نحن وأطفالنا أينا أحوج إلى الآخر

 

كثير منَّا عندما يتحدَّث عن الطفولة يستشعر ضعفها واحتياجها، أمام قوَّته واستغنائه فيما يقدِّم من الخدمة لها، وضعف الإنسان في مرحلة الطفولة أمر مُسلَّم به مشهود، نصَّ عليه القرآن الكريم في مناسبات متعدِّدة، ولكنَّ ذلك لا يعني الاستخفاف بشأن الطفولة، وأن نُغفِلَ مِننَ الله علينا بها، وأثرها الكبير في تحقيق إنسانيَّة الإنسان، وفي بناء المجتمع الإنسانيِّ ونموِّه وتطويره.

 

الطفولة هي الصفاء والبراءة، هي الفطرة والبهجة، هي المستقبل والأمل، هي واحة العطاء المتفتِّحة، في بيداء الحياة الكالحة..

 

ألسنا بحاجة إليهم لندخلَ مرحلة الأبوَّة وما بعدها؟

 

ألسنا بحاجة إليهم لتنْضُجَ عواطفنا الإنسانيَّة، وتسمو مشاعرنا، ونعرف أقدار أمَّهاتنا وآبائنا؟

 

ألسنا بحاجة إليهم ليكونَ لنا ذخر من الأجر عند ربِّنا، وذكر حسن بعد موتنا؟

 

ألسنا بحاجة إليهم لنحقِّقَ بهم من طموحنا، ما عجزنا عن تحقيقه بأنفسنا؟

 

ألسنا بحاجة إليهم لندخلَ البهجة إلى قلوبنا، وتتوثَّق روابطُنا بأزواجنا؟

 

ألسنا بحاجة إليهم! إنَّ حاجة الأبوَّة إلى الطفولة في هذه الأمور كلِّها وغيرها..

حينما فقد الأديب أحمد حسن الزيات ولده الوحيد (رجاء) ذي الأربع سنوات, بسبب مرض ألَـمَّ به , فكتب والده قطعة نثرية باكية تذوب حروفها أنيناً , فكان مما قال:

(هذا ولدي كما ترى، رُزِقته على حالٍ عابسةٍ كاليأس، وكهولة بائسة كالهرم، وحياة باردة كالموت، فأشرق في نفسي إشراق الأمل، وأورق في عودي إيراق الربيع، وولَّد في حياتي العقيمة معاني الجدَّة والاستمرار والخلود!

 

فهو صغيراً أنا، وأنا كبيراً هو؛ يأكل فأشبع، ويشرب فأرتوي، وينام فأستريح، ويحلم فتسبح روحي وروحه في إشراق سماوي من الغبطة لا يُوصَف ولا يُحَدُّ.

ذلك كلُّه انعكاس حياة على حياة، وتدفق روح في روح، وتأثير ولد في والد! ثم انقضت تلك السنون الأربع! فطوّحت الواحة وأوحش القفر، وانطفأت الومضة وأغطش الليل، وتبدد الحلم وتجهَّم الواقع، وأخفق الطب ومات "رجاء")!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين