ميزان الآخرة

 

تختلف موازين القياس عند كثير من الناس باختلاف مرجعيتهم ومصالحهم وأهدافهم في الحياة ولا شك عند العقلاء أن ميزان الآخرة هو الميزان الصحيح الذي يجب أن توزن به الأعمال  يقول صلى الله عليه وسلم (من أصبح والدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ومن أصبح والآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهى راغمة)

وقال لحارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم  (لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك) قال عزفت نفسي عن الدنيا فأظمئت نهاري وأحييت ليلي وأصبحت كأني أنظر إلي عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل النار وهم في النار يضامون وإلى أهل الجنة وهم في الجنة ينعمون قال صلى الله عليه وسلم  (عرفت فلزم)

وصوب صلى الله عليه وسلم  الميزان لعائشة رضى الله عنها حين ذبحت في البيت شاه وقسمتها ووزعتها على الفقراء وأبقت الكتف له صلى الله عليه وسلم  ولكنها أخطأت في اللفظ فقط فقال صلى الله عليه وسلم  ما بقى منها قالت فنيت كلها إلا كتفها فقال صلى الله عليه وسلم  (بل بقيت كلها إلا كتفها ) في تصحيح واضح للفظ وللمعنى فذلك هو الطريق الصحيح والمعيار السليم لميزان الأعمال أن ما عند الله خير وأبقى وتلك هى التجارة الرابحة مع الله في الدنيا والآخرة

وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ،وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ،وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ،فاتقوا النار ولو بشق تمره) متفق عليه

فلن يكون لنا بين يدي الله في الآخرة إلا ما قدمت أيدينا في الدنيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار ، فاسلكوا أي طريق شئتم فأي طريق سلكتم وردتم علي أهله ، من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه)

وكان بلال مولى أبي بكر التابعي الجليل يشاهد سباقا للخيل كما نشاهد نحن اليوم مباريات كرة القدم فسأله رجل من سبق قال سبق المقربون قال الرجل عن الخيل أسألك قال وأنا على الخير أدلك ،هكذا القلوب المتصلة بالسماء المتعلقة بربها جل وعلا تسير على الأرض ولكن قلوبها معلقة بميزان السماء 

وهذا عمر بن عبدالعزيز لما رأى زحام الناس وهم نزول من على جبل عرفات

قال (أيها الناس ليس السابق اليوم من سبق به بعيره ولكن السابق من غفرت له ذنوبه)

عندما نزن الأمور بالميزان الصحيح يكن شعارنا كما كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  (فزت ورب الكعبة) مهما كانت التضحيات يكن الشعار إني لأجد ريح الجنة ولعلي أطأ بعرجتي هذه الجنة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين