نبي الرحمة (33)

طور جديد من العهد المدني

إن الهدنة أعطت للمسلمين فرصة لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها، وبرز نشاطهم في الدعوة على نشاطهم العسكري. وقسمت هذه المرحلة على قسمين: ١-النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء. ٢-النشاط العسكري.

*مكاتبة الملوك والأمراء: لما أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب إلى الملوك، قيل له: إنهم لا يقبلون إلا وعليه خاتم، فاتخذ صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من فضة، نقشه: محمد رسول الله، وكان "محمد سطر"، "رسول" سطر، "الله" سطر. واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة. وفيما يلي نصوص هذه الكتب:

١-الكتاب إلى النَّجَاشِيِّ ملك الحبشة:

رسله مع عَمْرُو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيّ في آخر سنة ٦هـ. ونص الكتاب رُوي عن ابن إسحاق:(هذا كتاب من محمد النَّبيّ إلى النجاشيّ الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم{يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:٦٤] فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك) ولما بلّغ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيّ كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى النجاشي أخذه النجاشيّ، ووضعه على عينه ونزل عن سريره على الأرض، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء، والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تُفْروقاً، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بها إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين). وكان صلى الله عليه وآله وسلم طلب منه أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري. توفي النجاشي في رجب ٩هـ، ونعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم وفاته، وصلى عليه صلاة الغائب.

٢-الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جُرَيْج بن مَتَّي الملقب بالمُقَوْقِس (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط.{يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:٦٤]. واختار حاطِبَ بنَ أبي بَلتَعةَ رسولاً، فلما دخل حاطب على المقوقس قال له: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك. فقال المقوقس: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه. فقال حاطب: ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به. فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر. وأخذ الكتاب فجعله في حُقٍّ من عاج، وختم عليه ودفع به إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك. ولم يزد على هذا ولم يُسْلِمْ، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة دُلْدُلُ بقيت إلى زمن معاوية، واتخذ صلى الله عليه وآله وسلم مَارِيَةَ سريَّة له، وهي التي ولدت له إبراهيم. وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري.

٣-الكتاب إلى كسرى ملك فارس:

كتب صلى الله عليه وآله وسلم إلى كسرى ملك فارس:(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأَسْلِمْ تَسْلَمْ، فإن أَبَيْتَ فإن إثم المجوس عليك) وحمل الكتاب عبدُ الله بنُ حُذَافَةَ السَّهْميُّ، فلما قرئ الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة: عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك صلى الله عليه وآله وسلم قال:(مزق الله ملكه) وقد كان كما قال. فقد كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن: ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين عندك جلدين، فليأتياني به. فاختار باذان رجلين ممن عنده، وبعثهما بكتاب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأمره أن ينصرف معه إلى كسرى، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أحدهما: إن شاهنشاه- ملك الملوك- كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولاً تهديدياً، فأمرهما صلى الله عليه وآله وسلم أن يلاقياه غداً. وفي ذلك الوقت قامت ثورة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن هزم جنوده أمام جنود قيصر، وقتل شيرويه أباه كسرى، وأخذ الملك لنفسه، وعلم صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من الوحي، فلما غدوا عليه أخبرهما بذلك: فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا عنك، ونخبره الملك. قال: (نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى! وينتهي إلى منتهى الخف والحافر- إلى كل مكان- وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك، وملكتك على قومك من الأبناء)، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه، وفيه: انظر الرجل الذي كان كتب فيه أبي إليك، فلا تهجه-لا تتعرض له- حتى يأتيك أمري. وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن.

٤-الكتاب إلى المنذر بن ساوى:

كتب صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين كتاباً يدعوه للإسلام، وبعثه مع العَلاَء بن الحَضْرمي، فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما بعد يا رسول الله، فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلي في ذلك أمرك، فكتب إليه صلى الله عليه وآله وسلم:(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد فإني أذكركَ الله عزّ وجلّ، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي، ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعّتكَ في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعز لك عن عملك ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية).

٥-الكتاب إلى قيصر ملك الروم:

اختار دَحْيَة بن خليفة الكلبي لحمله وفيه:(بسم الله الرحمن الرحيم مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ. يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ {يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:٦٤].

عن ابن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم مادّ - صالح- فيها كفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذَبَني فكَذِّبوه، فوالله لولا الحياء من أن يَأْثِرُوا علي كذباً لكذبت عنه. ثم قال: أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سَخْطةً لدينه بعد أن يدخل فيه، قلت: لا. قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها- قال: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة- قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله فذكرت أن لا. قلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، فقلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال: فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سَخْطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يَغْدِرُ؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لَتَجَشَّمْتُ لقاءه، ولو كنت عنده لَغَسَلْتُ عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله علي وآله ه وسلم فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا، قال: فقلت لأصحابه حين أخرجنا، لقدْ أَمِرَ أمْرُ ابنِ أبي كَبْشةَ- عَظُمَ- إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله عَلَيَّ الإسلام. هذا ما رآه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان من أثره عليه أنه أجاز دحية حامل كتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمال وكسوة، ولما كان دحية بحِسْمَى في الطريق لقيه ناس من جذام، فقطعوها عليه فلم يتركوا معه شيئاً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره، فبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة إلى حِسْمَى، في خمسمائة رجل، فشن الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً، واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، والسبي مائة من النساء والصبيان. وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان قد أسلم هو ورجال من قومه ونصروا دحية حين قطع عليه الطريق، فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجه وأمر برد الغنائم والسبي.

٦-الكتاب إلى هُوْذَة بن علي صاحب اليمامة:

اختار لحمل هذا الكتاب سَلِيط بْن عَمْرٍو العَامِرِيّ وفيه:(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هُوْذَة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلْ لَكَ مَا تَحْتَ يَدَيْك) فلما قرأ عليه الكتاب رد عليه: "ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك" وأجاز سليطا بجائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، وقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابه فقال: (لَوْ سَأَلَنِي سَيَابَةً مِنْ الْأَرْضِ مَا فَعَلْت، بَادَ وَبَادَ مَا فِي يَدَيْهِ) فلما انصرف صلى الله عليه وآله وسلم من الفتح جاءه جبريل بأن هوذة مات، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أَمَا إنّ الْيَمَامَةَ سَيَخْرُجُ بِهَا كَذّابٌ يَتَنَبّأُ، يُقْتَلُ بَعْدِي) فقال قائل: يا رسول الله من يقتله؟ فقال:(أنت وأصحابك) فكان كذلك.

٧- الكتاب إلى الحارثِ بنِ أبي شِمْرٍ الغسَّانيِّ صاحب دمشق:

اختار شُجاعَ بنَ وَهْبٍ من بني أسد بن خزيمة وكتب إليه:(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَبْقَى لَكَ مُلْكُكَ) ولما أبلغه الكتاب قال: من ينزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولم يُسلم.

٨-الكتاب إلى ملك عمان:

كتب صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملك عمان جَيْفَرَ وأخيه وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلَنْدَي:(بسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى جَيْفَرَ وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلَنْدَي سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى، أَمّا بَعْدُ؛ فَإِنّي أَدْعُوكُمَا بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمَا تَسْلَمَا فَإِنّي رَسُولُ اللّهِ إلَى النّاسِ كَافّةً، لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَإِنّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالْإِسْلَامِ وَلّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرّا بِالْإِسْلَامِ فَإِنّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلّ بِسَاحَتِكُمَا وَتَظْهَرُ نُبُوّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا) واختار لهذا الكتاب عمرو بن العاص. قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد فقلت: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: يا عمرو، إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة. قلت: مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً. فسألني أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم. قال: وكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب. قلت: ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي. قلت: بلى، قال: فبأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج له خرجاً، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لا والله لو سألني درهماً واحداً ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له اليَنَّاق أخوه: أتدَع عبدك لا يخرج لك خرجاً، ويدين بدين غيرك ديناً محدثاً؟ قال هرقل: رجل رغب في دين، فاختاره لنفسه ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع. قال: انظر ما تقول يا عمرو؟ قلت: والله صدقتك قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا، وعن الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو كان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن به ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذَنَباً. قلت: إنه إن أسلم مَلَّكَهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم. قال: إن هذا لخلق حسن وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. قال: يا عمرو، وتؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعي الشجر وترد المياه؟ فقلت: نعم فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون لهذا. قال: فمكثت ببابه أياماً وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوماً فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي فقال: دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوماً ففض خاتمه، وقرأ حتى انتهي إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه، إما راغب في الدين وإما مقهور بالسيف. قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدي الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه الحَرجَة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتبعته توطئك الخيل وتبيد خضراءك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال، قال: دعني يومي هذا وارجع إلى غداً. فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو، إني لأرجو أن يسلم إن لم يَضِنَّ بملكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبي أن يأذن لي. فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن مَلّكْتُ رجلاً ما في يدي، وهو لاتبلغ خيله هاهنا، وإن بلغت خيله لقيت قتالاً ليس كقتال من لاقى. قلت: أنا خارج غداً، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إليَّ، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعاً، وصدقا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخليا بيني وبين الصدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني .

وبهذه الكتب كان صلى الله عليه وآله وسلم قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك الأرض. فمنهم من آمن به ومنهم من كفر.

يتبع .......

منقول بتصرف يسير من كتاب السيرة ( الرحيق المختوم )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين