نصر الله للمتوكلين

د / طلحة ملاحسين

   الحمد لله الوكيل على كل شيء , البصير بكل شيء ، القدير على كل شيء ،  وسع كل شيء رحمة و علماً ، ماض في خلقه حكمه ،  عدل فيهم قضاؤه ، لا راد لفضله ، و لا معقب لحكمه ، لا مانع لما أعطى ، و لا معطي  لما منع ، من توكل عليه كفاه , و من اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم , و الصلاة  و السلام على خير المتوكلين على الله , و على آله و صحبه الذين اتبعوا هداه , أما بعد ..
  فقد أخبرنا الله عز وجل أنه يحب المتوكلين , الذين يتوكلون عليه وحده و يفوضون أمورهم إليه ، و يستعينون به في صلاح دينهم و دنياهم و آخرتهم .
  والتوكل على الله هو : قوة الاعتماد بالقلب على الله في جلب المنافع و دفع المضار مع تمام الثقة بالله في ذلك , قال تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله , إن الله يحب المتوكلين ) سورة آل عمران ,
  و قد وعد الله عز وجل المتوكلين بالكفاية و العون و النصر و جلب الخير لهم و دفع الضر عنهم ( و من يتوكل على الله فهو حسبه ) سورة الطلاق ، أي : كافيه ، و قال تعالى : ( يا أيها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين ) سورة الأنفال ، الله يكفيك أنت و من آمن بك ،
 كلما قوي إيمان المرء زاد توكله على ربه سبحانه و تعالى ، و كلما قوي توكل المؤمن على الله : أمده الله بالعون و التأييد و التسديد و التوفيق ، قال تعالى : ( و على الله فليتوكل المؤمنون ) سورة آل عمران .
   أخبر تعالى عن مؤمن آل فرعون أنه صدع بينهم بالحق و دعاهم إلى الإيمان بالله و بموسى عليه السلام , و أنه لا ناصر لهم من بأس الله إن جاءهم , و أنه لا عاصم لهم من الله يوم التناد .... ثم قال : ( و أفوض أمري إلى الله , إن الله بصير بالعباد ) فحماه الله من بطش آل فرعون و إجرامهم ( فوقاه الله سيئات ما مكروا , وحاق بآل فرعون سوء العذاب .. ) سورة غافر .
  لقد مكروا به المكر السيء لأنه نصحهم و أراد نجاتهم و سعادتهم , و لكن الله نجاه منهم ، و دمرهم تدميراً .
  و  الاستعانة بالله هي عين التوكل على الله , أخبر الله عز وجل عن المؤمنين المصلين أنهم يقولون : (إياك نعبد و إياك نستعين ) سورة الفاتحة .
  والمعنى : نستعينك وحدك على عبادتك و توحيدك ، و على أمور دنيانا وآخرتنا ، فالعباد فقراء إلى الله ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد ) سورة فاطر .
وقولهم ( و إياك نستعين ) لم يقل نستعين في كذا و  كذا , لتكون الاستعانة مطلقة في جميع الأمور و الأحوال و الظروف المكانية و الزمانية .
و قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم :: ( و  اصبر , و  ما صبرك إلا بالله ) .      
لن تستطيع الصبر إلا بأن يصبرك الله و يعينك و يهدي قلبك ، فيرضى القلب و يسلم , و في سورة هود عليه السلام : أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يستمر في عبادة الله مع التوكل عليه , رغم ما يصيبه من أذى و  تكذيب من الكفار ( و لله غيب السموات و الأرض و إليه يرجع الأمر كله , فاعبده و توكل عليه , و ما ربك بغافل عما تعملون ) . أي : اعبد الله و فوض أمرك إليه ، و اجعل اعتمادك عليه في نصرك و نصر دينك و أمتك و حماية الله لك من المكذبين الضالين , و في صلاح أمرك كله عاجله و آجله ....
  المؤمن متوكل على الله عز وجل في جميع أموره و أحواله , فحين يصبح و حين يمسي يدعو ربه – في أذكار الصباح و المساء – طالباً أن يحفظه و يعافيه و يعيذه من شر كل ذي شر من الإنسان والجان ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء و هو السميع العليم )
( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )
( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا و الآخرة , اللهم أسألك العفو و العافية في ديني و دنياي و أهلي و مالي , اللهم استر عوراتي و آمن روعاتي , اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي ، و عن يميني و عن شمالي و من فوقي ، و أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي )
( اللهم بك أصبحنا ، و بك أمسينا ، و بك نحيا ، و بك نموت ، و إليك النشور )
( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ,  و أصلح لي شأني كله ، و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً )
و عند النوم ( باسمك ربي وضعت جنبي و بك أرفعه , إن أمسكت نفسي فارحمها و إن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) .
و عند الخروج من المنزل ( بسم الله , توكلت على الله , لا حول و لا قوة إلا بالله ) .
و تزداد حاجة المؤمن إلى التوكل على الله و الاعتماد القوي بالقلب على الله في طلب النصر على الأعداء و عند الشدائد عموماً ، و الخوف من وقوع المصائب :
   فإذا أردنا أن ينصرنا الله على أعدائنا فلنصدق التوكل على الله مع الأخذ بما نستطيع من أسباب النصر المعنوية و المادية , قال تعالى : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده , و على الله فليتوكل المؤمنون ) سورة آل عمران .

    و يكون التوكل أيضاً  عند الخوف من ضرر مادي أو معنوي كما في النجوى : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله و على الله فليتوكل المؤمنون ) سورة المجادلة , و النجوى  تحزن المؤمن عندما يرى من يتوقع أنه يتآمر عليه و يكيد له في السر , و قد يخاف المؤمن من عدو يريد أن يضره بالسحر , فقال تعالى : ( و ماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) سورة البقرة .
  و حينما خاف أصحاب موسى عليه السلام أن يفتنهم فرعون و جنوده , قال لهم موسى عليه السلام : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين , فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين , و نجنا برحمتك من القوم الكافرين ) سورة يونس ، توكل و اعتماد بالقلب على الله , و دعاء و رجاء باللسان , و تذلل و تضرع لله بالجوارح و الأركان .
  و لما كذبت عاد هوداً عليه السلام و اتهموه بأن آلهتهم المزعومة مسته بسوء وجحدوا البينات التي جاء بها , وقف لهم متبرئاً من شركهم و متحدياً كيدهم و أنهم بإذن الله لا يستطيعون أن يصلوا إليه بسوء و لو اجتمعوا عليه كلهم ، إلا إن يشاء الله شيئاً :
( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة و ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك , و ما نحن لك بمؤمنين , إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء )
فرد عليهم ( قال إني أشهد الله و اشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه , فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون , إني توكلت على الله ربي و ربكم ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم ) .
فكانت النتيجة : ( و لما جاء أمرنا نجينا هوداً و الذين آمنوا معه برحمة منا و نجيناهم من عذاب غليظ ... ) سورة هود , نجاه الله و من معه من المؤمنين ، وأهلك قومه الذين كذبوه ، و حلت عليهم لعنة الله .
و حين أمر الله عز وجل بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة مع نبيه موسى عليه السلام ، رفضوا الدخول بحجة أن فيها قوماً جبارين ، مما يعني خوفهم منهم ، فنصحهم رجلان ممن يخافون الله : بطاعة الله و رسوله ، وذكروهم بالتوكل على الله و سينصرهم الله _ لو سمعوا و أطاعوا _  ( قال رجلان من الذين يخافون _ أنعم الله عليهما _ : ادخلوا عليهم الباب ، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ، و على الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) سورة المائدة .

 

 

فقولوا يا ثوار سوريا :
( على الله توكلنا ، ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق ، و أنت خير الفاتحين )
من سورة الأعراف

 

 

و لكنهم عصوا الله فعاقبهم بالتيه في الأرض أربعين سنة ، بسبب فسوقهم .

 

 

  توكلوا على الله و خذوا بأسباب النصر ، و أعدوا لطاغية سوريا و جنوده ما استطعتم من قوة ترهبون بها عدو الله و عدوكم , و ثقوا بنصر الله لأوليائه المؤمنين المتقين , فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) رواه البخاري .


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين