نحو مؤسسة عالمية لفنانيي الثورة المصرية

عشنا عقودا من الزمان ينتشر فيها الفن الذي لا يغرس قيمة، ولا يبني ثقافة، ولا يرقى بوجدان، ولا يهذب أخلاقا، ولا يرشد سلوكا .. بل كان الفن - في مجمله وفي السياق العام للفن والثقافة – طَوَالَ هذه العقود فنًّا هابطًا؛ يهدم القيم، ويدمر الأخلاق، ويدعو للرذيلة، وبلغ الحد أخيرا بهذا الفن إلى تكريس تقسيم المجتمع وتحطيم النسيج الاجتماعي وبث الكراهية والبغضاء: "احنا شعب وانتو شعب ... لينا رب وليكو رب"؛ فضلا عن الأغاني الشيطانية النفاقية التي تؤله الحاكم وتضعه في مكان ومكانة لا يسكن فيها البشر.

ومع بزوغ نجم الثورة المصرية منذ 25 يناير وما قبلها وبعدها حتى اليوم، ظهرت نخبة جديدة من المنشدين المقتدرين، أصحاب الكلمات المنتقاة، والمعاني المعبرة عن نبض الشارع، وأحداث الواقع، وهموم الناس، الذين جددوا فينا الأمل، وقدموا الغذاء والوقود الفني للمرابطين وأصحاب المبادئ الثابتة والأخلاق العالية، ودعموا عاشقي الحرية والكرامة والعدالة، ومناهضي القهر والكبت والقتل والظلم والعسف والاستبداد.

ظهرت هذه النخبة المميزة الجديدة والمتجددة التي أذكر منهم ولا أعدُّهم: ياسر المناوهلي، وأحمد بوشهاب، ومحمد عباس، ومحمد الصنهاوي، وياسر أبو عمار، وعبد الرحمن القريوتي، وإبراهيم الأحمد، وحامد موسى، والمنشد الشهيد محمد بيومي الذي ألهب الجماهير على منصة رابعة العدوية، وغيرهم.

بالإضافة إلى منشدين غير مصريين تجاوبوا مع مصر وقدموا لثورتها أفضل ما قدموا، مثل: رشيد غلام، ويحيى حوا،  .. وأخيرا ظهر فنانو أوبريت رابعة العالمي (كانت إشارة) الذي أحياه وأسهم فيه: 24 فنانًا بـ 6 لغات من 16 دولة، يوم 24 يناير 2014م، واحتضنته العاصمة التركية الحرة اسطنبول.

ظهرت هذه النخبة فقدمت الفن الهادف، الذي يبث الأمل، ويشحذ الهمم، ويقدم الغذاء الروحي، ويعزز الرقي الوجداني، بحناجرهم القوية، وأصواتهم الملائكية، وقدرتهم على التأثير، وتوفيقهم في اختيار الأوقات التي يبثون فيها فنهم للناس.

تميز ما قدمته هذه الصفوة من فن بالكلمات الراقية، والأداء المميز، والإخراج الجميل، مما جعلها تتجاوز حدود المصرية إلى رحاب العالمية والإنسانية؛ لأنه فن لا يتحيز لفئة أو حزب أو رأي، وإنما هو فن يعبر عن صوت المعاناة البشرية، ويخاطب ضمير الإنسانية.

إنني إذ أعرب عن سعادتي بهذا الجيل من الفنانين والمنشدين - ونحن فقراء في الجانب الفني والإعلامي - فإنني أدعو إلى إنشاء مؤسسة عالمية – سَمِّها هيئة أو اتحادا أو رابطة أو مؤسسة – تضم هؤلاء الفنانين العظام، لتكون لهم مرجعا ومأوى وموئلا، وبيتا يجمعهم، يلتقون فيه، ويبحثون قضاياهم وما تم تقديمه، وما يمكن أن يقدموه للأمة والإنسانية في المرحلة القادمة، ليغرسوا بأيديهم مكانا للفن الهادف، ويبينوا للعالم أن الإسلام يمكن أن يقدم للإنسانية ما لم يقدمه غيره، فنا راقيا جميلا؛ يتحدث عن قيم الإنسان ويعبر عن معاناته في كل مكان، فإن للفن أثرا وتأثيرا لا يستطيع العلماء أن يبلغوه، ولا الخطباء أن يدانوه، ولا الكتاب أن يقتربوا من آفاقه ومداه، دون تقليل من جهد الدعاة والعلماء، وسمو مكانتهم، وعلو منزلتهم، فلكلٍّ مجاله وخطابه!

إنني أدعو هؤلاء المنشدين المبدعين، ومن معهم من الشعراء والملحنين والمخرجين، إلى إنشاء هذه المؤسسة، تضمهم وتضم من معهم حول العالم .. فقد آن لنا أن نهتم بالفن، وبالإعلام، لنقدم للعالم نموذجا مختلفا، يسعى لبناء القيم، وترشيد السلوك، وتهذيب الوجدان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين