موسكو تسوق خطة طهران، فهل يقبل بها السوريون؟

 

آخر نكتة سمجة أطلقتها طهران أن تعلن مبادرة يسوّق لهاوجه النحس سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا وتتمثل: بوقف النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات بإشراف دولي وتعديل الدستور بما يتوافق مع طمأنة الأقليات. ومن دون مناقشة هذه البنود لنحكم عليها ،لا تمل طهران من طرح المبادرات لعل وعسى أن تقبل الدول التي تزعم أن لها المونة على أهل السنة في سورية. هذه المبادرات لا تخرج عن مضمون واحد هو إعادة تأهيل بشار، وفي احتمال أخير أن تستبدل به طربوشا آخر يكون مقبولا عند من يزعمون أن قلوبهم على سورية مثل واشنطن، ومن العرب فإن القاهرة تدعي زورا أنها مع السوريين.

 

حتى الآن لم يقف بجانب السوريين إلا المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. فلم يعد سرا أن هذه الدول الثلاث قدمت للسوريين ما لم يقدمه أحد غيرها. لذلك تعرضت للنقد من الجميع، مَن كان في الصف المعادي، ومن وقف على الحياد. هؤلاء وأولئك يريدون من الدول الثلاث أن تقف متفرجة تعد البراميل التي يقصفها بشار فوق رؤوس السوريين، كما يفعلون هم.

 

طهران ما فتئت تبدي عداوتها لكل ما هو سني في سورية وفي غير سورية، وتؤكد المقولة المشهورة "عدو جدك ما يودك".موسكو كما واشنطن، تزوّر المفاهيم. فهي تريد تشكيل حلف من السوريين المعتدلين ومن بشار أسد لمحاربة الإرهابيين! فمن هم هؤلاء المعتدلون حسب مفهوم موسكو؟ لعلهم هيئة التنسيق وقدري جميل وهيثم مناع ومن على شاكلتهم.

 

موسكو تحاول أن تستميل الائتلاف التي قامت قيادته بزيارتها، فربما يقبل بعضهم. الائتلاف على كل حال، عند السوريين ليس صاحب قرار. فليس محاربا على جبهات القتال، ولا تقيم له عواصم القرار الدولي وزنا إلا أن "يبصم" على ما تتوافق عليه موسكو وواشنطن.       

 

لو رحت تتفحص شخصية لافروف لوجدت محمد جواد ظريف وزير خارجية طهران مختبئا داخل عباءته. مع ذلك يحلو لبعض المعلقين السياسيين أن يزعموا أن موسكو تخلت عن بشار! هذاالزعم كذبه لافروف نفسه في اللقاء الذي جمعه مع الوزير السعودي عادل الجبير بموسكو.

 

 فقد كان الوزير الروسي يتوقع أن يجامله الوزير السعودي بعض الشيء.

 

لكن الوزير السعودي الجبير أعلنها صريحة واضحة، بلا رتوش ولا تلوين، أعلنها بالأبيض والأسود كما يقال. قال الجبير في المؤتمر الصحفي: "بشار أسد لا مكان له في سورية، إما أن يذهب من تلقاء نفسه سلما، وإما أن يطاح به حربا، ولا طريق ثالث". ما جعل لافروف تتغير ملامح وجهه فيقول: "إن الشعب السوري وحده صاحب القرار فيما يتعلق بمصير بشار الأسد". ولأنه يعرف أن أي انتخابات وبشار أسد في السلطة، فسوف يستعمل فيه ما كان يفعل بشار لتزوير إرادة السوريين.

 

أما واشنطن فالمعتدلون عندها هم من يقاتلون تنظيم الدولة "داعش". ولو وقفت واشنطن عند محاربة داعش ربما هان الأمر.لكن لا بد أن يقاتل هؤلاء المعتدلون من تسميهم واشنطن زورا بالإرهابيين، وهم الفصائل الإسلامية التي تقاتل النظام كجبهة النصرة وأحرار الشام وجند الأقصى، ولاينتهي الأمر إلا بعد أن يحتوي العد أكثر من ثلاثين فصيلا مقاتلا.

 

هؤلاء الفصائل يقاتلهم داعش أكثر مما يقاتل النظام، وتقصفهم واشنطن باعتبارهم إرهابيين. بينما الفصائل الشيعية التي تستهدف  المدنيين السوريين فلا تعتبرهم واشنطن إرهابيين، فلا تقصفهم كما تقصف النصرة وأحرار الشام كما فعلت في 10 آب عندما قصفت أطمة في ريف إدلب. لذلك لا عجب إذا رأينا أن واشنطن دفعت 40 مليون دولار لكنها لم تستطع أن تجند إلا أقل من60معارضا. فقد رفض السوريون الذين قبلوا في البدء أن تجندهم واشنطن، ثم ترك معظمهم دولاراتها وقالوا: "رزقنا على الله!".

 

قتل من السوريين أكثر من ربع مليون سوري، وفقدوا ضعف هذا العدد، وهُجّر أكثر من عشر ملايين، منهم 4 ملايين في دول الجوار، وهدم ربع أبنية سورية. مع ذلك فلن يقبل السوريون أن يتعايشوا مع بشار ونظام بشار ولو استمر القتل فيهم خمس سنوات أخرى.

 

طهران لا تيأس من طرح المبادرات وتعمل على نجاحها من دون كلل وملل. وعندما تجد أن مبادرتها لم تلق قبولا تطرح مبادرات غيرها ولو كانت غير مقبولة. موسكو نفسها غير مقبولة عند السوريين مهما تجملت وتزينت ولبست أحلى ما عندها، لآنها سلحت بشار بكل الأسلحة التي قتلت من السوريين مئات الآلاف.

 

أما واشنطن فقد سجلها السوريون في خانة الأعداء. فهي أسوأ من طهران وموسكو، لأنها ترى براميل بشار تقتل وتدمر فلا تحرك ساكنا. بل إنها منعت تركيا والسعودية عن أن تسلح السوريين بصواريخ أمريكية تحمل على الكتف لإسقاط طائرات بشار. هذا ليس رأيي وحدي، بل إن السوريين، إسلاميين كانوا أو علمانيين أو قوميين أو يساريين يوافقون على هذا الرأي، ولتنظر واشنطن كم سوري قَبِل أن يجند نفسه معها؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين