في أوقات الضيق والكرب والضغط الشديد، عندما يَثقُل الحِمل ويعظم الهَمّ ويظن المرء أنه فاض كَيلُه ولم يبقَ في قوس صبره مِنْزَع، عندها يحتاج المرء إلى ثلاثة أنواع من الثقة لينجو من المحنة وينجح في البقاء.
في المقام الأعلى الثقة بالله، وجوهرُها الثقة بمعيّة الله ولطفِ تقديره وحُسنِ اختياره للعباد، سواء ظهر هذا الاختيار في عين العبد خيراً أو بدا في ظاهره شراً، فكم من خير رجوناه وهو شر في حقيقته، وكم من شر دفعناه وهو في حقيقته خير: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم}. ولأن هذه القاعدة صعبٌ فهمُها على ظاهرها فقد جاء التعقيب المطَمْئن الجميل في خاتمة الآية: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وفي المقام الثاني الثقة بالقضية التي يحملها الإنسان، سواء أكانت قضية عامة أم خاصة. فمَن أرهقه الجهد وهو يسعى في سبيل الرزق سيصبر عليه ما وثق بأنه السبيل إلى الحياة الكريمة، ومن شَقّ عليه الدواء المُرّ سيتجرعه راضياً إذا وثق أنه خير وسيلة إلى الشفاء بإذن الله. ومَن حمل العبء الهائل في ثورته الطويلة في سوريا لن ييأس ما بقيت ثقتُه في ثورته وفي الطريق الذي اختاره وارتضاه، وما علم علم اليقين أنه لا طريق للحياة والنجاة سواه.
وفي المقام الثالث الثقة بالذات، فمَن لم يثق بنفسه أنهكته الصعاب الجِسام وسحقته الأحمال الثقال واستنفد الجهدُ طاقتَه وبدّد طولُ الطريق قُواه، ومن وثق بنفسه رأى الحملَ الثقيل خفيفاً والطريقَ الطويل قصيراً، ولم تَزده التحدياتُ إلا إصراراً والصعابُ إلا ثباتاً. وهو لا يظن أنه منتصر على عدوه، بل إنه يرى انتصارَه على عدوه يقيناً حتماً آتياً بقدرة الله؛ إنه يوقن أنه منتصر على عدوه بثقته بكرم ربه وثقته بسموّ قضيته وعلوّ همته، منتصر وإنْ طال الطريق، منتصر ولو بعد حين.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول