذكرهما: الأول أن من يسمى أصدقاء الشعب السوري اجتمعوا وفرضوا حظر تصدير سلاح إلى لسوريا. وامتنوا علينا به. في حين أن حقيقته أنه حظر للسلاح ومنع له من الوصول إلى الثورة. فالنظام لم يكن يستورد سلاحا منهم. وليس بحاجة لذلك أصلا فسلاحه روسي وروسيا تقف معه وتصدر له كل أنواع السلاح والذخيرة والدعم. وكذلك تفعل إيران وهي تصنع أصنافا من السلاح كلنا يعرفها. أي أنهم منعوا السلاح بنص القانون عن ثورتنا المباركة وهو فخر لها. لكننا الآن في سياق شرح ظروف ثورتنا وأنها وانتصاراتها معجزة حقيقية لا مجاز فيها.

 

خلية التخطيط:

لكن والأمر الثاني وخلافا لكل ما يقال وفي مقابلة كل تلك الظروف القاهرة والمتسلقين والمتصدرين للمشهد بغير حق سخر الله لثورتنا سرا عظيما ندر من يعرفه سأفصح عنه الآن وبغير أي تردد ولا خوف عندي من ضرر نشره هذا السر هو ما يطلق عليه اسم: خلية التخطيط أو خلية التفكير العميق أو نواة الثورة .. الخ. وهذه النواة أو الخلية ليس لها اسم محدد والناس يطلقون عليها ما شاءوا من الأسماء. وهي خلية لا يعرف أعضاءها أحد إلا الله. وهو ما دعاني للحديث عنها دون خوف من حصول ضرر. فالنظام مهما فعل لا يمكن أن يتعرف على أعضاءها.

والذي يهمنا هنا هو عملها. فخلافا لكل ما يقال من أن الثورة السورية لا رأس لها و أنه لا يقودها أحد خلاف الواقع. فما اتضح لنا إلى الآن من عدو قوي منظم هائل. ويدعمه عدو أكبر منه وأعظم بكثير. يقابل ثورة هواة غير منظمين ولا مدربين ولا موارد لهم. وأصدقاؤهم يصدرون القوانين للمنع عنهم. ويعجزون في فعل شيء لمصلحتهم .... ومع ذلك ينتصرون وتنتصر ثورتهم. فتنتصر أولا بانطلاقتها ثم استمرارها وشمولها لكل أنحاء سوريا. ثم تتحول بشكل سلس بدون عثرات حقيقية إلى ثورة مسلحة. ثم تنتصر الثورة المسلحة وتنجح في تحرير حوالي 70% من التراب السوري كل ذلك وهي ثورة يتيمة بل ومخترقة تكاد تكون في كل مفصل من مفاصلها.

وحتى حين دخلت داعش على الخط قامت خلية التخطيط بفضح ممارساتها وكشفها أمام الناس. فنجحت في ذلك من خفض أضرارها إلى أقل حد ممكن. أفلا يدل كل ذلك أنها ثورة معجزة الله معها ؟ وأنها تمتلك عقلا مدبرا خارقا استطاع أن يراوغ كل أجهزة الدولة بل ينتصر على استخبارات الهلال الرافضي مضافا إليه أجهزة القمع والقهر الروسية ؟ والناظر إلى كل منعطف مرت به ثورتنا المباركة يجد أن الثورة كانت يدا واحدة بكل مكوناتها تطالب بمطلب محدد. آخر ذلك حضور مؤتمر جنيف 2 الذي رفضته الثورة. وحين قبل به من قبل بغير شرعية ولا حتى شرعية ائتلافه نفسه، كان مقيدا من جماهير الثورة بحيث لا يستطيع أن يضحي بأي شعرة من مطالب الثورة العظيمة.

أما ما الذي منع هؤلاء المفكرين الكبار من قيادة الثورة في الظاهر كما قادوها في الحقيقة فهو أمران: الأول هو نحن! نعم نحن؛ أنا و أنت وهو وهي. فكل واحد منا سكران في إبراز عظمة نفسه مما أفقده القدرة على رؤية الخير الذي يقدمه من هو أقدر منه وأجل وأكبر. وهو ما يجعلنا ندفع ثمنا لنصر ثورتنا أكبر بعشرة أضعاف عنه فيما لو كنا نبصر قادتنا وما قدموا لنا ولو كنا قدمناهم ولم نتقدمهم !

والسبب الثاني هو العدو المشترك؛ فواضح أن المجرم الجلاد السفاح لا مصلحة له في قيام قيادة قادرة تقضي عليه خلال أشهر. فساهم بكل ما يملك بإسكارنا جميعا في بطولاتنا الشخصية التخيلية في أغلبنها. و عمل على إفشال أي قيام حقيقي لتجمعات سياسية أو عسكرية للثورة. و قام بتفخيخها و تخوينها وإسقاطها مبكرا. مما جعلها لا تتفاعل بمرور الوقت و لا تتطور لتكون جسما حقيقيا يتعلم من أخطائه ويكبر ليمثل الثورة حقيقة.

 

سقوط نظام بشار حتمي بإذن الله:

قد تستطيع دوس بعض الورود ولكنك لن تستطيع منع قدوم الربيع. تلك حقيقة طبيعية يراها كل واحد منا كل عام. كذلك فإن ربيع ثورتنا قادم مهما خسرنا من أرواح ودماء لا يؤخر من قدومه إلا مصائبنا الشخصية وأمراضنا النفسية. فقد فَقَدَ نظام القتلة أي قدرة على إدراك أهمية الربيع العربي أو التغييرات الجذرية التي أدخلها على المعادلات السائدة. فالربيع العربي حالة مثالية على ما يسمى أكاديميا بـ paradigm shift والتي يمكن ترجمتها بالعربية بـ تحولات الإطار أو تحول النموذح. وهو تحول نوعي في عنصر أو أكثر من عناصر المعادلات أو الموازين يجعها غير قابلة للتطبيق.

وأفضل مثل يشرح هذه التحولات هو الغازات وقابليتها للانضغاط. فنحن نضغط 20 لترا حجما من الهواء إلى لتر واحد في محركات "الديزل أو المازوت". لكننا لو ضغطنا الغاز حتى تحول إلى سائل، ثم قررنا أن نضغط 20 لترا من حجمه سائلا لنجعلها لترا واحدا، فلن نحصد إلا تفجيرا لمكابس الضغط في المختبر كله! وهكذا عقاب الطبيعة لمن لا يدرك تحولات الإطار. ومن يتعامل مع الواقع بخلاف قوانينه فلن تكون نهايته إلا وخيمة! خاصة إذا كان نظاما من النوع الذي لو أدرك تلك الحقائق لم نجد أنه يمتلك القدرة على تغيير ردة فعله تجاهها ! فمنذ أن قام حافظ الأسد بتدمير ثلثي مدينة حماة الفداء وقتل حوالي 100 ألف إنسان أمام سمع العالم وبصره، تأصل عنده مفهوم واحد للحكم ! يقوم على أربعة أركان ذكرناها سابقا.

 

تأخير الربيع مقابل منع قدومه:

فاغتر الغبي المجرم بدعم الاستعمار العالمي له. وبوقوفه في صف إسرائيل فظن أن لن يحور. وظن أن الشعب السوري يهون ! وظن أنه مانعته حصونه الخارجية والداخلية فلم يتنبه أن:

1. الدعم الخارجي والإسرائيلي له.

2. وجود عمق طائفي يجعل شريحة صغيرة من الشعب معه.

3. وقوف القوات المسلحة معه ضد الشعب.

4. ووقوف الإعلام معه.

لن ينقذه ولن يحميه. فالدعم الإسرائيلي الغربي له لن يحسم الصراع وإن كان سيطيل من عمر الصراع. إذ لم يستطع المستعمر نفسه حسم الصراع لمصلحته حين كان يحتل المنطقة. والبعد الطائفي سيطيل من عمر النظام قليلا أيضا ولكنه لن يستطيع حسم النزاع. فأقلية 10% لا يمكن أن تحكم الغالبية الساحقة. ووقوف الجيش والإعلام معه يحوله فقط إلى محتل. وقد فشل المحتل من قبل كما مر. مما يجعل السؤال دائما عما تفعله أنت بالذات ؟ وعما أفعله أنا ؟ فنحن من يطيل ألم المعاناة حين لا نقوم بواجبنا على الوجه المطلوب. فهل نتنبه ونتذكر قوله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

إن مشكلة الثورة الحقيقة وبدون أي مبالغة ليست هي الخذلان الدولي ولا التآمر الإقليمي ولا حتى نظام الأسد وقوته وأسلحته فكل هذه الأمور يمكن إيجاد حلول لها سياسية وعسكرية مبدعة وجديدة، ولكن بشرط واحد وأساسي وهو أن يكون عندنا جسم كامل وسليم للثورة. وهذا الجسم يجب أن يكون فيه يد تبطش ورجل تـتـنقل وصدر يناور وعقل يفكر ويبدع ويخطط والأهم رأس واحد للثورة يفاوض عنها ويمثلها ويحصد أرباح كل الحركة المتأتية عن كامل الجسم.

ومما يمنع نشوء هذا الجسم هم الثوار أنفسهم و أنا و أنت و كلنا بل وبشكل محدد أكثر القيادات في الثورة والذين لا يزيد عددهم عن 200 إلى 300 شخص ممن يعطون الأوامر ويسمع لهم في كتائبهم. و أغلب هؤلاء على خير فيما نحسبهم لكنهم تحت ضغط شديد من الخوف و الحيرة و المسؤولية و عدم الخبرة. من هنا تم تطوير برامج التدريب القوية و المركزة هذه لتزيدهم رفعلة على رفعتهم و ترتقي بهم لتجعلهم قادرين على تشكيل هذا الجسد السليم للثورة. وبعدها كل الأمور تصبح سهلة وممكنة.

وحتى الموارد لمن يتزرع بها فهي متاحة ولا حاجة لانتظارها من أحد. إذ من المعروف علميا أنك لو كنت في معركة وتحتاج في الوضع الطبيعي ألف رصاصة فيمكن اختصارها لمئة رصاصة لو أتقنت التخطيط والإعداد النفسي والعقلي و ارتقيت به. إذن يمكن تعويض النقص في الموارد بالعمل أكثر. فما بالنا اليوم و الموارد في الثورة متوفرة ولكنها مهدرة بشكل كبير! ولو كنت أريد أن أورد لكم أمثلة عايشناها فلن نتوقف حتى الصباح عن تعداد مئات الملايين التي تم إهدارها بدون نفع من تنظيم المؤتمرات في صالات الخمس نجوم إلى المعارك العسكرية الفاشلة إلى أموال الإغاثة المهدرة.

 

و في المستوى الثاني من التدريب سنرى شروط انتصار الثورات و كم منها نجحنا فيه. و فيها سنرى الأخطاء التي ترتكب إلى اليوم و لا تجد من يصححها. كل ذلك بشكل تخصصي لمن يتم إنتخابهم في الثورة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين